تخليدا للذكرى 58 لاغتيال الشهيد عباس المسعدي، قائد جيش التحرير بالريف الشرقي الذي اغتيل بتاريخ 27 يونيو 1956، و تنويرا للرأي العام اجرى كل من جمال الكتابي و سعيد العمراني التحقيق التالي: كثر الحديث مؤخرا حول اغتيال الشهيد عباس المساعدي و خاصة بعد صدور الكتاب "عباس المساعدي، الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير..."، لمؤلفه محمد لخواجة، و إثارة اسمه في مذكرات احرضان، و التهم المتبادلة علانية حول من يقف وراء اغتياله. و من دواعي الغيرة على ذلك الرجل الكبير و تاريخه الكفاحي و دوره البارز في قيادة جيش التحرير في الشمال الشرقي للمغرب و بحثا عن الحقيقة، أجرينا تحرياتنا حول عائلة الشهيد و تمكنا من الإلقاء بها شهر مارس الماضي. و تحدثنا معها مباشرة حول شخصية عباس المساعدي و حيثاث اغتياله، و كيف؟ و لماذا؟ و من كان وراء اغتال الشهيد؟ عباس المساعدي و الريف يعد عباس المسعدي من ابرز مؤسسي جيش التحرير و قادتها إلى جانب الصنهاجي و آخرين. قبل التحاقه بالريف كان مناضلا بارزا بالدارالبيضاء مما كلفه حريته اذ اعتقل لمدة تفوق 22 يوما سنة 1953 و عذب عذابا اليما من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية. شجاعته و صموده ابهر جلاديه كما أثار إعجاب و اعتزاز رفاقه لاسيما منهم الشهيد محمد الزرقطوني و ابراهيم الروداني. غادر عباس الدارالبيضاء في اتجاه جبال الريف بعد ان اقتنع بان لا خيار سوى ايجاد استراتيجية بديلة لمواجهة المحتل الغاصب تعتمد على حرب تحرير طويلة النفس و ضرورة تنظيم الشعب في الجبال و البوادي لاستنزاف قوات الاحتلال. قرر عباس الالتحاق بجبال الريف وفلاحيه الفقراء ليستقر نهائيا بين أبناء الريف الكبير، ليربط مصيره بمصيرهم في بناء جيش تحرير الشمال والأطلس المتوسط من أجل إنجاز استقلال حقيقي للمغرب. عباس جاء تاركا المدينة وماكريها بعد إقصاءه من طرف هؤلاء من قيادة المقاومة المسلحة بالدارالبيضاء مباشرة بعد اغتيال الشهيد الزرقطوني احد ابرز قادة جيش التحرير بالبيضاء. بتاريخ 5 يوليوز1955، و صل عباس المساعدي إلى الريف الشرقي حيث وجد هناك رجالا مسلحين شبه منظمين في مجموعات صغيرة لدى اغلبيتهم تجربة قتالية مهمة اكتسبوها إبان فترة مقاومتهم للاستعمار الاسباني بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي. كما لمس عند أغلبيتهم حساسية كبيرة اتجاه حزب الاستقلال و قيادته التي وقعت اتفاقيات إكاس ليبن ضدا على إرادة جيش التحرير و غالبية الشعب المغربي. بعد التحاقه بالريف احتك سريعا بالسكان الريفيين وتعلم لغتهم كما شرع في بناء التنظيم على خط الجبهة الممتدة من قبائل أيت يزناسن ،أيت صغروشن ،أيت وراين مرورا بالناظور ومثلث الموت مرنيسة ومطالسة. و اتخذ عباس من الناظور المقر المركزي لقيادة جيش التحرير. فبالإضافة إلى تشنج علاقته عباس المسعدي ببنبركة، فان ديناميته و حركيته المتواصلة و سفرياته المتعددة و التقائه بزعيم الثورة الريفية محمذ بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة عجلت إعلان ابتعاده وبالتالي تقديم استقالته من حزب الاستقلال وذلك بالضبط يوم 16 ماي 1956 (وثيقة رسمية). لعنة المكر هذه لحقته واطالته حتى في الريف من مليشيات تابعة لحزب الاستقلال التي كانت تريد إلحاق جيش التحرير بالشمال الشرقي بحزب الاستقلال و لو بالقوة. عباس رفض ذلك العرض ولو تحت تهديد السلاح معتبرا تلك الجماعة ب"الكارثة"، إذا سيطرت لوحدها على المقاومة ومن ثم السلطة. و عند تعاظم دوره وشأنه تم تصفية عباس المساعدي في 27 يونيو 1956 ، وهذه المرة ليست من طرف قوات الإحلال بل بنيران "صديقة" التي نفذت عملية الاغتيال في واضحة النهار. و للإشارة فان هذا الاغتيال جاء سياق الحملة الواسعة من الاختطافات و الاغتيالات التي شهدها شمال المغرب ككل و خاصة في شهري مايو و يونيو 1956 و التي زج بمناضلين بررة في المعتقل السيئ الذكر "دار بريشة" و التي أشرفت عليها عصابات حزب الاستقلال.
عائلة المسعدي عباس المساعدي لم يكن يوما "مقطوعا من الشجرة"، كما يضنه الكثيرون، بل كان وراءه رجال أحرار يحبونه و يحبون المغرب و المغاربة، و كذا زوجة من طينة ناذرة، تحبه و لازالت تبكي على فقدانها له رغم مرور 58 سنة على اغتياله. زوجة كغير الزوجات، مخلصة، وفية، صامدة، ثابتة رغم تقدمها في السن. امرأة مجاهدة جربت سجون الاستعمارين الفرنسي و الاسباني.، و تفرغت طوال حياتها لتربية ابنيها و تكلفت بدراستهما حتى أصبح ابنها خليل (الابن الوحيد لعباس المساعدي) من ابرز المهندسين بالدارالبيضاء اليوم. لا نريد الدخول في تفاصيل العائلة احتراما لحرمتها، لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو كيف تنظر هذه العائلة إلى عباس المساعدي و إلى تاريخه الكفاحي و القتالي و إلى اغتياله و قاتليه؟ يضل عباس المساعدي الخبز اليومي لعائلته الصغيرة. زوجة عباس، ام ذكية متعلمة تتحدث على عباس المساعدي بكثير من الحسرة احيانا، و بكثير من الفخر و الاعتزاز و تصفه بأنه "كان خليفة لعبد الكريم الخطابي في الريف"، على حد تعبيرها. إنها فقدت فيه كل شيء الرجل الإنسان و الزوج و رفيق الكفاح الذي أحب وطنه المغرب و شعبه حب الجنون حتى يوم اغتياله. ابنه خليل المساعدي، اغتيل أباه و هو طفلا صغيرا جدا لا يتجاوز عمره آنذاك 7 أشهر فقط من عمره. بالرغم من ذلك، فيتبين أن له دراية كبيرة بملف اغتيال أبيه و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة و دون كل شيء في ذاكرته حول أبيه. و جمع أهم الوثائق بما فيها الرسمية (كبيانات جيش التحرير و مراسلات أبيه و وثائقه الشخصية ). ابن ثابت رزين مثقف و حذر يعرف ما يقول و انه لا ينطق عن الهوى. خليل المساعدي متزوج بامرأة محترمة، يبدو أنها مثقفة جدا تابعت الحوار الذي أجريناه مع العائلة بتأني لم تنطق إلا قليلا، لكنها لم تتدخل في تفاصيل الحوار. لهما ابنين ذكر و أنثى. الولد سماه ب "عباس" وفاء و امتنانا منهما للشهيد عباس المساعدي. عباس الحفيد شاب يافع ذكي يحترم الضيوف و يخاطبنا ب "عمي". كان يسمع بهدوء استجوابنا لجدته غيتة و أباه خليل. فخور بانتمائه إلى عائلة المساعدي. شاب حركي كأبناء جيله مهووس بعالم الإعلاميات و دروس الروسية. حضر اللقاء أيضا أخت خليل من أمه و زوجها بناني اللذان تابعا أطوار الحوار بحذر و ثبات و كثير من الثقة في النفس.
الجلسة مع العائلة كانت مطولة و دارت حول مختلف حيثيات اغتيال عباس المساعدي. استقبلتنا عائلة المساعدي بحفاوة كبيرة و احتضنتنا كما أنهم يعرفوننا منذ زمان فبالرغم من الحذر (الذي هو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات. و خاصة أنهم عائلة ليست كالعائلات نظرا لانتمائها لرمز من رموز الكفاح الوطني في المغرب)، لكن سرعان ما وضعت فينا ثقتها الكاملة و فتحت لنا صدرها و بدؤوا يتحدثون إلينا بتلقائية مع و ضع النقاط على الحروف طبعا. شهادة السيدة غيتة المساعدي (زوجة الشهيد عباس) سنقتصر في هذا المقال الأولى/ أو ما يمكن أن نسميه ب"إعلان اللقاء مع عائلة عباس المساعدي"، على رواية غيتة المساعدي/ زوجة الشهيد عباس و شهادتها حول زوجها و كيف عاش وكيف تم تصفيته و من هم المتهمون؟ غيتة من مواليد فاس و أباها كان عالما في القرويين، و مقاوما حرا، و أجدادها من مدينة الشاون (من بينهم الكورونيل علوش الذي تم تصفيته إبان أحداث الصخيرات سنة 1971). تحكي غيتة بان زوجها كان مطاردا من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية و سبق أن تم اعتقاله عدة مرات من طرف السلطات الاستعمارية. مما جعله يتوجه إلى الريف ليتخندق في جبالها الشامخة و يعيش بين أبناءها بعد أن احتضنه أبناء الشمال بصدر رحب. فبعد تركيست و تطوان استقر عباس المساعدي سرا بالناظور و نواحيها. كان يتقن اللغة الريفية و يخاطب المقاتلين بالريفية و هو من أيت سيدي مساعد تزارين بناحية ورززات. وجد عباس ضالته في الريف لتنظيم المقاومين هناك. و بغية الحاق غيتة بزوجها (عباس)، أرسل لها هذا الأخير مقاومة اسمها "فاطمة التاغزوتية" إلى فاس و في خضم رحلتهما الصعبة إلى الشمال عبر جبال الريف اعتقلتهما السلطات الفرنسية وقضتا (غيتة و المقاومة فاطمة التاغزوتية) شهرين في سجون الاحتلال وبصمودهما جعلتهما تنجوان من حكم كان قد يكون قاسيا. كانت غيتة المساعدي تحمل اسما حركيا و هو "خديجة" و كذبت على المحققين مصرحة لهم بأنها كانت مجرد خادمة عند عائلة في فاس (تقصد عائلتها). و ا ن أهل فاس كثيرا ما يغيرون أسماء شاغلتهم. مما جعلتهما تخرجان من السجن بالبراءة دون أن يتنبه الجيش الفرنسي أن غيتة كانت هي الزوجة الشرعية لقائد جيش التحرير بالشمال عباس المساعدي. و بعد خروجهما واصلا طريقهما إلى تاركيست (مقر سكنى عباس آنذاك)، لكن تم توقيفهما مرة أخرى من طرف السلطات الاستعمارية الاسبانية عند الحدود الفرنسية الاسبانية (الحدود التي رسمها المستعمرين الاسباني و الفرنسي في المغرب) لكن هذه المرة لم يقضيا إلا ليلة واحدة عند سلطات الاحتلال الاسبانية و أطلقت سراحهما بعد تدخل احد المقاومين له صلة بعباس على حد تعبيرها. أخيرا غيته تمكنت هذه المرة من التقاء زوجها، بطل جيش التحرير في تاركيست الريف (و بكت كثيرا بفرحة لقاء زوجها. فرح ممزوج بالخوف من جراء المصير المجهول الذي كان ينتظرهما). أخد عباس زوجته إلى تطوان و بعد أيام قليلة عاد إلى الريف الأوسط و بالضبط في مدينة الناظور للاستقرار هناك في بيت سري جدا، بعيدا على أعين السلطات الاستعمارية الاسبانية و العملاء. غيتة تحكى كيف كان تساعد زوجها و أعضاء جيش التحرير و كانت إلى جانب نساء ريفيات أخريات تحضرن بسرية الخبز و المأكل لعشرات المقاتلين من جيش التحرير. تروي غيتة قصة الباخرة "دينا" التي أفرغت سلاحها يوما في شواطئ الناضور و كان جزءا من ذلك السلاح مخبأ في المنزل الذي تقطنه. شخصية عباس تصف غيتة زوجها بأنه كان طويل القامة قوي الشخصية شديد الصرامة مع خصومه كثير الحركة و السفر. تحدثت على خطاباته القوية الموجهة لأعضاء جيش التحرير و قدرته الفائقة على التأقلم مع المتغيرات السياسية و التنظيمية. كما تحدثت عن سفرياته و خاصة سفره إلى مصر و التقائه بمحمد بن عبد الكريم الخطابي و بصراعه المعلن و العلني مع المهدي بن بركة. العلاقة ببن بركة تصف علاقة عباس بالمهدي بالمتوترة جدا. فذات يوم فعباس انزل المهدي من المنصة في اكنول عندما كان يخاطب أعضاء جيش التحرير وخاصة بعد أن أراد أن يربط في خطابه جيش التحرير بحزب الاستقلال. بل و صل به الامر إلى توجيهه صفعة للمهدي أمام الملا و من ثم 0عتقله لساعات. و تم الإفراج عنه بعد تدخل بعض قادة حزب الاستقلال. كما تحدثت على طرد المهدي بن بركة من اجتماع انعقد بمدريد أمام أعين علال الفاسي، معتبرا "أن المهدي كان ضد المقاومة المسلحة و لا علاقة له بجيش التحرير". عباس و السرية من خلال البحث الذي اجريناه يتضح بان محمد المسعدي (اسمه الحقيقي)، كان يحمل عدة اسماء حركية و عدة بطائق هوية و جوزات سفر و هذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان محمد المسعدي (عباس) كانت شخصية عالمية و يتمتع بعلاقات مهمة في الداخل و الخارج، بحيث كان يتحرك بسبعة اسماء اهمها: محمد بن عبد الله و محمد بنطاهر، و حسين بنعلي، و عبد الواهب الصفريوي...، كما كان يمتلك ثلاثة جوازات سفر مختلفة من بينها جواز السفر الذي استلمه من مصر و الاخر من يوغسلافيا تيتو ... و زار عدة دول كالجزائر و تونس و مصر و اسبانيا و ايطاليا... لقاء عباس بعبد الكريم الخطابي عباس المساعدي زار القاهرة و التقى بالقائد و الأب الروحي للثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي و وقف عبد الكريم لتحية عباس و قال لعباس "كيف لا أقف لأحيي خليفتي في الريف" على حد تعبير غيتة الزوجة. السلاح تتذكر السيدة غيتا ان السلاح كان يأتي إلى جيش التحرير من مصر بحرا و شيكوسلوفاكيا (عبر روما). تحدت غيتا عن الباخرتتان "دينا" و "أطوس" المملوءتان بالسلاح التان قدمتا من مصر و افرغتا حمولتهما بشواطئ الناظور. أما الباخرة الثالثة فتم إلقاء القبض عليها و حجزها في المياه الدولية المحاذية للجزائر من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية. و هنا تتهم العائلة مباشرة احد قادة حزب الاستقلال بإخبار السلطات الفرنسية بموضوع السلاح. حكاية الباخرة الثانية بالنسبة لغيتا المساعدي بان كل شيء تغير بعد التقاء عباس المساعدي بعبد الكريم الخطابي بالقاهرة. فمنذ ذلك التاريخ رفض المصريون تسليم المساعدات لعلال الفاسي، و قرروا التعامل مباشرة مع عباس المساعدي، مما دفع بعض الاستقلاليين و تذكر بالاسم "بلافريج" بالاتصال بالسلطات الفرنسية لإخبارها بقدوم الباخرة الثالثة المحمولة بالسلاح من مصر، مما أدى إلى احتجاز الباخرة المصرية عند عبورها للشواطئ الجزائرية و طاقمها الذي كان يقوده "إبراهيم النيال السوداني" و الذي لم يفرج عنه إلا بعد استقلال الجزائر. تحدثت غيتا عن اجتماعات قيادات جيش التحرير وحزب الاستقلال كانت دائما تنتهي بالتشنج و انعدام الثقة. فمثلا في تجمع اكنول عباس سيطرد المهدي بن بركة و تكرر نفس الأمر في اجتماع بمدريد. حول اغتيال عباس ألمساعدي تعترف غيتة المسعدي أن اغتيال المساعدي جاء في إطار الأجواء المشحونة التي صاحبت "استقلال المغرب". كما تعترف بأنه كان هناك تحريض معلن من طرف بعض قادة حزب الاستقلال ضده. فمثلا تقول بان يوما كان لعباس المساعدي لقاءا مع الملك محمد الخامس في قصره. لكن قبل وصوله سبقه علال الفاسي وحذر الملك من عباس و قال له "رد بالك من عباس انه جمهوري". و عند عودته إلى المنزل قال عباس لزوجته: " أتعرفين ما قاله بولحية (يقصد علال الفاسي) للملك؟ قالت له ماذا؟ قال لها بان في لقائه مع محمد الخامس قال له هذا الأخير بان علال الفاسي حذره منه و قال له "رد بالك من عباس، انه جمهوري". بالنسبة لعائلة عباس بان ليس هناك أدنى شك بان عباس المساعدي تم تصفيته من طرف بعض قادة حزب الاستقلال و تستند إلى عدة معطيات أبرزها العلاقة المتوترة جدا بين المهدي بن بركة و عباس المساعدي. بل تقول بان المهدي و من معه (تذكرهم بعضهم بالاسم) هم من خططوا مؤامرة الاغتيال من ألفها إلى يائها. و تقول العائلة بان المسمى الغزاوي (مدير الأمن آنذاك هو الذي نفذ الاوامر لتصفية عباس المساعدي) قبر عباس المساعدي عباس المساعدي تم دفنه في المرة الأولى في فاس، و بعدها تم إعادة دفنه من طرف أعضاء جيش التحرير (رغم 0عتراض حكومة بلفريج ) في أجدير باكنول و قبره يوجد إلى يومنا هذا في أجدير باكنول بالريف الكبير. خلاصة أولية يمكن اعتبار ملف الشهيد عباس المساعدي من اخطر ملفات الاغتيال السياسي بالمغرب ويعد ملفا ملغوما وخطيرا بكل ما تعني الكلمة من معنى، يصعب الوصول لخلاصات حاسمة بالسهولة المطلوبة. و هذا ما يتطلب تعاملا حذرا مع الموضوع و العمل على جمع كل المعطيات و الشهادات. نعتبر أن شهادة العائلة ليست مهمة فحسب بل ضرورية و حاسمة في العديد من جوانب الملف، لكن لا يمكن أن نعرف الحقيقة الكاملة حول جريمة اغتيال عباس المساعدي، إلا بعد أن يتكلم القتلة الأحياء منهم و الموتى و رفع الدولة يدها على سرية الملف. إن الدولة تعرف كل الأسرار فهي التي تبقى عاجزة إلى يومنا هذا أن تصرح بأسماء القتلة و من يقف ورائهم و تقديم الأحياء منهم إلى العدالة لترتاح العائلة و نرتاح معها نحن جميعا. العائلة متيقنة من أن القتلة هم بعض قادة حزب الاستقلال و من خلالهم كل من كان لهم مصلحة في تصفية جيش التحرير. الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) تعاظمت نفوذه. يصعب تحديد دوره في ذلك الاغتيال/الجريمة تقول العائلة، لكن حضوره كان لافتا إبان فترات التحقيق و هو الذي امر بالإفراج عن القتلة/منفذي الجريمة بل علاقته مع أستاذه المهدي بن بركة كانت عظيمة آنذاك. هل كان على علم بخطة اغتيال الشهيد المساعدي؟ سؤال يحير العائلة لكنها متأكدة بان الحسن الثاني كان يعرف كل شيء حول الحدث المؤلم و لم يقم بأي شيء لمعاقبة القتلة ؟؟؟؟؟ هذا السؤال يبقى مفتوحا و لا جواب عند العائلة حول الموضوع.... العائلة ظلت صامتة إلى يوم زيارتنا. فبعد التقائنا بها، خرج خليل المساعدي لأول مرة عن صمته و أجرى حوارا مطولا مع جريدة المساء. كرر فيه نفس الحقائق التي عبر عنها إبان لقائنا. الموضوع يستحق أكثر من مقال و يتطلب بحثا دقيقا مفصلا و استجماع كل المعطيات و الشهادات الممكنة و خاصة من الذين عاشروا و عايشوا عباس. الزعيم اليساري بنسعيد ايت يدر الذي يحترمه العديد من المغاربة إلى يومنا هذا (و الذي نكن له كل الاحترام و التقدير)، متهم اليوم علانية بالتورط في اغتيال عباس المساعدى. نعتقد انه أن الأوان لكي يدلي هذا الرجل بشهادته كاملة حول الموضوع و بكل تفاصيلها و يفصح عن كل ما يعرفه حول هذا الملف بعيدا عن "قوالب السياسة"، لكي لا يدينه التاريخ و يسيء لنفسه و يسقط من عيون ألكثيرين و خاصة أن الرجل متهم اليوم ليس من طرف احرضان فقط، بل من طرف عائلة الشهيد نفسها. و اخذا بالفرضية التي تقول بان "كل متهم بريء حتى تثبت إدانة فإننا نستغرب لماذا لم يرفع بن سعيد الدعوة ضد تصريحات احرضان اذا كان يعتبر نفسه بريئا. و فيما يخص هذا الأخير (احرضان)، فعائلة المسعدي تنفي أن يكون لهذا الرجل أي دور في جيش التحرير و أما الخطيب فقصة أخرى..... و لنا عودة الى الموضوع......