على بابه، صرختُ: يا أبي. ردّت الجدران: أبوك ينوءُ بأحماله. عدتُ إلى الباب: إنّها قيامةُ الأيام هذه الأشياء التي نرجو نسيانها. أحاولُ إيقاد نارها وهي آخرُ أحجاري. ليتني الرّجل الذي أردتَهُ أن يتّبع خطى رأيتَها في أحلام، ورؤًى أتذكَّرها في عينيك. ها يا أبي المصيرُ. ها الطريقُ، لاشيء حملني لما أوصيتَني، لا شيء كان في انتظاري، غير هذا الحصى الذي ترميه أيد خفيّة أمام عينيّ. كلُّ شيء يغادر في آخر الممرّ. ولا يبقى سوى النّدم، ولا يعانقُ الفراغ سوى خوائه. لكن ليس للفراغِ ذراعان تعانقان، ليس له فمٌ يُقبّل ولا قلب ينبض. إنّه ما لم يكن في الحسبان، جاء ليملأ المساحات التي ظننا أنّها لن تبقى. قال: ليس ذنبه أنّ الأمكنة فقدت صفاءها وتلك قصةٌ قديمة، لا وقتَ لحكيها. ادخلي بسرعة قبل أن يروك لكنهم عميان، قلت. عماهم ليس آمنًا متتبّعو الأثر، قال. هل في العمى درجات؟ قال: العمى بصيرٌ والرّائحة عصاه. ها أنا، أماطل كلّ ذلك قبل أن يطلّ الزّمن: مرّت ثلاثون، قلت: التي قرب الأربعين، وتليها الخمسون والستون. صمتنا. بعد السّتين ينزلُ المشّاة ما صعدوه كأنّها مسافاتٌ قليلة لا تعني شيئًا، وهي كلّ شيء. لسنا في النّهاية سوى الذين ماتوا وتركوا أشياءً عالقة، نرثها بالفطرة. ونتركُ أشياءنا، نذهب من دون أن ننذر من سيضَعها في عَينيه، كأنّها له.