عدت سخرية وسط سكان الحي، من خلال نظراتهم لي بدأت أستشعر بأنني أجسد بالنسبة لهم موضوعا دسما للاستهزاء و النميمة لمن أراد أن يقتل وقته في القيل و القال. عادة أستفيق من منامي عند كل إطلالة صباح جديد لأجدني داخل نفس الغرفة على نفس السرير الذي كرهني بدوره و اشتكاني لأمي التي تقوم بترتيبه كلما غادرته. مرآة الحمام، هي الأخرى لم ترحمني، كانت تشعرني بأنها ملّت من سحنتي و هي تعكسها على زجاجها بكل مثالبها، و لكي تجعلني أتحسر على وضعي الراهن، كانت تتعمد أن تكشف و بكل دقة على وجهي فلول الحرب الطاحنة التي دارت رحاها بيني و بين الزمن، حيث التجاعيد أضحت كالخنادق تخزن بين طياتها بقايا رموز الشباب، بقع سوداء و كأنها مخلفات الرواسب تناثرت هنا و هناك على صفحة وجهي، و ذاك الشعر الذي كان بالأمس القريب فاحما، استسلم بدوره لموجة عاتية من الثلج انتزعت منه حيوية الريعان فبات رماديا عديم الجدوى...حتى هندامي، مفخرتي بين أترابي...أضحى موطنا للنقع بكل أنواعه، فقد لونه الأصلي وحال كما حالت أيامي من الرتابة. نفسي اشتكت مني إليّ... رُحماك يا هذا....اتق الله فينا، ملّ منك الضجر حتى هجر...أما آن لك أن تحن لزمانك الجميل؟ أما تاقت نفسك لهمس حبيب يشحنك ببضع سعرات رومانسية تذيب عنك كل هذا الجليد الذي غزى جسدك النحيل...؟ و أخيرا استسلمت لقدري...قالت أمي و هي تواسيني: إيه بني...هاهو العمر أخد مني زهرة شبابي و أرهقتني الأيام بلياليها في خدمتك، وها أنت اليوم قد استويت، بل تكاد تباشير خريف الحياة تطفو على محياك. أما فكرت في أن تجعلني أرى نسلك قبل أن أرى ملك الموت...؟ أليس من حقي أن أحضن جنينا خرج أبوه من رحمي...؟ و لأؤكد لها فشلي الدر يع في اختراقي للعالم الآخر حيث نصفي الثاني، ارتميت فوق صدرها الذي ارتوى من وشالي. التقطت ألغاز رسالتي المشفرة وصاحت في وجهي بكل ما أوتيت من قوة: ياللعار ..! أكل هذا تعانيه يا فلذة كبدي؟؟؟؟؟ سامحك الله يا أبو أحمد...هي ذي نتيجة ضغطك على ابننا...قم من رمسك لترى ثمار تشددك في تربية ابنك...ابنك أضحى عنينا يا أبو أحمد، لا يقوى على معاشرة حواء...كيف يمكنه أن يلبس نصفه الآخر؟؟ ليس هذا هو الصواب (...) إنه الفهم الخطأ لتعاليم الدين، كيف لها أن تكون حرثه و كيف له أن يأتيها أنى شاء؟؟؟مادام لم يقوى على معاشرتها. صياح أمي نزل علي كالصاعقة، شعرت و كأن سحبا ملبدة من المزن جعلت جوي مكفهرا، خارت قواي و لم أعد أرى سوى الدياجير من حولي. قررت المسكينة أمي أن تبوح بسري لعمي علله يرشدها أو يواسيها، في أذنها همس طويلا حتى احمرّت وجنتاها حبورا و كأن بوحه سقط كالبلسم الشافي عليها، - صدقيني هذا هو الحل الناجع، قالها و انصرف..- صحوت من غشاوتي أو بالأحرى بياتي الذي دام وقتا لأجدني بينهن، أمي و بنت عمي...- الحمد لله على سلامتك يا قرة عيني..- أنظر، إنها بنت عمك ليلى !!!! جاءت لعيادتك و للاطمئنان على صحتك. - هل أنا عليل يا أماه؟؟؟؟ - لا يا ولدي أنت الآن على ما يرام، سأستودعك لليلى فهي الإكسير يا بني. غابت عني من حمّلتها همي و انفردت بي من يهمها أمري (...) بأناملها جست نبض قلبي، ببريق عينيها أنارت عتمتي، بوجهها الصبوح البض أطلت علي، انعكست صورة وجهي على خدودها البلوريتين فبدت غير ذي التي اعتدت رؤيتها على مرآتي القدرة. أسدلت جدائل شعرها الغجري فوق صدري فدبت في جسدي النحيل حرارة أنوثتها الغضة، أذابت صقيع فحولتي الغائرة في عمق الزمن. بشفتيها القرمزيتين طبعت على جبيني قبلة اعتماد، صرحت من خلالها لأمي عن سلامتي من داء العاطفة. تركتني ليلى أحترق شوقا في نيرانها و انصرفت في سكون....قالت أمي : أهي المنى يا ولدي.....؟؟؟ قلت...- إنها سافرة يا أمي، يا ليتها كانت ذات خمار لتكتمل وصية أبي..... وجدة، في 14/03/2012