هده رسالة معاق في قطاع غزة استخلصتها من نظراته المنبعثة من عيناه لأنسجها لكم بكل ما تحمل من كلمات اللوم والعتاب الناتجة عن شدة القهر . فاقرؤوا رسالته التي بدأها بالتعريف عن نفسه قائلا . أنا المعاق الذي عاقبه المجتمع دون أن يرتكب أي جريمة تذكر. أنا المعاق الذي نحل جسده وخارت قواه والعالم يتراقص ويشدو على أوتاره المتقطعة الأوصال . أنا المعاق الذي تلسعني نظرات مختلسة تتسلق إلى جسدي النحيل وتنهشه بشراسة وحشية . أنا المعاق الذي تطفح عيناه بالدموع وتذوب صرخاته بين موجات العتمة المروعة . أما بالنسبة لكلمات العتاب فقد انطلقت من فمه وكأنها سهام مسمومة ينتابها قليل من الغلظة التي تتغلغل إلى زوايا الخير المنغرسة في قلوب الرحماء لتستنهض هممهم الخامدة فاسمعوا لكلماته . أعاتبكم وليت عتابي يجدي ويثير شفقتكم ولو للحظة واحدة . أعاتب كل مسئول عن عجزي الذي يقتلني وينهك قوتي ويستنزفها وكأني لست ببشر . أعاتب كل من تسبب لي بهذا العجز وهجرني لأتقوقع في عش المعاقين المظلم الذي نسج خيوطه أنامل القاسية قلوبهم . و أعاتب من منعني من السفر ليتركني أتخبط و ألطم الأرض بيدي وأمد ذراعي في الهواء بحركات متشنجة وأمكث عاجزا أتوسل وأتودد إلى الآخرين لتلبية احتياجاتي بفؤاد ذليل منكسر . أعاتب من حرمني من السير على قدماي لأحيا ملازما لكرسي حقير طول العمر , فقدماي هم كرسي حديدي بأربعة عجلات مستديرة تسوقني الرياح أينما شاءت, وإذا تعثرت أرقب موجه رياح أخرى تصافح عربتي البسيطة وتدفعني بقوتها . أيا أصحاب القلوب الرحيمة , يا من تسيرون على أقدامكم وتتنقلون أينما شئتم وحيثما شئتم , أما أستحق منكم ولو مرة أن تنظروا في أمري بعيون رحيمة تشعرني بأنني أنتمي إليكم أو إلى عالمكم .......... أيها العالم عربي كان أم أعجمي هذه الكلمات أسكبها بدموعي الحارة التي تنبع من فؤاد أنكوى بوحل الظلم والقهر لتنصب إلى قلوبكم التي لا زالت تنبض بالحق وهذا سؤال أوجهه إليكم ,إلى كل من يقرا كلماتي تخيل بلحظة واحدة أنك استيقظت من النوم وأصبحت عاجز لا تقوى على السير أو أن ابنك أو ابنتك أصبحت عاجزة ماذا تفعل؟ بالطبع ستقدم لها كل ما بوسعك وتجوب البلاد من مشرقها لمغربها بحثا عن سبل العلاج التي تخفف عنها الأوجاع وتحميها من ألم الإعاقة ومرارتها المروعة . أما أنا فما حيلتي شاب يحيا في غزة وفي زهرة عمره تظهر عليه ألام غريبة في قدماه يشكو منها بمرارة , ولكن الحصار يحول دون سفره للعلاج فيصبح الألم البسيط كابوس فظيع يهدد حياته. شاب كان يسير على قدماه فأصبح الآن لا يقوى على السير , شاب كان يعتمد على نفسه ولكنه الآن أصبح عالة على غيره . شاب في ربيع عمره وريعان شبابه يعاني من مشاكل في عمليتي الإخراج فهو لا يستطيع الخروج من البيت خشية الفضيحة فهذا حكم عليه , انه حكم أبدي بالسجن داخل البيت مدى الحياة وما أقصاه من حكم . يحيا كالأشباح الذليلة التي خرجت لتوها من مقبرة رومانية تتلوى في عتمة الليل ولا تدري ماذا تفعل . واليوم يمر عامه الثالث وحاله في ازدياد فالمضاعفات المرضية تهدد حياته فهو معرض للإصابة بالفشل الكلوي وأمراض أخرى في الكلى , وكذلكم أصبح يعاني من تفاوت في طول القدمين . كل هذا والعالم ينظر إليه والى غيره فأمثاله كثيرون في هذا العالم المنسي الذي يقف صامتا ولا يحرك ساكنا , لذا لا ادري من أعاتب ومن المسؤل عن قضيتي؟! فعتابي لا يجدي ولا ينفع هل أعاتب الزمان الذي أوداني لهذا المنحدر أتقلب بين أزقته الوعرة لاقاسي ويلات الظلم والقهر في عالم الإعاقة ين صفوف المعاقين القابعين في بيوتهم .