في ظل مانعيشه من توترات أفرزها بعض النشطاء الذين يخفون مخططاتهم وراء مسمى «الحركة الأمازيغية»، وذلك لخلق النزاع والشتات والتفرقة بين أبناءالبلد الواحد، بتنا نخاف أن ننام ونصحو على وطن ممزق،وعلى نزاع حقيقي بين طائفتين تتقاسمان الأرض والهواء والانتماء. أني أتساءل حقا ماجدوى أن نرفع علما وننزل علما ونغير ألوانا بالألوان،ونمسح حروفا ونكتب بأخرى الشيء نفسه الذي نود التعبير عنه؟ ماجدوى أن نعزل ونصفي الأعراق ونعيد مراجعة التاريخ؟ مالفائدة من محاسبة عقبة بن نافع أو موسى بن نصير أو ملوك السلالات التي أتت بعدهما والانتقام من أجيالهم أو أنجالهم أو جيناتهم... فالمعلوم أن الحكم يورث ولاتورث الأخطاء والذنوب؟ لعله يخفى عن الذين يمسكون الفتيل ويريدون إضرام نار الفتنة في جسد هذا الوطن أن الخلاف سيبتر عروق التواصل والتآلف، وسيخلف نهرا داميا من الحروب الأهلية يغطس فيه هذا الوطن حتى الخاصرة. هذا الذي منذ عهود أدار ظهره لكل المحن والتمزقات، وجاهد بصبر لينال شهادة الوحدة والاستقرار. فإلى هؤلاء أقول: «اِنسوا منطق اللغة. فاللغة مجرد أداة نسخرها لنتواصل بها ونأتلف لا لنختلف، وإن ما علينا فعله حقا هو توجيه ثقافتنا المتعددة أيا كانت لغتها فيما يعود علينا بالخير والفائدة، وفيما يديم أمننا وسلامنا ويحفظ كرامتنا ...وأقول للفئة الأخرى التي حقرتنا دائما وهمشتنا (بما أنني أمازيغية الأصول عربية الثقافة والدين) أن لا تضغط على الجرح بل أن تداويه، وأن يكون الرد بالتي هي أحسن، ولنتخذ من تجارب الشعوب الأخرى عبرة تقينا شر الفتن. ولذلك، على العروبيين أن يقروا بالهوية الأمازيغية (بما أن المغاربة صوتوا على الوثيقة الدستورية التي نصت على الأمازيغية كلغة وطنية) ويحترموا أكثر موروثها الثقافي والإنساني. وعلى الأمازيغ أن لايهينوا ولا يعادوا إخوانهم العرب شركاءهم في الأرض منذ أتوها وسكنوها وعمروها، شركاءهم في الدين والثقافة والنضال السياسي... شركاءهم في العشرة والدم و»الملح والطعام». وفي هذا الصدد، أرى انه ليس للحقوق لباسا عرقيا. الحق لاجغرافية له ولا لغة ولا وطن مسيج بأسلاك شائكة؛ فهو ابن الأرض الواسعة. ولأجل الأرض ولأجل تحقيق العدل والديمقراطية على هذه الأرض، علينا أن نتجاوز أصولنا العرقية وألواننا ولهجاتنا، ونبتعد عن كل مايضعفنا ولايقوينا من أفكار وشعارات وأوهام إمبراطوريات لن تتحقق إلا في عقول أصحابها الذين يطاردون مجدا قديما. علينا أن نتمسك بحبل الوثاق بيننا, فاللغة العربية التي يحاربها البعض هي لغة وحدتنا دينيا وفكريا «الله يكثر خيرها «، هي جسر تواصل حقيقي بني عبر أجيال تلاحقت وتقوت لحمتها، وإلا لبقي، لولاها، كل طرف بضفة يكلم الآخر دون تفاهم، ولا ينبغي أن ننسى أن اللهجات الأمازيغية في حد ذاتها مختلفة. لقد كنت ممن تعرضوا مرات لتحقير لهجتي، وأنا أتداولها بأماكن عامة مع أهلي، فمرة منعني سائق التاكسي أن أحدث قريبتي بالأمازيغية في سيارته مع أني لم أتوجه له شخصيا بالحديث ولا تحدثت عنه، وعرفت من خلال مناقشته أنه يحمل عنصرية وحقدا دفينا لكل ماهو أمازيغي، لكن ذلك لا يجعلني أتصرف معه أو مع غيره بحقد أو صلافة، لأني أؤمن بأن الإنسانية والحرية هي الهوية والانتماء إلى ما هو أكبر وأوسع، وليس إلى البيانات ولون البشرة والدين واللغة.. أعني إلى ما يسمو عن كل ذلك. إن ما سنجنيه من بناء قصور رملية لإمبراطورية أمازيغية وهمية، التي يدعو إليها البعض ويستبسل من أجل تأصيل تاريخها الغابر، هو الشتات والتفرقة والحرب الأهلية. أما أي اصلاح مطلوب فهو لا يحتاج لفرس لغة يركبها ولا لصهوة إديولوجية او ثقافية أو عرقية، لأننا جميعا عربا وأمازيغ وأفارقة نمتثل لنفس القانون، ولدينا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات. وإذا كنا نريد التغيير والإصلاح فعلينا أن ننشده بلسان عربي يوحد جميع فئات وجهات هذا الوطن من طنجة إلى الكويرة، وأن لا ننظر إلى هذه اللغة بعداء وشوفينية ونثقلها بما لا تحتمل. وفي الحقيقة أنا أيضا ضد التيار الذي ينتقد الفرنكفونية أو يشيطن الأنجلوسكسونية، فلا أحد يستطيع، مهما فعل، أن يفقأ عين الحقيقة وينكر أن الانجليزية هي اللغة العالمية الأولى، وأن الفرنسية تحتل مرتبة متقدمة بين دول العالم، ولا أحد يمكنه أن يطمس حقيقة أن الإنجليزية لغة أمريكا والعديد من دول أوروبا تتعامل معها كلغة وطنية، وأنها أضحت لغة العلم والثقافة والحقوق والتكنولوجيا، والسلاح رقم واحد للإطلالة على العالم. أما أوطاننا، فمجرد أشجار لاتوفر ظلا ولا تثمر حرية وتقدما، بل تنتج صراعات وتستبسل في إنتاج النزاعات والأزمات. علينا إذن ب «إقرأ». علينا أن نصلح التعليم ونصحح منهجيته وندرس السلوك الحسن ونرسخ قيم المواطنة ومبادىء العدل والإخاء من أجل تحسين المردودية الفكرية والعملية والأخلاقية للجيل القادم. آنذاك يمكننا أن ننافس العالم وأن ننظر إلى الدول المتقدمة بندية تامة.