أطل على حائطه الفايسبوكي، فرأى نفس التدوينات ما تزال صامدة لساعات وساعات.. بعدما جلس، جلسته اليومية، بمقهى الحي، وطلب قهوته الاعتيادية، وهمس في أذن النادل بكلمات تغيرت لها ملامح النادل ونبرته.. وراح يمري غصة ما يرى ب»مكرو-رشفة» للرتق بين الساعة والأخرى، حتى يتسنى له قتل أطول وقت ممكن.. «حجابي عفتي» تنشر صورة لها، تظهر كل مفاتنها إلا وجهها، الذي يبدو أنه محجب على المنهج التركي، وتضع لها عنوانا «المرأة العفيفة كنز لا يفنى، كنوزها من نصيب رجل واحد..ولم يمسسني بشر..» يتساءل في قرارة نفسه:»هل كل فايسبوكيي العالم نساء!» ويمضي نحو «بوستات» أدنى.. أدنى بكثير.. «الأمازيغي الحر» يكتب مقالا طويلا، مليئا بالأخطاء، ينتقد فيه صحيح البخاري وصحيح السنة، ويتساءل عن قداسة اللغة العربية، وعلومها، والحاجة إليها، وأنه حبا في الاسلام الحقيقي يكتب هذا.. ويختم كلمه بالآية: «إنما يخشى الله من عباده العلماء».فكتب له تعليقا بسيطا «أعرب الآية رجاء.. حتى أرك..» ثم حرك الشاشة بأصبعه نحو الأعلى.. «الجيش العربي السوري»: «سندافع عن سيادة سوريا العروبة إلى آخر رمق..» فضحك بمرارة وعلق؛ «عندما تحاضرالعاهرة عن الشرف» وأضاف في نفسه: «أبحتم سوريا لكل زناة العالم وتتحدثون عن السيادة والشهامة.. لم يبق في جيشكم العربي السوري إلا الأم.. أما الأبفاثناعشري منهم روسي ومنهم فارسي ومنهم..» ثم واصل: «هل غدا أئمتكم ثلاثة عشر إماما؟ حتى تفتدون بشار بكل ما تملكون! «المواطن الحداثي التقدمي»: «تبا لشعب متخلف لا يعرف المواطنة إلا عند مباريات كرة القدم.. يفرحون لانتصار المنتخب ويبكون لإقصائه، وحق لهم أن يبكوا تخلفهم وجهلهم ورجعيتهم..» يعلق كتابة على هذا «البوست»، لأنه أحس به يتوجه إليه مباشرة، ويستكثر عليه الفرح بشيء ما.. مهما كان صغيرا «نحن -المتخلفين- نعبر عن الوطنية هكذا.. لم لا تقوم أيها المثقف الحداثي التقدمي، بحمل سلاحك والتوجه إلى الحدود، لتحرير الثغور المحتلة..؟! أرنا مواطنة عقلانية تقدمية حداثية، نحن الذين لا نعرفها إلا بتشجيع المنتخب.. أرنا أفعالا، أما الشفوي وقلة اليدوي، فكلنا يحسنه ويتقنه!» موقع إخباري: «وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تطالب كافة مندوبيها بإحصاء الأئمة الذين لديهم حسابات على فايسبوك أو تويتر أو انستغرام أو غوغل بلوس..»يجد نفسه يتساءل:»ولم لا تطالب بإحصاء ممتلكات ساكني الوزارة؟!كان من الأفضل أن يسموها وزارة الأوقاف المالية والشؤون الداخلية..» وشرع يرقن:»لم لا يضعون على منابر المساجد أجهزة الديفدي؟ فهذا سيقتصد عليهم الجهد والمال والوقت..» ويمضي نحو الأدنى..فالأدنى.. الأدنى! في القعر، يلوح أمام عينيه فيديو لوزير بالحكومة، كان ملتحيا وعاد بعد دخول الحكومة حليقا، يقول في الفيديو: «إن نسبة البطالة في فرنسا أعلى منها في المغرب، وإن نسبة فرص الشغل التي خلقتها الحكومة هائلة.. فلا سبب للهجرة السرية وركوب قوارب الموت..»فكرقليلا في التعليق المناسب.. لكنه لم يجد العبارات المناسبة.. نظر إلى كأسه فوجده قد فرغ،تذكرأنه جالس بالمقهى منذ ساعات، كما الحال منذ سنوات؛ منذ حصوله على شهادته العليا..فثارت ثائرته بسق على الشاشة ولعن بهستيرية الذئاب الملتحية.. لوح للنادل وهو يغادر المقهى، مذكرا إياه، بالإشارة، أن الدفع في ما بعد..!