"أن تكوني نادلة في مقاهي بالدارالبيضاء، يجب عليك أن تلتزمي بابتسامة في وجه الزبون، سواء كان يعاملك باحتقار أو باحترام. وإن فقدت ابتسامتك، فقدت عملك بدون أي حقوق". تشرح لنا سعيدة، شابة في العشرينات من عمرها، ظروف عملها كنادلة في أحد المقاهي الشعبية، وسط مدينة الدارالبيضاء. فتاة متوسطة القامة ترتدي زيا أسود ، يفرضه صاحب المقهى، تمضي النهار وهي تتنقل من طاولة لأخرى لتتلقى طلبات الزبائن. "عندما حصلت على شهادة دراسية في الفندقة، كنت آمل أن أحصل على عمل شريف في مطعم راق، إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك، وجدت نفسي أعمل في مقهى شعبي، إن صح التعبير، أغلبية زبائنه عاطلون عن العمل، هاجسهم الوحيد تمضية الوقت بأقل ثمن"، تقول سعيدة ل"هنا صوتك". تحرش تبدأ سعيدة عملها في العاشرة صباحا وتغادره في الثامنة مساء. تنتظر الزبون حتى يجلس على الطاولة، ثم تهرول لاستقباله وتلقي طلباته بابتسامة، ثم تنتظره حتى يهم بالمغادرة، لعله يمنحها بقشيشا يساعدها على مصاريفها اليومية، هكذا هي طبيعة عملها سعيدة. تقول:" إن كنت محظوظة سأحصل على بقشيش يتراوح ما بين 10 و20 درهما. ولكي أكون صريحة معك نادرا ما يحدث ذلك، لأن الزبائن الذين يتوافدون على هذا المقهى معظمهم لا يملك إلا ثمن القهوة، وأحيانا يتركون لنا درهما أو درهمين لا أكثر". تضيف سعيدة بنبرة حادة: "لا أخفيكم أنني أنتظر اللحظة المناسبة لكي أترك هذه المهنة"، فهي تتمنى أن تجد عملا آخر، أو تحصل على زوج يتكفل بمصاريفها: "أن تكوني نادلة يجب عليك أن تعملي لثماني ساعات إلى عشر ساعات بشكل مضن، وفي النهاية تحصلين على راتب شهري لا يتعدى ألف درهم (100 يورو)". بالإضافة إلى الراتب الهزيل الذي تتقاضاه ، تتعرض سعيدة لمضايقات عديدة من الزبائن، تقول: "يحدث كثيرا أن أكون ضحية تحرش جنسي من طرف زبون ما، وأعجز غالبا عن الدفاع عن نفسي، لاسيما أن صاحب المقهى في بداية عملي كان واضحا معي، إذ أخبرني أنه يجب علي احترام الزبون ولو كان يتحرش بي، وإلا لن يتردد في طردي". وعلى الرغم من المشاكل اليومية التي تمر بها سعيدة فهي لا تستطيع ترك عملها لأنها تعلم جيدا أن الحصول على عمل صعب للغاية، تقول: "بفضل هذا العمل أصبحت قادرة نسبيا على الاعتماد على نفسي وشراء بعض الحاجات الضرورية". ملك للزبون سميرة هي الأخرى تعمل نادلة في المقهى، إلا أنها تعتبر نفسها محظوظة حينما وجدت عملا في مقهى وسط حي راقي بالدارالبيضاء. سميرة التي تبلغ من عمرها 30 سنة، تتقاضى راتبا يقدر ب1800 درهم (170 يورو تقريبا). وهي تعمل يوميا ما بين ثمانية وعشر ساعات. تأتي إلى المقهى في التاسعة، وتغادر أحيانا في الثامنة مساء. ورغم أن الزبائن الذين يترددون على هذا المقهى ينتمون إلى طبقة اجتماعية متوسطة أو غنية، ، فإن بعضهم لا يحسن التعامل مع النادلات. تحكي سميرة ل"هنا صوتك": "أحيانا يعاملك الزبون على أنك ملك له، لا يحترمك ويتعامل معك باحتقار، يجد فرصة للتحرش بك دون أن أتفوه بكلمة، فصاحب المقهى يطالبنا بالالتزام بابتسامة في وجه الزبون ولو على حساب كرامتنا، سواء كان الزبون امرأة أو رجلا ". كثيرة هي المشاكل التي تواجه سميرة، وغيرها من النادلات اللواتي يعملن في المقهى، فهن يعملن بكد دون احترام أصحاب المقهى لقانون الحد الأدنى للأجور سواء داخل المقاهي أو المطاعم. فأجور النادلات تبدأ بألف درهم في الشهر وتصل إلى ألفي درهم في أحسن الأحوال، ناهيك عن عدم احترام عدد ساعات العمل وغياب التغطية الصحية، أما "أصحاب المقاهي فهاجسهم الوحيد هو البحث عن الربح المادي ولو على حساب النادلات".