قال عبد الرحمن اليوسفي: «أشعر بغبطة بالحضور إلى مدينتكم، مدينة فاس الغنية بتاريخها العريق، التي لا أحد يجادل في أنها تاريخ قائم بذاته، مستقل ضمن دفتر الحضارة المغربية، وأنها ظلت أيضا مدرسة قائمة بذاتها في تاريخ النضال التحرري للمغاربة ضد الاستعمار، وفي تاريخ الحركة الاتحادية، وأيضا في تاريخ الحركة الطلابية والشبابية المغربية». وأضاف المجاهد عبد الرحمن اليوسفي ،في كلمة له بمناسبة حفل تقديم مذكراته، التي تحمل عنوان «أحاديث في ما جرى، والمنظم من طرف الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بفاس عصر أول أمس السبت، بحضور جمهور غفيرملأ القاعة وجنباتها، وشخصيات من بينها أندري أزولاي مستشار الملك، مصحوبا بعقيلته، وأمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثلي الهيئات السياسية، والمركزيات النقابية، والمنظمات المهنية الحقوقية، وجمعيات المجتمع المدني. في فاس، تشكلت معاني نضالية مغربية أصيلة، وولدت أفكار وطنية رائدة، ومنها خرجت أجيال من القادة الكبار للحركة الوطنية، رجالا ونساء. إن احتفالكم بمذكراتي، يقول اليوسفي، التي هي جزء من سيرتي ومن تجربة حياتي النضالية والسياسية والحقوقية، له معنى خاص في خاطري ووجداني، كونه يسمح لي بأن أجدد العهد مع معقل مركزي من معاقل صناعة الكثير من المعاني بالمغرب. ففاس، هي جامعة القرويين، التي منحتنا رجالا فضلاء من السلفية الوطنية المغربية الأصيلة، في مقدمتهم شيخ الإسلام بلعربي العلو، ومنحتنا قادة سياسيين وطنيين كبار من قيمة الزعيم علال الفاسي والأستاذ محمد بلحسن الوزاني .. مثلما منحتنا صفا طويلا من الأطر الفكرية والجامعية، ومن الأدباء والفنانين، الذين أغنوا، كل من موقعه، الثقافة والفكر ببلادنا. إنني لا أتردد في أن أؤكد لكم، أن الكثير من معاني السياسة والفكر بالمغرب، قد صنعتهم مدينتكم، وأنها ظلت فضاء مفتوحا لكل الطاقات الطموحة للمعرفة والحرية بالمغرب، تماما كما كانت دوما فضاء لاستقطاب كبار المفكرين من كل الغرب العربي والإسلامي لقرون عدة. إذ هنا مر ابن خلدون ولسان الدين بن الخطيب وابن عربي وغيرهم. وأعتبر أن مذكراتي، التي أقدمها إلى الأجيال الجديدة من المغاربة، ليست سوى جزء من بعض هذا التاريخ الحديث، من الموقع الذي كنت فيه شاهدا على عدد من أحداثه، وساهمت بقدري فيه. ولي اليقين، أن المغاربة، وضمنهم أهلنا بفاس، شغوفون جدا بتاريخهم وأحداثه، وأنهم حريصون على حسن قراءة ذلك التاريخ بما يشحذهم لبناء المستقبل، وهذا لعمري، هو الترياق الذي يحمي دوما الشعوب الحية، القوية بالتصالح مع تاريخها وذاكرتها. ويضيف اليوسفي: «إن المستقبل واعد لبلاد يكون فيها مثل هذا اليقين، وإن الأمل كبير في بناء وطننا وفي الأجيال الجديدة ، سواء في الدولة أو في المجتمع، لربح تحديات المستقبل وطنيا ومغاربيا وإفريقيا ومتوسطيا». وختم المجاهد كلمته التي لقيت تصفيقا حارا من القاعة: «لي اليقين أنكم هنا، تدركون قيمة ذلك، أكثر من غيركم، لما تحملونه من إرث تاريخي أصيل وكبير، تهبه لكم مدينتكم فاس». أدار اللقاء الاحتفالي بالمجاهد عبد الرحمن اليوسفي، جواد شفيق الكاتب الإقليمي للحزب بفاس وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، باقتدار كبير، حيث رحب بالجميع،وشكرهم على إنجاح اللقاء بالحضور المكثف، وعربون محبة خالصة لمدينة فاس لرمز وقائد وطني كبير، إنه المجاهد عبد الرحمن اليوسفي ، الذي يصادف ذكرى عبد الرحيم بوعبيد، ووثيقة المطالبة بالاستقلال . وقد أشار الكاتب الإقليمي لاعتذار الكاتب الأول للاتحاد ادريس لشكر، الذي تزامن تنظيم هذا اللقاء مع وجوده خارج البلاد.. مع متمنياته بنجاح التظاهرة الكبيرة… من جهته، قال ادريس الكراوي في شهادته حول المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، من خلال احتكاكه كمستشار في القطب الاجتماعي بالوزارة الأولى في مارس 1998: «إنه رجل ذو خصال قل نظيرها ، يمتاز بالحكمة والتبصر، كتوم، لكنه صلب للوصول إلى الأهم ،فهو رجل دولة استثنائي بجانب رفيقته التي لا تفارقه كالظل، وفِي، مخلص، يمتاز بطاقة كبيرة من الإنصات، متتبع ملهم للملفات، رغم اختلافه مع منافسيه،فهو دائما يحترمهم ويقدرهم، ليس له أعداء، دائم الإنصات الهادئ». ويختتم الكراوي رئيس مجلس المنافسة، بسرده أمام الحضور الغفير لواقعة استدعائه مدير ميزانية الدولة أنذاك، بعد عودته من مهمة خارج أرض الوطن، ليسلمه ما تبقى له من العملة الصعبة، ليعطي بذلك نموذجا في ترشيد الحكامة الجيدة. وفي شهادته عن عبد الرحمن اليوسفي،التي ربطها بالفقيد عبد الرحيم بوعبيد، وما كتب الأول عن الثاني والعكس ، قال عبد الحميد جماهري: «أعبر عن هذا الشعور، مشفوعا بالاعتزاز والفخر، بالحضور إلى جانب المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، وتحت المظلة الرمزية الكبرى، للفقيد عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، وأن أستعيد لحظة مرت عليها 27 سنة، عندما غادرنا القائد الفذ إلى دارالبقاء، فكان على رفيقه في الكفاح وفي النضال الوطني أن يتولى تعريف ألمنا، وأن يجد الكلمات الصائبة لوصف الألم المتدفق، ويسك العبارة اللائقة لكي تُجلِّلَ الحزن الكبير بالصبر والتفاؤل،وقتها كان على السي عبد الرحمن أن يضع اسما لمدرسة عبد الرحيم بوعبيد، ويعلنها بكلمات متوثبة، جياشة بالعاطفة، ومصقولة بالعقلانية والتفاؤل، الملازمين للقادة الكبار «كانا دوما توأم أرواحنا». ويضيف عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومدير جريدة الاتحاد الاشتراكي: «نخاطب الأول، فنجد أننا نتحدث إلى الثاني والعكس صحيح. وعندما نقول الشجاعة، النظافة، الواقعية النظيفة، التجرد، الوفاء الارتقاء نحو التاريخ، نكون قد أردنا معنى لهما، معنى عميق الالتزام السياسي الوطني باعتباره التزاما وجوديا، وليس بوابة للترقي، أو مواصلة النجاح المهني بوسائل أخرى. والالتزام اسمنت للتماسك الوطني،ومعبر ضروري نحو القيم الكونية العالية، التاريخ وضعهما معا، على محك القدر، ووضعهما في الموضع ،الذي يستطيع كل واحد منهما أن يقدم الأجوبة «عن أسئلة البلاد، عندما تكون خارقة». أما مبارك بودرقة، ففي كلمته بالمناسبة،ربط هذا النشاط بأحداث تهم الاتحاد والوطن. فهو يتزامن مع اغتيال الشهيد عمر بنجلون 18 دجنبر 1975 ووفاة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد 8 يناير 1992 و11يناير وثيقة المطالبة بالاستقلال و12 يناير السنة الجديدة الأمازيغية، معرجاعلى كيفية إخراج عبد الرحمن من صمته الذي استغرق 25 سنة لموافته لإخراج هذه المذكرات التي تحمل عنوان «أحاديث في ما جرى»، واعتبرها جامعة لمسار اليوسفي، ويدون كتاباته بخط يده وهو معدن للأسرار، ويجب قراءة ما بين سطور المذكرات، بدءا من أول سفر له في سن 14 من طنجة باتجاه مدينة مراكش لمتابعة دراسته، وهو صاحب فكرة حمل الميت بسيارة للإسعاف ، وأنشأ العديد من الفرق الرياضية أشهرها «الطاس» وكان له لقاء مع محمد الخامس بجنيف 1960 ثلاثة أشهر قبل الوفاة . وختم عباس بودرقة شهادته ب «قصة الحب «التي جمعت عبد الرحمن اليوسفي بزوجته هيلين، والتي بدأت منذ 1947 حيث تعرف عليها -وهي ابنة خياط- بشارع الأمير مولاي عبد الله بالدار البيضاء ،وتم الزواج بها سنة 1968 .وقد توافد العديد من الحاضرين والحاضرات على منصة اللقاء، لتقديم الهدايا أو لالتقاط الصور مع المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، في لقاء تاريخي عرف في حضن الاتحاد والاتحاديين امتدادا لتاريخ فريد ومتفرد، صاغه عبد الرحيم وعبد الرحمن وكل قادة الاتحاد ..