الأخ المجاهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الأخوات والإخوة الحضور.. البهي.. شكرا للأخوات والإخوان في الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بفاس على جمع هذا الحضور الرفيع.. الأخ المجاهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي إن الوقوف أمامك لوحدك، يبسط علينا تهيبا لا يُضاهى، فما بالك ، وهذا الوقوف الآن مضاعف بمحبة غامرة واعتزاز كبير من لدن الحاضرين والحاضرات، الذين يُعلُون ويعلنون حبك وتقديرك. الأستاذ المجاهد الأخوات والإخوة، الحضور الكريم. يحق لي أن أعبر عن ارتباكي وتهيبي من الحديث في هذا الحفل، في هذا اليوم، في هذه المدينة، وبين كل هذه الوجوه الطيبة… ويحق لي أن أعبر عن هذا الشعور، مشفوعا بالاعتزاز والفخر، بالحضور إلى جانب المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، وتحت المظلة الرمزية الكبرى، للفقيد عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله. وأن أستعيد لحظة مرت عليها 27 سنة، عندما غادرنا القائد الفذ إلى البقاء، فكان على رفيقه في الكفاح وفي النضال الوطني أن يتولى تعريف ألمنا وأن يجد الكلمات الصائبة لوصف الألم المتدفق، ويَسُكَّ العبارة اللائقة لكي تُجلِّلَ الحزن الكبير بالصبر والتفاؤل.. وقتها كان السي عبد الرحمان يضع اسما لمدرسة عبد الرحيم بوعبيد ويعلنها بكلمات متوثبة، جياشة بالعاطفة، ومصقولة بالعقلانية والتفاؤل، الملازمين للقادة الكبار. كانا دوما توأم أرواحنا نخاطب الأول فنجد أننا نتحدث إلى الثاني والعكس صحيح.. وعندما نقول الشجاعة، النظافة، الواقعية النظيفة، التجرد، الوفاء.. الارتقاء نحو التاريخ، نكون قد أردنا لهما معنى عميقا للالتزام السياسي الوطني باعتباره التزاما وجوديا، وليس بوابة للترقي، أو مواصلة النجاح المهني بوسائل أخرى.. والالتزام إسمنت للتماسك الوطني ومعبر ضروري نحو القيم الكونية العالية.التاريخ وضعهما معا، على محك القدر، ووضعهما في الموضع الذي يستطيع كل واحد منهما أن يقدم الأجوبة? عن أسئلة البلاد، عندما تكون حارقة. أيها الأخوات والإخوة، لا يمكن لمن يقرأ مذكرات عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله، ألا يبحث عن حضور اليوسفي فيها، كما أن الإغراء نفسه يحذو من يقرأ «أحاديث ما جرى? « في البحث عن لقاء الرجلين في المذكرتين.. هذا على الأقل ما جرى لهذا العبد الضعيف الواقف أمامكم.. فقد قُدِّر لي ترجمة دفترين من دفاتر المرحوم عبد الرحيم، الأول والثالث، لفائدة الجريدة، وقتها قرأت الدفتر الذي يتحدث عن مرحلة ما بعد رحيل محمد الخامس رحمه الله?.. وبِنَهَمٍ شديد، كنت أتصفح المذكرات عن مرحلة، كان المكتوب عنها شبه منعدم، فبالأحرى إذا كان شخصية وطنية بقامة عبد الرحيم، الذي عاصر أصعب مراحلها، ونقرأ في الفقرة المعنونة «الحسن الثاني على العرش» ما يفيد أن لقاء جمع المرحوم الحسن الثاني، وقد صار ملكا للبلاد خلفا لوالده، بالفقيد السي عبد الرحيم وتمحور حول المؤسسات التي يجب أن ترى النور في المغرب الستيني، وعلاقة كل ذلك بالملكية.. يقول عبد الرحيم «في بداية مارس تلقيت الدعوة بالذهاب إلى القصر الملكي، فكان أن ضم وفد الاتحاد المجاهد عبد الرحمان اليوسفي….» وبعد ذلك سيفيدنا حديث عبد الرحيم رحمه لله بأن «كلفني رفيقي بتحرير مشروع مذكرة، وهذا ما فعلته.. مقتصرا على الخطوط العريضة للعلاقة بين الملكية والجمعية المنتخبة… وقعه عبد الرحمان اليوسفي باسم الوفد كله». وكانت تلك أول مذكرة سلمها الاتحاد يوم 13 مارس 1961، للديوان الملكي.حررها عبد الرحيم ووقعها عبد الرحمان. ستحصل تطورات أخرى، وتجري مياه أكثر تحت جسور البلاد، وتنهار جسور أخرى إلى أن تصل مرحلة يتولى فيها عبد الرحمان قيادة الاتحاد الذي قاده عبد الرحيم? .وفي المسار الطويل نحو إنضاج شروط المغرب الجديد، والاتحاد المتفاعل مع تطوراته، ستأتي مرحلة، ما بعد المؤتمر الاستثنائي..وهنا يروي عبد الرحمان فصلا من مسيرة الحزب بقيادة بوعبيد، عندما سأله عمن سيقود الاتحاد المنشق سنة 1975، ليجد الرد في اسم «عمر بنجلون، هو القائد القادم». شهادة عبد الرحمان ستعطي معنى أعمق، آخر، «لاغتيال عمر» .فهم لم يغتالوا فقط المناضل النقابي والمحامي المتمرس والحقوقي الصعب المراس والقيادي السياسي أو المثقف العضوي، بل إن ما يقوله عبد الرحمان يفيد بأن اغتيال عمر استهدف اغتيال القائد الاتحادي القادم. في العلاقة، المكتوبة، الممهورة بطابع التدوين، بين القائدين، يتحدث المجاهد عبد الرحمان عن لقائه بعبد الرحيم بوعبيد سنة 1949-1950، بفرنسا.. لإتمام دراسته هناك، يقول عبد الرحمان» ?كنت على علم بأن هذا الأخير مع المهدي بنبركة، من الجيل الجديد لقياديي الحزب، كان عبد الرحيم قد اعتقل سنة 1944، حيث قضى سنتين في السجن عاد بعدها إلى باريس لإتمام دراسته، وكان أيضا بالإضافة إلى ذلك، المسؤول الأساسي كممثل لحزب الاستقلال، ويرأس فريق المناضلين الذين كانوا على اتصال دائم مع القادة السياسيين الفرنسيين والصحافيين? كان من ضمن هذه المجموعة التي يشرف عليها عبد الرحيم بوعبيد، كل من عبد اللطيف بنجلون، بومهدي، مولاي أحمد العلوي، وغيرهم. السيدات والسادة لقد تعودنا على أن صمت عبد الرحمان اليوسفي.. سلطة، حينا، وصوت يَلزَم الكثير من التجرد لمعرفة معناه، لهذا كان يتوقع الأثر الذي تخلفه مذكراته، بحجم واجب التحفظ الذي طبع مسيرة القائد الكبير كرجل دولة.. غير أن الشهادة، الوثيقة، في عمقها، سيرتان: سيرة الأنا المناضلة، الفردية، وسيرة الأنا المناضلة الجماعية.. وفي هذا، نجد في كل صفحة منعطفا، ونجد التاريخ أحيانا مكتملا وأحيانا أخرى كمادة خام، تفسر لماذا كانت السياسة معه إنسانية وكبيرة. فالقائد، الذي نحتفي بمذكراته، يتحدث أيضا باسمنا نحن، «نحن» التي تحيل على مشروع جماعي، وإرادة في المشاركة وصوت حركة جماعية… أحيانا يهمس بشهادته، وأحيانا يتعمد البياضات التي تفتح بابا آخر للتأويل. في خضم التدوين، يعمد عبد الرحمان اليوسفي إلى التكثيف البليغ في اللغة السياسية، الذي أثرى القاموس الوطني باشتقاقات في المعنى زادته ثراء: الاستحقاقات، التناوب التوافقي، المنهجية الديمقراطية.، وكلها مكونات بلاغة سياسية مبدعة، طبعت التواصل السياسي للمجاهد عبد الرحمان اليوسفي. ختاما، من واجب لغتي أن تقف عاجزة، أمامه وأمامكم إن كان من حقها أن تنبهر، مع احترام التجرد الإنساني والتعفف والسمو الأخلاقي الحقيقي، في الوقت الذي غزت فيه التقريبية الفجة، أخلاق السياسة العامة، فهو يختار أن يعطينا درسا بليغا في الحصانة الروحية الكبيرة!! شكرا لأنك هنا، نموذجا حيا للصرامة الأخلاقية، والرفعة والتجرد. شكرا لأنك توحد القلوب حولك، من القمة إلى القاعدة، شكرا لنبلك الذي أصَبْتَ بعدواه السياسة والوطن.