هامس في غاية الرقة هو صوت عبد المنعم الجامعي، يعطيك الآمان، ويمنحك الألفة، يتسلل دون استئذان عبر الأذن ليستقر في القلب فينثر فيه سكينة وافرة تود من فرطها لو ارتميت على بساط أخضر من النبات والعشب، تنام فيه ملء عينيك، ووارفات الغصون تظللك من كل الجهات. لقد اختطف صوت الجامعي من عندليب مصر الأسمر حفنة من ملامحه، أهلته ليردد أغانيه ببراعة فائقة شهد بها الجميع، وقد سنحت لي الفرصة بمشاهدة جلسة غنائية طربية، شارك فيها عبد العاطي آمنا بأغنية (هان الود) لمحمد عبد الوهاب، والمطربة لطيفة رأفت في بدايتها بقطعة (للصبر حدود) لأم كلثوم، وأما عبد المنعم الجامعي فلقد شارك بأغنية (قوللي حاجة) لعبد الحليم حافظ، وأشهد أنه أمتع كل الحاضرين، وأمتعني أنا أيضا إلى حد أنني تساءلت من يكون صاحب الأغنية الأصلي؟ أهو عبد الحليم أم الجامعي؟. وإذا كان عبد الحميد بن إبراهيم من أول المحتضنين لهذا الصوت الهامس حيث قدمه في عدة قطع من أجملها (تحية الفلاح)، فإن عبد الرحيم السقاط بكمانه المرهف، يعد أول الكاشفين عن معدن هذا الصوت، وقد تجسد هذا أكثر في قطعة (ناديت عليك)، وقطعة (لا تحبيني) والتي كتبها الشاعر نزار قباني، ثم جاء حسن القدميري فقدم له ألحانا لا تخلو من حس شعبي خفيف مثل (ماشي دق الزين هذا – شاف فيا)، دون أن ننسى تعاونه مع مكري من خلال لحن (أنت الهدف) ومع عبد الرفيق الشنقيطي في أغنية (جا -في الميعاد)، وللمطرب عبد المنعم الجامعي قطعة وطنية ناجحة تحت عنوان (يا عالم – شوف) للملحن محمد بن عبد السلام، وقطعة أخرى دينية رقيقة هي (يا اللي مسكت – الشباك)، وها هو فناننا يطل علينا مؤخرا بأغنية جميلة جدا في أول لقاء بينه وبين الملحن عبد القادر وهبي. في مشوار عبد المنعم الجامعي الفني سهرة فنية كبرى لا تنسى، كان قد أحياها بمفرده بمسرح محمد الخامس بالرباط، شدا فيها بأحلى أغانيه، كان الجامعي في هذا الحفل مستمتعا بغنائه، يتعايش مع الكلمات والأنغام، ويتفاعل مع الجمهور الحاضر، ويتواصل مع العازفين، كان كبيرا في ذلك الحفل، ولكن أين هو الآن؟ لماذا غاب عن الحفلات والسهرات؟ سيفسر البعض هذا بتقدم السن ووطأة المرض، ولكني أرى أن قبل هذا وذاك هناك الإقصاء والتهميش الذي يتعرض له هو وأمثاله كثيرون، مما يدفعنا إلى التحسر على وضعية الفنان المغربي.