سوف تتيح الغارات الجوية على داعش فرصة أمام المعارضة السورية للعمل إلى جانب البلدان التي لطالما شكّكت في قدرتها على حكم سورية بعد الأسد. المعارضة السورية في موقع قوّة نادر، على الأقل دولياً. فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خطابه في العاشر من أيلول/سبتمبر الجاري، عن توسيع نطاق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضاً بداعش، ليشمل سورية. وقال إن الولاياتالمتحدة ستقود تحالفاً من أجل «تقويض [داعش] وتدميره في نهاية المطاف». ثمة إدراك على نطاق واسع بأنه من شأن المعارضة أن تؤدّي دوراً أساسياً في القتال ضد التنظيم المتشدّد. لكن المعارضة لاتملك استراتيجية لانتهاز هذه الفرصة. وفي هذا الظرف الدقيق، حتى بعض حلفاء الثوّار السوريين يشعرون بالنفور منهم. قبل خطاب أوباما، كانت لدى المعارضة شكوك بأن الهجمات الأميركية في سورية ستتم بالتعاون مع نظام الأسد، على الرغم من بيانات النفي المتكرّرة التي صدرت عن العواصم الغربية بهذا الخصوص. يوم الأربعاء، رفضت جماعة الإخوان المسلمين السورية التحالف الدولي ضد داعش «دون أن تكون الرصاصة الأولى في رأس الأسد». على الرغم من أن الائتلاف الوطني المعارض رحّب بالخطوة الأميركية ضد داعش، إلا أن المعارضة السياسية لاتزال تنتظر تلقّي دعوةً كي تتقدّم لأداء دورها، بدلاً من التحرّك استباقياً لوضع رؤية من أجل إيجاد مخرج للأزمة السورية. لكن بعيداً من السياسة، يسود وضع مختلف إلى حد ما في صفوف مقاتلي المعارضة. فقد تشكّلت ائتلافات ثورية مهمة للمساعدة في القتال ضد داعش، ويبدو أن الاستعدادات لساعة الصفر جارية على قدم وساق. ففي 10 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلنت سبع مجموعات مرتبطة ب»وحدات حماية الشعب» الكردية والجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية، وتضم مقاتلين أكراداً وعرباً، عن تشكيل ائتلاف صغير إنما مهم رمزياً لمحاربة داعش في شرق سورية. ويوم الاثنين، أعلنت خمس مجموعات قتالية كبيرة في إدلب عن الاندماج في فرقة واحدة تحت اسم «الفيلق الخامس»، وقالت إنها ستلتزم بقواعد انضباط عسكرية صارمة وتستخدم علَم الثورة السورية الذي يشير إلى رفض العقيدة الإسلامية المتشدّدة. وكذلك أعلنت جبهة ثوار سورية التي أدّت دوراً أساسياً في طرد داعش من معظم المناطق شمال البلاد في وقت سابق هذا العام، عن إرسال «قوافل تلو القوافل» إلى المناطق الخاضعة لسيطرة داعش من أجل إلحاق الهزيمة بهذا التنظيم الجهادي. لكن على الرغم من أن الثوّار على الأرض يرغبون في محاربة داعش ومستعدّون لذلك، على المعارضة السياسية أن تؤدّي دوراً أساسياً في هذا المجال. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة محكمة من تنظيم داعش، يجب بذل مجهود دؤوب من أجل تنظيم مجموعات قادرة على ملء أي فراغ يمكن أن يخلّفه داعش جراء الغارات الجوية المحتملة. بسبب وجود تنظيم داعش، بات من الأصعب على المجموعات المسلّحة في هذه المناطق، لاسيما دير الزور والرقة، إعادة تنظيم صفوفها والعودة إلى ساحة المعارك من جديد، كما أن القوى المحلية تجد صعوبة أكبر في إطلاق تمرّد ضد التنظيم الجهادي. وكذلك ستلاقي مجموعات الثوار القادمة من خارج هذه المناطق صعوبة كبيرة في التنقّل بداخلها، لابل لن يكون مرحّباً بها هناك. تستطيع قوات الثوار في الشمال المساعدة على محاربة داعش في البر، وتحت غطاء جوي واستخباراتي، وبمساعدة لوجستية، لكن من شأن القوى المحلية أن تؤدّي دوراً محورياً في استعادة السيطرة على المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة داعش. لقد غادر عدد كبير من المقاتلين، في دير الزور مثلاً، المحافظة للقتال قرب دمشق بعد دخول داعش إلى مناطقهم في حزيران/يونيو الماضي. ليست لدى القوى المحلية التي استسلمت لداعش رغبة قوية في القتال ضد التنظيم إلا إذا تأكّدت من أنه سيصبح أضعف من أن يعود إلى مناطقها وينتقم منها، كما حصل في قرى وبلدات عدّة في الأسابيع الأخيرة. ستزيد هذه التعقيدات كثيراً من صعوبة القتال ضد داعش. المعضلة واضحة: في المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة داعش، ليست القوى المحلية مستعدّة لإطلاق انتفاضة ضد التنظيم إلا بعد إضعافه، لكن لايمكن إضعافه فعلياً إلا بمساعدة القوى المحلية. سيكون على الائتلاف الذي تقوده الولاياتالمتحدة النظر في التحالف مع مجموعات الثوار في المناطق المحاذية غير الخاضعة لسيطرة داعش، فضلاً عن شن غارات جوية فعّالة، قبل أن يتوقّع انطلاق اندفاعة شعبية ضد التنظيم. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن تضطلع المعارضة السياسية بدور قيادي. إحدى الانتكاسات الأساسية التي تواجهها المعارضة السياسية هي تردّي علاقاتها حتى مع الجهات الأكثر التزاماً بدعمها، لاسيما بسبب الاقتتال الداخلي الذي يشلّ طاقاتها. فعلى سبيل المثال، لم تعقد السعودية أية اجتماعات ثنائية رسمية مع الائتلاف الوطني منذ تشكيل قيادة جديدة في حزيران/يونيو الماضي، ولم توجّه إليه دعوات لحضور الاجتماعات الأخيرة التي شاركت فيها بلدان مثل الأردن ومصر، على الرغم من تمحور النقاشات حول سورية والهجمات الجوية الأميركية. أنتج تدهور العلاقات تطوّرَين قد يتبيّن أنهما نقطة تحوّل بالنسبة إلى المعارضة. التطور الأول هو أن الجهات الداعمة للمعارضة تركّز الآن على العمل مع أفراد موثوقين بدلاً من الائتلاف الوطني أو حتى المجالس العسكرية. يضطلع هؤلاء الأفراد حالياً بدور قيادي في المجهود ضد تنظيم داعش. ربما يؤشّر ذلك إلى رغبة في تجاوز الهيكليات التي أظهرت مقاومة للتغيير وعجزت عن إشراك مختلف الأفرقاء. علاوةً على ذلك، فإن المجهود الذي بذلته الجهات الداعمة من أجل حصر التمويل فقط بالمجموعات التي تكنّ لها الولاء حقّق نتائج لافتة، أبرزها إضعاف الجبهة الإسلامية التي تبيّن أنها ليست أكثر من مجرد اسم من دون أية فعالية عملانية. كما أن تنظيم أحرار الشام مثلاً كان في حالة من التراجع المطّرد، حتى قبل مقتل جميع قادته الكبار تقريباً في 9 أيلول/سبتمبر الجاري في هجوم على إحدى قواعده في ريف إدلب. ستندرج هذه الجهود لإحكام الخناق حول عنق المجموعات المتطرّفة - على الأقل بالنسبة إلى بلدان مثل السعودية - في إطار مجهود طويل الأمد لبناء جيش خاص بفئة معيّنة يكون جزءاً من مستقبل سورية. ذكرت مصادر1 في منطقة الخليج أن الحاجة إلى إنشاء «بشمركة سنّية» تؤدّي دوراً أساسياً في الاستراتيجية الراهنة لبلدان المنطقة. وقد بدأت التقارير تتحدّث عن أنه سيتم تدريب آلاف المقاتلين الثوار في الأردن والخليج؛ لقد وافقت السعودية، بحسب بعض التقارير، على تدريب الثوار داخل المملكة. ليس الهدف أن يكون لهذه القوة، على الرغم من اسمها، جدول أعمال مذهبي، لكنها ستكون بمثابة جيش يستطيع حماية المناطق ذات الغالبية السنّية في سورية والعراق وضبط الأمن فيها. سوف تستثني خطة إنشاء «بشمركة سنية» المجموعات الإسلامية، حتى لو كانت هذه الأخيرة توحي بأنها معتدلة. دفعت هذه الجهود ببعض الفصائل الإسلامية في سورية إلى تبنّي درجة كبيرة من الاعتدال في مواقفها الأيديولوجية والسياسية في الأشهر الأخيرة، لاسيما الجبهة الإسلامية ومجموعات فردية على غرار أحرار الشام. كما دفعت بتنظيمات أخرى، مثل حركة نور الدين الزنكي، إما إلى الالتحاق بالقوى الأكثر اعتدالاً وإما إلى تشكيل قوى جديدة. من المؤشرات التي تُظهر تخوُّف الإسلاميين من هذه المقاربة أن المجلس الإسلامي السوري وتنظيم الإخوان المسلمين عارضا حتى الآن الائتلاف المناهض لداعش، لأنه قد يتجاوز هيكليات المعارضة القائمة حالياً التي يسيطر عليها الإسلاميون. تراجُع الثقة بالمعارضة، حتى من قبل حلفائها الأشد التزاماً بدعمها، يدفعها إلى بذل مزيد من الجهود لاستعادة تلك الثقة. سوف تتيح الغارات الجوية على داعش فرصة أمام المعارضة للعمل إلى جانب البلدان التي لطالما شكّكت في قدرتها على حكم سورية بعد الأسد. وعليها ألا تهدر هذه الفرصة. محلل في معهد دلما للبحوث في أبوظبي، وكاتب عمود خاص في صحيفة «ذي ناشونال» عن مركز «كارينجي»