الهدف الأساسي من خوضي لغمار البحث في فن التراث الشعبي أو التقليدي المغربي هو محاولة الحفاظ عليه في ظل ما نعرفه اليوم من اهتمام البعض بالموسيقى التجارية.. الفنان نسيم حداد من الشباب المغاربة القلائل في عصرنا الحالي، الذين أخذوا على عاتقهم الاهتمام بالتراث المغربي الشعبي، شغفه به جعله يزاوج بين البحث الأكاديمي والأداء الموسيقي، لكن لم ينسه ذلك أيضا، الاستمرار في عمله كدكتور باحث في مجال الفيزياء النووية. هاته التركيبة غير الاعتيادية في ضيفنا إضافة إلى تعدد أنشطته الفنية مؤخرا دفعت الجريدة للغوص في عوالمه من أجل تقديمه لقرائها فكان هذا الحوار.
p كاستهلال ولمن لا يعرفك بعد، من هو نسيم حداد في جملة؟ n أنا شاب مغربي أصلي من مدينة أبي الجعد، ازددت وترعرعت بمدينة سلا، سني 31 سنة، وأشتغل كفنان وكباحث محاضر في التراث الشعبي المغربي ومازلت أشتغل كذلك في حقل الفيزياء النووية. p تعددت أنشطتك الفنية مؤخرا وبدأ الجمهور المغربي يعرفك أكثر فأكثر ..ولكن عند البحث عن أولى إنتاجاتك على الشبكة العنكبوتية، نجد شريطا وثائقيا بعنوان "العيطة ..رحلة نغم" وهو يعود لسنة 2014، فهل يمكن أن نقول إنه أول انطلاقة لك في مسارك الفني؟ وماذا يمكن أن تقول عن هذp تتحدث دائما أثناء خرجاتك الإعلامية عن كون هدفك هو التعريف بالتراث المغربي أكاديميا وموسيقيا، هلا شرحت لقرائنا الطريقة والأدوات التي تستعملها من أجل الوصول إلى هاته الغاية، وما هي المؤسسات التي تعاملت معها، سواء أكانت محلية أو أجنبية؟ n أحاول تقديم حفلات غنائية كفنان، بالإضافة إلى ذلك أقوم بأبحاث أكاديمية أحاول من خلالها توثيق الأنماط الغنائية التقليدية المغربية، وأوازي عملي هذا بتقديم محاضرات وورشات، سواء داخل المغرب أو خارجه، ومن خلال هاته المحاضرات، تعاونت مع مجموعة من الهيئات والمؤسسات سواء كانت حكومية أو غير حكومية، التي استضافتني هنا بالمغرب، أو خارجه مثل إسبانيا أو إيطاليا وكذلك بسويسرا، حيث قدمت ورشات ومحاضرات حول التراث التقليدي المغربي، فضلا عن ذلك، أتعامل مع المركبات الثقافية، لكني أتعامل بشكل كبير مع الجمعيات لأنها أكثر نشاطا مما هو حكومي… ومن بين الأهداف التي أسعى إليها كذلك، أن أخرج بهذا التراث من المحلية إلى العالمية، وأنا على وعي تام بصعوبة هاته المسألة، لكنني أتمنى القيام ولو بمحاولة صغيرة. ولا بد من الإشارة إلى أننا إن رغبنا في الخروج بالأغنية المغربية من المحلية للعالمية فعلينا القيام بالعديد من الدراسات الموسيقية المحضة، لتحويل الغناء التقليدي على العالمي، وأنا من خلال المحاضرات أحاول أن أقدم مجموعة من النقط التي أجدها صالحة للمساهمة في هاته العملية. كما أقوم بتوثيق كل ما يخص هذا الفن، سواء ما يتعلق بالنصوص مع محاولة قراءتها وتحليلها ومعرفة أسباب كتابتها أو ما يتعلق بالشيوخ الذين كان لهم تأثير على هذا اللون الغنائي، فضلا عن التعريف بهؤلاء خلال كل عيطة غنائية في نوع من الإحياء لذكراهم تكريما لهم لأنه لا يجب أن ننسى بأن العيطة تحكي عن أشخاص و أحداث.. من جهة أخرى، أرى أن الإعلام له أهمية كبرى في إنجاح هذا المشروع، ومن خلال تجربتي المتواضعة، يمكن أن أقول إنه من حسن حظي أنه كانت لي علاقة طيبة مع جميع أشكاله، سواء المكتوب منه السمعي أو المرئي أو الصحافة الإلكترونية، فمن خلاله سلطت الأضواء على أعمالى وبفضله بدأ المغاربة يتعرفون على اسم نسيم حداد، وأغتنم الفرصة لأقدم الشكر، من خلال الجريدة، سواء للصحافة الإلكترونية أو إلى الإذاعات والجرائد، وخصوصا القناة الأولى والثانية وكذلك ميدي 1، لاستضافتهم لي في العديد من المناسبات. وأنا أظن أنه بالنسبة للفنانين، إذا كان لك منتوج جيد، فالإعلام سيهتم بك وسيعطيك الفرصة للظهور والمرور في البرامج. p ما هي الرسالة التي ترغب في إيصالها لكل الفاعلين في هذا المجال ليتمكن مشروعك، الذي يسعى للنهوض بالتراث الفني الشعبي، من النجاح ؟ n الرسالة الأولى أوجهها خصوصا لوزارة الثقافة، فحقيقة يتم دعم المهرجانات ودعم الفنانين، لكن ليس هناك شق خاص بالتراث يكون واضحا والذي يمكننا من القول إن هناك استراتيجية ثقافية بارزة تعمل على النهوض بالتراث التقليدي المغربي، كما أود التوجه برسالة لأكاديمية المملكة، فنحن نلاحظ تواجد خلية تعمل على التراث الأندلسي. وأخرى على تراث الملحون، وحبذا لو كانت هناك خلية تشتغل على العيطة والتي من خلالها سنتمكن من تكسير تلك النظرة القدحية لهذا النمط الغنائي، فعوض الاهتمام فقط بما يسمى بالثقافة العالمة، لا بد أن تكون هناك خلية تهتم بالتراث الشعبي مثل حمادشة أو جيلالة و غيرهم… p ما هي علاقتك بوسائل التواصل الاجتماعي؟ n استعملها بشكل كبير، وبشكل يومي، لأنه من خلالها يمكن التواصل، سواء مع الجمهور او مع المهتمين بالشان الثقافي، كما أظن أن المواقع الاجتماعية لها فضل كبير على مجموعة من الفنانين وعلى مجموعة من الشخصيات التي أصبحت الآن بارزة لأنها فتحت نافذة ربما لم تكن موجودة في الماضي، والتي مكنت العديد من المبدعين من تقديم إبداعاتهم واستطاعوا الوصول إلى الجمهور بشكل أسرع ومباشر مما ساهم بشكل كبير من الرفع من عدد الفنانين بالشكل الذي نراه حاليا. لكن بقدر ما لهاته المواقع الاجتماعية من إيجابيات فإن لها أيضا سلبياتها، وفي اعتقادي هي سيف ذو حدين، أولا بالنسبة للمشهد الفني والثقافي بالمغرب، بحيث أصبحنا نلاحظ نوعا من التسيب في هذا المجال، إذ بقدر ما سمحت بالرفع من كمية الفنانين المتواجدين وتسليط الضوء عليهم، بقدر ما انتفت الرقابة حول الجودة والمعايير في غياب لأي تأطير للمشهد الثقافي والفني المغربي. من جهة أخرى أرى بأن وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها أثر سلبي على صورة الفنان، خصوصا إذا لم يحسن التعامل معها، وأنا انتبه إليها بشكل كبير وهي التي جعلتني أتعامل مع المواقع الاجتماعية بشكل فردي ولا أستعين في ذلك بأي متخصص في المجال، على الأقل في المرحلة الحالية، وأقوم شخصيا بالتفاعل مع الناس من خلالها تجنبا لأي مشاكل قد تأتي منها. p بالنسبة لعملك كفنان، هل تعمل بمفردك أم لديك فرقة ؟ n أنا بالفعل لدي فرقة أسستها سنة 2011، اسمها "أحباب الغيوان"، وكنا نقدم مجموعة من الأغاني من ربيرتوار الغيوان، وبعد ذلك، وعندما انفتحت على الأنماط التقليدية الغنائية الأخرى وسعت من شكل الفرقة وأصبحت اشتغل باسم نسيم حداد و أصبحت للفرقة مجموعة من الموسيقيين الذين يؤدون أنماطا غنائية مختلفة بما فيها موسيقى كناوة أو العيطة أو الملحون وأغاني الغيوان، وبالتالي أثناء السهرات، أقدم أطباقا مختلفة من التراث الشعبي المغربي. p بمناسبة انعقاد الدورة الأولى من المهرجان الغيواني التراثي بجهة الدارالبيضاءسطات يوم الجمعة 13 يوليوز الماضي، أود معرفة رأيك في مجموعة ناس الغيوان خصوصا ونحن نعرف مدى تأثرك الموسيقي والشخصي بها و كذا عن المهرجان في حد ذاته؟ n بالنسبة لمجموعة ناس الغيوان فأنا اعتبرها قيمة ثقافية فنية أضيفت للخزانة الموسيقية المغربية، وناس الغيوان قامت بمصالحة المواطن المغربي مع تراث بلده، وقد نهلت من أنماط مختلفة من التراث المغربي لأن أفراد المجموعة جاءوا من مناطق مختلفة من المغرب، حاملين ثقافاتهم وإرثهم الفني، وهذا المزج أخرج للوجود هاته المجموعة بعمقها الثقافي والفني، نفس المسألة تنطبق على جيل جيلالة و لمشاهب ومسناوة وتكادة وباقي المجموعات. وبخصوص علاقتي بناس الغيوان، فتربطني علاقة صداقة وطيدة مع جل أفرادها، وخاصة مع القيدوم عمر السيد الذي شرفني بتقديم مشعل المجموعة، وهي مسألة صرح بها في مجموعة من المنابر الإعلامية ومجموعة من المناسبات. وأراها تشريف وتكليف في نفس الآن، فكسب ثقة فنان مميز مثل عمر السيد، مسؤولية أتمنى أن أكون في مستواها. لقد مثلت مجموعة ناس الغيوان المدرسة الأولى بالنسبة لي حيث تتلمذت على يدها وأحببت التراث الشعبي المغربي من خلالها. وبمناسبة المهرجان المغربي الذي يقام الان بجهة الدارالبيضاءسطات، فانني أود أن أقول إنها بادرة محمودة، وأقدم جزيل الشكر للمنظمين، لأن المنطقة التي احتضنتها ينتمي إليها أفراد هذه المجموعة، فأتمنى لهم التوفيق في الدورة الأولى كما أتمنى أن يطيل الله العمر لنرى دورات أخرى متميزة يستمتع بها كل محبي النمط الغيواني الذي هو أكيد في تزايد مستمر، وهذا دليل على أن الغيوان، كقيمة ثقافية، ستبقى حية دائما في قلوب المغاربة. p ماهي خطواتك المستقبلية؟ n حداد و فرسان التراث"، أولى السهرات كانت مخصصة لتراث العيطة، وكانت بعنوان "نسيم حداد و فرسان العيطة"، احتضنتها "دار الفنون" بمدينة الرباط و قدمنا خلالها "ديوهات" مع شيوخ العيطة، ثم بعدها سيكون هناك سهرات أخرى من هذا القبيل، أو مع شيوخ أنماط أخرى من الغناء، من بينها كناوة والنمط الغيواني. بالموازاة مع هذا، أقوم حاليا بتسجيل مجموعة من العيوط الميتة، إذا صح التعبير، أي تلك التي لم تعد متداولة في الساحة وهي نادرة لم يسبق أن سمعها الجمهور المغربي، وسأطلقها ابتداء من الموسم الجديد. بالنسبة للبحث، سيطلق مستقبلا برنامج جديد بعنوان "بحر الغيوان" وسأتحدث فيه عن النمط الغيواني وعن المجموعات الغنائية مع شرح الأغاني، وسيكون برنامجا سمعيا مرئيا وأتمنى أن يكون هذا البرنامج إضافة جديدة للموسيقى الغيوانية بصفة عامة.