1 - أبرز الخاسرين، كان هو الرئيس منصف المرزوقي، والحليف الثاني للنهضة في إطار ما سمي بالترويكا، التي تضم بالإضافة إلى النهضة حزب التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية. ففي أقل من ثلاث سنوات ونصف تلقى الحزبان المشاركان في الترويكا صفعة مدوية لم يكن أحد ينتظرها. النهضة، بطبيعة الحال، سلمت بالنتيجة التي لم تخرجها من اللعبة، وكان أن دفع الحزبان العلمانيان المتحالفان معها الثمن. وهي نقطة ربما يمكن الرجوع إليها في تاريخ التحالفات السياسية بين القطبين، الإسلام السياسي والأحزاب اليسارية، لكي نعرف أنها تكاد تكون القاسم المشترك بين الدول العربية الإسلامية، من إيران إلى تونس، مرورا بمصر . ويمكن هنا استخلاص الدرس السياسي الأكبر، وهو أن التوافقات قد تصلح في الدولة ولا تصلح في الاقتراع، وبمعنى آخر، يمكن القول إن على الدولة أن تسير بالتوافقات الكبرى، دون يعني ذلك أن نفس التوافقات والتسويات تصلح في التنافس الانتخابي، أو تغيير طبيعة الدولة أو حتى تغيير طبيعة النظام.. الأساسي في العملية هو إقامة قواعد اللعب التي يحتكم إليها الجميع، و بناء على خلفيات متباينة. 2 - أعادت الانتخابات السياسية الجدوى من تغذية التضاد - حتى لا نقول الصراع - السوسيوثقافي بين المشاريع. و تبين أن الأحزاب التي تشارك، بتبعية في التدبير الانتقالي، تدفع الثمن ولا توجد . وكل تبعية تعني بالضرورة لدى الرأي العام - الذي يفضل الأصل على النسخة - وضع الذات في مرتبة أقل من البديل. وكل تبعية أيضا تفقد المشارك الضعيف القدرة على التواجد والتفاوض الانتخابي مع عموم الأمة - الوطن. لقد ألفت فئات من النخب السياسية، التي عاشت انهيارات المعسكر الشرقي، ثم تنامي العولمة وريادة الفاعل الاقتصادي، في الدول التي واجهت الانتقالات الديموقراطية على اعتبار التضاد الثقافي والسوسيولوجي زائدة دودية في العالم الجديد، وسارعت إلى بترها، وتبين من بعد أن الوجوه التي تملك المشروعية الثقافية الاجتماعية هي القادرة على أن تحرك التاريخ في اتجاه التقدم لا التراجع، وأن الفئات الشعبية والمتوسطة التي اتهمت بأنها غير قادرة على التمييز، قادرة اليوم على ذلك، عكس الأنبياء المغلوطين للتشابه المعمم. 3 - تميزت النتائج بالدخول البرلماني للجبهة الشعبية، الممثلة لليسار المؤسساتي، والتي تضم عدة أحزاب يسارية راديكالية، بعد أن كانت خارج المجلس التأسيسي، بالرغم من الانتقادات اللاذعة التي تقدمت بها حول الانتخابات ولا سيما أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ( والتي صنفتها في خانة القضاء الأول لمراقبة الاقتراع ). ومن المتوقع أن تلعب دورا في التوازنات المؤسساتية الكبرى، مع تحالفات في محيطها اليساري أو المحيط الوسطي اليساري.. 4 - الحضور اللافت للبنعليين، وهو ما تميز عبر تواجد حزبين اثنين في الانتخابات، والاعلان الرسمي عن وجودهما. ومن المثير في الواقعة أن نذكر أن ذلك تزامن مع استطلاع أجراه معهد «بيو» حول الديموقراطية، والذي كشف أن مناصري الديموقراطية كأفضل نظام سياسي ، خسروا 4 نقط. فبعد أن كانوا 63 % في 2012 يفضلونها عن أي نظام آخر، أعطت النتائج أن النسبة صارت 48 % فقط. في انتخابات 23 نونبر الماضي حول الرئاسيات كانت هناك 5 وجوه على الأقل من أتباع بنعلي، وعلى رأسها وزير الداخلية والدفاع كمال مرجان.. كما أن النظام تمثل في حزب المبادرة وحزب الدستوريين . وهو ما يعني أن مشاريع الأنظمة البائدة - أو غيرالبائدة أيضا - لا تقتلها بالضرورة الثورات، التي تحتكم إلى صناديق الاقتراع! 5 - الحزب الذي فاز بالرتبة الأولى في الانتخابات، نداء تونس، وضع على رأسه شخصية مسنة من العهد البورقيبي، و استطاع أن يجمع تركيبة متباينة ومتناقضة أحيانا، ومشروعها الأول هو الوقوف في وجه النهضة ، والتجاوب مع حاجة موجودة في البلاد للحفاظ على إرث بورقيبي لم يسلم من التعرية التي أصابت الحقل السياسي في عهد بنعلي والمهم في الأمر أن الرجل استطاع أن يقنع جزءا من الناخبين بأنه، بالرغم من سنه، يستطيع أن يضمن «المنهجية الديموقراطية» و«نخوة الدولة» .. التونسيون يتحدثون عن le prestige de l Etat 6 - لا شك أن الدروس التي نحن بصددها ليست هي بالضرورة التي يستخلصها كل الشعب التونسي، فزاوية القراءة تنطلق من المغرب بطبيعة الحال، ويبقى في هذا السياق أن إغراء المقارنة قائم في قضية قبول النهضة وتسليمها بالنتائج. رغم التواجد السياسي الكبير في هندسة المرحلة ما بعد الثورة، فإن النهضة سلمت بهزيمتها، ولم تشكك في النتيجة، أما عندنا فالتشكيك قبل العملية قد بدأ. والفاهم يفهم!