يتسم الموقف الجزائري المعادي للوحدة الترابية المغربية بتهافتات تاريخية وقانونية وسياسية، لا يمكن استيعاب مدلولها إلا إذا تمت مقاربة ذلك الموقف في شروط السياق السياسي والجيوسياسي الذي حكم ويحكم رؤية وسياسة نظام الحكم الجزائري في بعديهما القطري والمغاربي. ولئن كانت المنهجية الرصينة تقتضي مقاربة الموقف الجزائري من تحرير واستعادة المغرب لصحرائه، على ضوء مفاعيل الجدلية القائمة ما بين البعد القطري والبعد المغاربي، في رؤية وسياسة حكام الجزائر – فإن شرط المقام لا يسمح بسعة المقال، وبالتالي فإننا نروم، في إطار هذه المداخلة، تركيز النظر على ما تنطوي عليه الرؤية المغاربية لدى حكام الجزائر من هواجس مجالية، مرتبطة بتصورات ومخلفات سياسة «الجزائر الفرنسية»، ومن عقدة باتولوجية، اعتل بها المغامرون من حكام الجزائر المستقلة(1). ولا مرية، فإن الوقوف في وجه كفاح المملكة المغربية من أجل تحرير واستعادة أقاليمها الجنوبية، بل واستباحة حُرمة هذه الأقاليم عسكرياً غداة تحريرها، وإغلاق الحدود في وجه مواطني ومواطنات البلدين، في انتهاك صارخ لحرية تنقل الأشخاص والسلع، واستخفاف غير مسبوق بمصالح الشعبين. وقد تأكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن رهان افتعال نزاع الصحراء المغربية، ومواصلة تأجيج حلقاته، على مدى أزيد من أربعة عقود، إنما يروم فرض مشروع انفصالي، يقوم على تزييف التاريخ وتحريف القانون، وبالتالي «شرعنة» تغيير التوازن الجيوسياسي في الحوض الغربي للمتوسط. ولم تتورع هذه السياسة المغامرة عن الزج بٍ «اتحاد المغرب العربي» في نزاع مفتعل، بات يثقل كاهل الأقطار المغاربية، بكلفتيه المادية والمعنوية، وتهديد الأمن والاستقرار في الحوض الغربي للمتوسط، إذ لا أفق لهذه السياسات الرعناء – في غياب منطق الحكمة والتبصر – سوى المزيد من الاحتقان والتوتر. الجزائر ومخطط الانفصال: 1 – لطالما ردد دبلوماسيون جزائريون على منصة الأممالمتحدة، أن الجزائر «معنية» بموضوع «الصحراء الغربية»، بحكم «مصالحها الجيوسياسية»، وأن لا حل للنزاع (المفتعل) خارج إطار هذا الاعتبار.. وبالفعل، فقد انصب الخطاب الدبلوماسي، والفعل السياسي، منذ مستهل السبعينيات من القرن الماضي على الترويج لموقف ملتبس، ظاهره تعزيز المطالبة بتصفية الاستعمار الجاثم على «الصحراء الغربية». وباطنه التمهيد لانتحال صفة الطرف «المعني»، إلى جانب المغرب وموريتانيا، بملف نزع استعمار «الصحراء الغربية». بيد أن الموقف سيأخذ منحى جديداً، غداة الاتفاق المغربي-الموريتاني بتنسيق موقفهما المُطالب بالتحرير، منحى قوامه المراهنة على إقناع إسبانيا الفرنكوية بِ «تفهم» مصلحة الجزائر في أن تكون طرفاً في مفاوضات تسوية النزاع لكن سرعان ما تحولت المناورات الجزائرية في مربع الكواليس السياسية والدبلوماسية، إلى مجابهة سياسية صريحة ومعلنة، عندما أقدم المغفور له جلاله الملك الحسن الثاني على إطلاق «المسيرة الخضراء» (6 نونبر 1975) من جانب، وامتنعت الحكومة الإسبانية عن حجز مكان لحكومة الجزائر في طاولة المفاوضات، التي أسفرت عن توقيع «اتفاق مدريد» من جانب آخر… في خضم هذه التطورات المتسارعة، لكن الإيجابية، إذ أسفرت عن إنهاء الاستعمار الإسباني بالساقية الحمراء ووادي الذهب، بعد احتلال دام أزيد من تسعة عقود، انبرى الرئيس الراحل هواري بومدين – في مناخ ملؤه الشعور بالإحباط من جهة، والرغبة في الانتقام من جهة أخرى – إلى الالتفاف على إنجاز التحرير، عبر الإعداد والترويج لمشروع انفصالي تُسخر في واجهته «حركة تحرير»، تحولت بقدرة قادر إلى أداة انفصال. ومن أجل دعم و»شرعنة» هذا النزاع المفتعل، تمت تعبئة جهاز الدولة الجزائرية، ضداً على إرادة شعبها، للانخراط في سياق استراتيجية هجومية تستند إلى ركيزتين اثنتين: أولاهما، ركيزة سياسية-دبلوماسية أسندت قيادة عملياتها إلى وزارة الخارجية الجزائرية، تحت مظلة السيد عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية آنئذ، بمساعدة – عند الحاجة – مجموعة من أطر حزب «جبهة التحرير الوطني»؛ ثانيتهما، ركيزة عسكرية، ميدانية، بقيادة طاقم عسكري من «الجيش الجزائري» أسندت قيادته إلى ضباط سامين، بقيادة الراحل العقيد سليمان هوفمان، أحد المستشارين العسكريين المقربين من الرئيس الراحل. 2 – وكما أوضحنا في أكثر من مناسبة، فإن تفعيل هذه الاستراتيجية، بشقيها العسكري والدبلوماسي، شكل ويشكل قوام السياسة العدائية الجزائرية ضد المملكة المغربية على مدى أزيد من أربعة عقود (1975-2018)(1)، وهي السياسة التي سهر القيمون عليها، عسكرين ودبلوماسيين، على تكييفها المتجدد مع المتغيرات السياسية، الإقليمية والدولية، لكن ثابتها كان واستمر منصباً على المزاوجة بين عمليات الاستنزاف العسكري، وحملات التشهير الدبلوماسي، في محاولة دائبة للالتفاف على قواعد الشرعية الدولية، ومبادئ وقواعد القانون الدولي.