أول ما يتبادر إلى الأذهان لماذا هذا العنوان (المقاومة والمدينة) لموسم ثقافي؟ وهل المقاومة التي يقصدها العنوان هي تلك المرتبطة بمواجهة الغزو الاستعماري و الوجود الأجنبي بداية القرن العشرين؟ أم المقاومة في مفهومها العام المرتبط بمجابهة الأخطار الخارجية والتمردات الداخلية التي شهدتها المدينة منذ أن ظهرت أولى السفن البرتغالية في بحرها؟ وإذا سلمنا جدلا بأن المقصود زمنيا بمفهوم «المقاومة» هو مواجهة التدخل العسكري الأجنبي، فهل يحمل هذا العنوان من التفرعات والإشكالات ما يكفي ليكون عنوانا ومدخلا لموسم ثقافي بأكمله؟ وقد نتساءل أيضا هل المنطقة التي يحمل الصالون اسم أحد معالمها ورموزها التاريخية كفيلة بتوفير مجالات للدراسة والاستقراء في مضمار المقاومة؟ وهل يمكن أن نطلق على الفعل النضالي بالمدينة مفهوم «مقاومة»؟ وبالتالي هل مفهوم «المقاومة « هو اختزال لكل فعل أريد من ورائه مقارعة الاستعمار وصون المقدسات الدينية والثوابت الوطنية؟ الوجود البرتغالي بمدينة مازغان ومقاومته عندما يقلب الباحث وريقات الأرشف ويستقرئ المصادر و المراجع التاريخية، يجد أن مدينة الجديدة ومنطقة دكالة كانتا حاضرتين بقوة وبعراقة وعمق في التاريخ المغربي بل وفي التاريخ الدولي منذ بدء الاحتلال البرتغالي لمدينة مازغان ومقاومته. فبعد احتلال البرتغاليين لمدينة سبته سنة 1415 والقصر الصغير سنة 1458، والتمكن من احتلال مدينتي طنجة وأصيلة سنة1471، توجه نظرهم نحو الشواطئ الأطلسية للمغرب وشرعوا في السيطرة على الثغور البحرية الأطلسية الواحد تلو الآخر وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الناصري صاحب كتاب «الاستقصا» أن البرتغاليين أصيبوا بالشره لتملك سواحل المغرب الأقصى،» وجادلوا أهلها دونها، حتى تمكّنوا منها (...) فقويت شوكتهم وعظُم ضررهم على الإسلام، وطمحت نفوسهم للاستيلاء على ما وراء ذلك (...) وكان ذلك كله فيما بين انقراض دولة بني وطاس، وظهور دولة الشرفاء السعديين«. ارتبط إذا تاريخ مدينة الجديدة «مازغان»، عاصمة دكالة اليوم، بالاحتلال الأجنبي وبالاستدمار البرتغالي الذي استهدفها سنة 1502 ولم يغادروها إلا مكرهين مهزومين على يد السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله سنة 1769 أي بعد نحو 267 سنة من الاحتلال. وكتجل للعقدة النفسية التي حصلت للبرتغاليين بعد أن تم إجلاؤهم المدينة مهزومين مدحورين؛ نجدهم ينسجون الأساطير حول أمر وصول أسطولهم إليها ونزولهم بسواحلها، كما نقلوا معالم الهندسة البرتغالية إليها، وبالغوا في تحصينها، وتفانوا في الحفاظ عليها، واختاروا الموت بدل الخروج منها، وتركوا الثغور المغربية كلها وتشبثوا بها. ويوم تمّ إجلاءهم عنها؛ لم يَحْلُ لأهلها المُقام في أرض سواها، فنزلوا بناحية من لشبونة مدة قصيرة؛ ثم رحلوا إلى البرازيل فشيدوا » مازغان« جديدة بكل تجلياتها المعمارية التي كانت لها في بلاد المغرب على ساحل دكالة، وظلت أرواحهم تهيم عبر المحيط لتعانق »مازغان« القديمة هناك، فما كان لهم إلا أن بنوا في المكسيك مدينة تحمل اسم » زامورة ZAMORA؛ إذ لم يستطيعوا نسيان آزمور كما يبدو من تشابه الأسماء. كانت أول مبادرة للمقاومة الشعبية للاحتلال البرتغالي سنة 1505م إثر عودة جورج دي ميلو J. De mello وهو أحد نبلاء البلاط الملكي وقائد رماة الفرسان لإقامة حصن بالبريجة. وما أن ظهرت معالم الحصن حتى جاء سكان المنطقة لهدمه وطرد البرتغاليين المغامرين منه . وفي أوائل مارس من سنة 1547م هاجمت كوكبة من مائة فارس برآسة القائد حمو بن داود مدينة البريجة، فواجهها حاكم المدينة مصحوبا بابنه مع مائة وعشرين فارسا وثلاثمائة راجل، فتظاهر المقاومون بالانسحاب لاجتذاب الحاكم ورجاله إلى فخ نصبوه لهم، فهلك كثير من الجند البرتغاليين ومن ضمنهم نجل الحاكم «لويز دو لوريرو» Louis de Luureiro. وفي سنة 1562، حاصر الشريف السعدي عبد الله الغالب بالله البريجة وجهز إليها جيشا كثيفا واستنفر لها قبائل الحوز، وجعل قيادة الجيش لابنه المعروف بالمسلوخ، فحاصر الجيش المدينة أربعة وستين يوما، وحطم بعض أسوارها، ولم يقض الله بفتحها كما قال صاحب «الاستقصا». وخلال فترات تراجع المخزن المركزي ظهرت زعامات محلية صوفية رابطت في الثغور، ووقفت في وجه المحتل البرتغالي؛ نذكر منهم محمد بن أحمد المالكي، المعروف بالعياشي الذي ظل يراقب تحركات البرتغاليين بالبريجة، ويضيق عليهم ويشتبك معهم في حروب متقطعة على شكل غارات، ويحصل على الغنائم والأسرى، وكان يبعث بها إلى الأمير زيدان السعدي بمراكش. وعندما انسحب المجاهد العياشي في اتجاه سلا مضطرا ومجاهدا، ترك سيدي إسماعيل خليفة له لمواصلة القتال ضد البرتغاليين بمازغان. وقد عبر الفقيه الكانوني عن ذلك قائلا:» كان الزعيم أبي الفداء إسماعيل بن سعيد القاسمي صاحب الزاوية على مقربة من الجديدة، ولما ارتحل أبو عبد الله العياشي من هذه البلاد تركه قائما بأعباء تلك المهمة». والى جانب هؤلاء المجاهدين تؤكد الروايات بعض منها مكتوب وبعضها شفهي أن أولياء مازغان الذين توجد أضرحتهم خارج أسوار الحصن البرتغالي كانت لهم جميعا اسهامات هامة في هذا المجال، وعلى رأسهم سيدي محمد الضاوي المدفون قرب الحي البرتغالي الذي اشتهر بقيادته المتكررة لأتباعه ومريديه وأكثرهم مجاذيب في حملات جهادية استهدفت البرتغاليين في منازلهم وهم مسلحون بالمناجل، وسيدي يحيى المحول دفين حي كدية ابن إدريس الذي سيتخذ ضريحه مخزنا لأسلحة المجاهدين بعد ان كان هو من قبل قائد المجاهدين. كما تحتفظ الرواية الشفهية بأسماء رجالات المقاومة الأولى بالجديدة خلال الاحتلال البرتغالي و الذين نذكر منهم: -سيدي محمد القاسمي؛ - مولاي عبد الله أمغار؛ - سيدي محمد الشريف المدعو بالشلح؛ - سيدي موسى بن عمران؛ - سيدي سالم؛ - سيدي بوافي؛ - سيدي الضاوي بوخربة؛ - سيدي محمد النخل. هؤلاء جميعا جاهدوا من اجل اقتحام أسوار مازيغن أو مازغان البرتغالية إلى جانب مجاهدين آخرين، فسقطوا شهداء فكان تكريمهم من قبل إخوانهم في الجهاد و المقاومة أن أقاموا لهم أضرحة وقببا بيضاء، وقد استمر هذا الدفق من المجاهدين يتردد على أسوار المدينةالمحتلة حيث تشهد المصادر على مشاركة عدد كبير من الفقهاء و المتصوفة إلى جانب جيش السلطان سيدي محمد بن عبد الله في حصارها وتحريرها وتغيير اسمها من مازيغن أو مازغان إلى الجديدة. إرهاصات المقاومة الشعبية لنظام الحماية: من خلال ما وشت به بعض الوثائق والمصادر، نجد أن مدينة الجديدة شهدت حركة مقاومة مسلحة مبكرة منذ أن حاول المحتل التسرب إليها سنة 1908. ومن رجالات المقاومة الأوائل الذين تذكرهم كتب التاريخ والوثائق الخاصة بالفترة، رجل اسمه القائد محمد التريعي الذي قاوم التدخل الفرنسي في أزموروالجديدة ورفض الدخول في طاعة السلطات الاستعمارية أو التعامل معها وحاول بشتى الوسائل التصدي للدخلاء المستعمرين ولم يتراجع إلا بعد قنبلة وإحراق داره أواسط سنة 1912من قبل جنود الاستعمار الذين كانوا يحاصرونها، ليتمكن من الفرار دون أن يستطيع أحد النيل منه، ليلجأ إلى الأطلس المتوسط حيث انضم إلى حركة الجهاد التي قادها موحى أوسعيد الويراوي وموحا اوحمو الزياني كما تشهد بذلك بعض الروايات، بينما ذهبت روايات أخرى إلى أن هذا المقاوم لجأ إلى الصحراء وانضم إلى حركة احمد الهيبة بمراكش وشارك في حملاته. وقد نسجت حول شخصية القائد محمد التريعي أساطير وروايات يمكن أن تشكل مادة دسمة لصياغتها في قالب قصصي موجه للأطفال والناشئة لتعريفهم برموز المقاومة بوطنهم. وعلى الرغم من غياب القائد التريعي من واجهة الجهاد والمقاومة، فقد ظلت خلايا المقاومة قائمة هناك. ولا أدل على ذلك ما كشفت عنه وثائق من الأرشيف الفرنسي بشأن تمكن سلطات الاحتلال الأجنبي إبان الحرب العالمية الأولى من اكتشاف مخابئ هامة للسلاح والذخيرة بالجديدة وناحيتها. وألقي القبض إثر ذلك على 38 مواطنا مغربيا مع مجموعة من الألمان والسويسريين والإسبان. وحوكموا بالدارالبيضاء حيث أصدرت محكمتها العسكرية سنة 1916 أحكاما بالإعدام في حق عدد كبير منهم. نشوء وتطور الحركة الوطنية والعمل الوطني بالجديدة: شهدت مدينة الجديدة (مازغان) كغيرها من حواضر المملكة ظهور ونشوء أنوية حركة وطنية، ولم تكن لتظل بعيدة عن هذه الحركة التي همت سائر مدن المغرب وخاصة تلك التي كانت تعاني من وطأة الوجود الاستعماري وترزح تحت نيره كفاس والدارالبيضاء ومكناس ووجدة وسلا والرباط والقنيطرة وآزرو وغيرها من المدن. وقد شهدت مدينة الجديدة ميلاد حركة وطنية فتية صمدت في وجه المستعمر وواجهت سياساته الاحتوائية مستعملة شتى أساليب التستر للحفاظ على جذوة الوطنية مشتعلة. وعلى الرغم من محاولات سلطات الحماية تضييق الخناق على الوطنيين الملتزمين بالمثل والمبادئ الوطنية سواء بإبعاد البعض وتهديد وترهيب البعض الآخر. فقد استغل الوطنيون كل المناسبات لإظهار رفضهم لسلطة فُرضت عليهم بالقهر والقوة. وفي خضم هذا المخاض الوطني، أنجبت مدينة الجديدة نخبة من الوطنيين الملتزمين كان لهم دور بارز في تجدر وتطور الوعي الوطني بالمدينة على طول مدة الحماية نذكر منهم عبد الرحمن الدكالي ابن شيخ الإسلام شعيب الدكالي وعبد الواحد القادري وقاسم العراقي وأحمد طالب بلحاج وعبد الرحمان المسفر وعبد السلام السراج وعبد الواحد التازي وعبد القادر جسوس وأحمد الشيخ وامحمد الركيك المعروف بالفقيه الدكالي وعبد الله شاكر وحسن هيكل والحسين المنصور بالله الشلح ومولاي عباس الكثيري وامحمد بلحاج عباس وبوشعيب اللباط وعبد الله بن محمد الحاج الجيلالي النعامي وعبد الله بن إبراهيم ويحي خالد والعربي الزموري ومحمد التازي وامحمد الكندوز ولالة راضية المسفر وغيرهم كثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم وتعدادهم واحدا واحدا. ولا عجب إن وجدنا الكثير من أبناء هذه المدينة أو ضواحيها ضمن معتقلي السجن الفلاحي العدير والسجن الفلاحي عين علي مومن ومعتقل أغبالو نكردوس بإقليمالرشيدية ومعتقل آيت محمد بنواحي أزيلال. وحسبنا أن ندع المجال للمشاركين والمساهمين في الموسم الثقافي لصالون مازغان للغوص في تفاصيل حياة هؤلاء وأنشطتهم الوطنية اعتمادا على ما تجود به الروايات الشفهية والوثائق التاريخية التي يتم استجلابها من مراكز الأرشيف الأجنبية خاصة الفرنسية منها المختصة في الفترة الاستعمارية ووضعها بالمتحف الوطني للمقاومة وجيش التحرير بالرباط في انتظار إيداعها في كل الفضاءات التربوية والتثقيفية والمتحفية للمقاومة وجيش التحرير المبثوثة عبر التراب الوطني ومنها الفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير بالجديدة. دور المدارس الحرة ومساهمتها في المقاومة: تكاثفت جهود جل الفئات الاجتماعية المكونة للمجتمع الجديدي خلال فترة الحماية لمواجهة الواقع الجديد المتمثل في نظام الحماية وسياستها الهادفة إلى طمس ومسخ الهوية الوطنية لغة وتاريخا وخاصة بعد إصدار ما سمي ب»الظهير البربري»، فساهم رجالاتها الوطنيون في إنشاء المدارس الحرة كمدرستي التهذيب والصفاء الحسنية الحرتين. تم تأسيس مدرسة التهذيب الحرة سنة 1930 وهي التي يمكن اعتبارها تطورا لكتاب قرآني كان موجودا بالجديدة في المكان المسمى اليوم ثانوية القدس الخاصة والتي كانت تشرف عليها لجنة من الوطنيين في مقدمتهم قاسم العراقي وعبد الواحد القادري وعبد الرحمان المسفر. وأمام ازدياد عدد التلاميذ وضيق الفضاء التعليمي بمدرسة التهذيب، قررت لجنة التعليم التابعة لفرع حزب الاستقلال بالجديدة تأسيس مدرسة الصفاء الحسنية التي أسندت إدارتها لإدريس المسفر الذي قاوم إراد ة المستعمر ورفض إغراءها مقابل التخلي عن إدارة المشروع. ولما ظهر للإدارة الاستعمارية أن المدارس الحرة اضطلعت بأدوار رائدة واعتمدت أدوات للعمل النضالي يناهض بها الوطنيون المغاربة وجودها ولغتها وأفكارها ويلقنون فيها الناشئة اللغة العربية ومبادئ وقيم الوطنية، شنت عليها حربا شعواء لا رحمة ولا هوادة فيها مست الوطنيين القائمين على شأن الإدارة و التعليم بها. الجديدة والقضايا الوطنية: وكسائر مدن المغرب، شهدت مدينة الجديدة غليانا شعبيا وحراكا مجتمعيا تصدره وتزعمه رواد الحركة الوطنية، وخرجت بالمناسبة مسيرات منددة بالظهير المشؤوم من المسجد الكبير مرددة الدعاء و»اللطيف» الذي صدحت به الحناجر في كل مساجد المغرب ومنه إلى الأزقة والشوارع. ويُسجَّل كذلك لأبناء هذه المنطقة موقفهم الشجاع إبان تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 وذلك بإرسالهم عريضة التأييد للمطالبة بالاستقلال تزكية لما جاء في بنود الوثيقة. وعلى إثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952، كثف الوطنيون بمدينة الجديدة من اجتماعاتهم واتصالاتهم السرية وتحركاتهم لتعبئة المناضلين وكل السكان من أجل إنجاح الإضراب العام الذي تمت الدعوة لتنظيمه يوم الإثنين 8 ديسمبر حيث عرف تجاوبا كثيفا ونجاحا منقطع النظير، ليتحول الإضراب في اليوم الموالي إلى هيجان شعبي موجه ضد رموز الإدارة الاستعمارية، الأمر الذي استغلته الإدارة الاستعمارية لتطلق أيدي جلاديها ضد رموز الحركة الوطنية بالجديدة الذين ذاقوا بسبب ذلك كل صنوف وألوان التعذيب والنفي والسجن والتضييق. وبعد شروع الجنرال جوان في تطبيق مخططه الجهنمي الموجه ضد ملك البلاد، عبرت ساكنة الجديدة عن وطنيتها الصادقة حيث رفض النشطاء الوطنيون من أبنائها تزكية العريضة المزيفة الهادفة إلى المس بالسيادة الوطنية رافضين التوقيع عليها معلنين تشبثهم بملكهم الشرعي. وبعد إقدام المقيم العام الجنرال كيوم على مؤامرته بنفي جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وأسرته الكريمة، شهدت منطقة الجديدة غليانا عارما. ولتأكيد دورهم في ملحمة العرش والشعب، ساهم أبناء المنطقة في تأسيس خلايا فدائية بلغ مجموعها 6 خلايا كأدنى تقدير كما كشف ذلك تقرير رئيس شرطة مازغان، شارك أعضاؤها في المنظمات والتشكيلات الرئيسية بمعية نظرائهم ورفاقهم بكل من مدينتي الدارالبيضاء والرباط، كما انضم مقاومون من هذه الربوع الأبية إلى أفراد جيش التحرير بشمال المملكة وساهموا في العمليات التي نُفذت ضد مصالح المستعمر، هذا بالإضافة إلى الدعم الذي قدمه وطنيو الجديدة للعائلات التي كانت تزور أبناءها المعتقلين بالسجن الفلاحي العدير وكما قاموا بمساعدة الكثيرين للفرار من السجن، وكذلك ساهم أبناء هذه المنطقة في المعارك التي خاضها جيش التحرير ضد الاستعمار بالصحراء وبمنطقة آيت باعمران، وهي مواضيع إلى جانب غيرها ما تزال تساءل الأكاديميين على الدارسين والباحثين للمزيد من البحث والتعمق والدراسة والتوثيق. إن تنظيم هذا الملتقى الفكري لهو مبادرة جادة من جمعية صالون مازاغان للثقافة والفن، تستحق التنويه عليه لأنه يندرج في سياق توجه المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وسعيها الحثيث لتجسير وربط علاقات تعاون وتنسيق مع منظمات وفعاليات المجتمع المدني وكافة القطاعات الحكومية وغير الحكومية في دعم البرامج الموصولة لصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والتعريف بفصول ملحمة الاستقلال وتنوير أذهان الناشئة والأجيال الجديدة بمعانيها ودلالاتها والاعتزاز بالانتماء الوطني وبالهوية المغربية عملا بالتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والعناية برموزها وأقطابها وإبراز أمجاد وملاحم الكفاح الوطني والمقاومة وجيش التحرير. وفي هذا المضمار، فالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أولت عناية خاصة لورش صيانة وتوثيق الذاكرة التاريخية الوطنية ولم تدخر جهدا في إغناء الساحة الفكرية والثقافية بمجموعة من الإصدارات والمنشورات، بالإضافة إلى إحداث شبكة من الفضاءات التربوية والتثقيفية والمتحفية للمقاومة وجيش التحرير بالعديد من ولايات وعمالات وأقاليم المملكة والبالغة 52 فضاء ومنها على وجه التحديد إقليمالجديدة الذي سيحتضن فضاءات تربوية وتثقيفية ومتحفية للمقاومة وجيش التحرير بكل من مدينة الجديدة ومدينة سيدي بنور ومدينة البئر الجديد في انتظار أن يأتي دور مدينة آزمور. وتتوخى وتتغيأ هذه الفضاءات صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والمحلية في محتواها المادي واللامادي التي تؤرخ للأطوار الخالدة وتوثق للملاحم البطولية التي خاضها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل الحرية والاستقلال، هذه الفضاءات التي تعتبر معالم تاريخية وعلمية وقيمية تساهم في تعريف الناشئة والأجيال الجديدة والمتعاقبة بمفاخر سجل تاريخنا التليد وما يختزنه تراثنا الحضاري من أمجاد ومكارم. كما عملت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على تنظيم ندوات علمية وأيام دراسية وتخليد الذكريات الوطنية وإطلاق التسميات التي لها ارتباط بملحمة الكفاح الوطني على الساحات العمومية والشوارع والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية وإقامة المعالم التذكارية ومواصلة إصدار موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير التي صدر منها 16 مجلدا موزعة على ثلاثة أجزاء بالإضافة إلى إيلاء الاهتمام والعناية اللازمين لتوثيق الذاكرة التاريخية المشتركة في بعديها القاري والعالمي، وهكذا صدر المجلد التاسع من الجزء الثاني لموسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب، وأعقبه إصدار آخر حول الذاكرة المغربية الروسية المشتركة ويجري حاليا الاشتغال على إصدار آخر يهم توثيق الذاكرة المغربية الفيتنامية المشتركة وغيرها من المبادرات المبذولة في هذا السياق ومنها الإعلان عن مباراة وطنية في كتابة قصص تاريخية حول المقاومة الوطنية موجهة للناشئة والأطفال والأجيال الجديدة، وأعتقد أن تاريخ مدينة مازاغان (الجديدة) حافل بالرموز والأعلام والأحداث التي يمكن أن تشكل مشتلا لكتابة العديد من القصص التي تعرف الأطفال بتاريخهم المحلي وتلقنهم أبجدية الاعتزاز بالانتماء الوطني والهوية المغربية وبالرصيد النضالي المحلي والوطني. إن واجب الذاكرة الوطنية يستشعر كافة الغيورين على هذا الوطن بإيلاء العناية لرصيدها وتراثها الطافح بالملاحم والبطولات والزاخر بالعبر والعظات والقيم الأخلاقية والإنسانية التي تشكل مكونا أساسيا من الرأسمال اللامادي، الروحي والمعنوي الذي هو جزء من الثروة الوطنية التي بناها وصانها وضحى من أجلها الإنسان المغربي على امتداد تاريخه وحضارته. فينبغي الاعتزاز بهذا الموروث التاريخي التليد واستقراء مضامينه ودروسه واستلهام قيمه ومثله العليا وإشاعتها في صفوف الأجيال الجديدة والمتعاقبة، أجيال اليوم والغد لتتقوى فيها الروح الوطنية وحب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني، لمواصلة مسيرات الحاضر والمستقبل من اجل بناء وإعلاء صروح مغرب الحداثة والديمقراطية والتضامن والتنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة وما ذلك علينا بعزيز و»قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم. ألقيت هذه المحاضرة بمناسبة افتتاح الأنشطة الثقافية والفكرية لجمعية صالون مازاغان للثقافة والفن، وذلك يوم السبت 11 أكتوبر 2014