يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير، بعد غد الاثنين، الذكرى 44 لاسترجاع مدينة سيدي افني إلى حظيرة الوطن واستكمال مسيرة التحرير ووحدة التراب الوطني، التي تعتبر محطة وازنة ومعلمة وضاءة في مسار كفاح الشعب المغربي من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بهذه المناسبة، بأنه في يوم 30 يونيو 1969 تم جلاء قوات الاحتلال عن هذه الأرض المكافحة التي أبلت البلاء الحسن في ملحمة الاستقلال الوطني واستكمال تحقيق الوحدة الترابية.
لقد اندلعت الانتفاضات الشعبية بالأطلس والريف وبكل جهات المملكة إثر فرض معاهدة الحماية على المغرب سنة 1912 لتؤكد مطلبها الراسخ في الحرية والاستقلال.
وكسائر مناطق المغرب، قدمت قبائل آيت باعمران الأمثلة العديدة على روحها النضالية العريقة، فمنذ بداية الأطماع الأجنبية والغزو الاستعماري، كان الباعمرانيون بالمرصاد لكل محاولات التوغل والتوسع الأجنبي، وواجهوا مخططات المحتل وخاضوا عدة معارك أبرزت أروع صور الجهاد وأصدق آيات البطولة والفداء صيانة لوحدة الوطن ودفاعا عن حوزته، واستطاع أبناء قبائل آيت باعمران أن يحققوا النصر ويصنعوا المعجزات رغم محدودية إمكانياتهم، ولقنوا المستعمر دروسا في التضحية والصبر ونكران الذات.
وقد كان لتحديات المستعمر وتطاولاته على مشاعر الباعمرانيين بمحاولة ضمهم للشعب الإسباني وإعلان "إسبانية المنطقة" الأثر الحاسم في تفجير طاقتهم لتحقيق الكرامة والنصر بالرغم من تواضع قدراتهم العسكرية قياسا بما لدى المحتل الأجنبي. وتواصلت مسيرة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية حيث تم استرجاع منطقة طرفاية سنة 1958، ولم تتوقف أشكال النضال في سبيل الوحدة، وبلغت معارك جيش التحرير شأوا كبيرا، وحققت انتصارات باهرة أبان فيها المجاهدون عن أرقى صور البطولة والشهامة والوطنية الخالصة، ولم يجد معها المحتل الإسباني بدا من التحالف مع نظيره الفرنسي لمواجهتها.
ومع ذلك ظل المغرب متمسكا بمطالبه في تحرير أراضيه، وظل أبناء الصحراء يقاومون الاحتلال الإسباني، واستطاع المغرب، من جديد، أن يحقق خطوة جبارة على درب استكمال التحرير باسترجاع مدينة سيدي افني من قبضة الإسبان في 30 يونيو 1969.
لقد كانت منطقة سيدي افني بحكم موقعها الاستراتيجي محط أطماع استعمارية وهدفا سعت قوات الاحتلال إلى تحقيقه باعتبارها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية ولطبيعة سيدي افني وأرضيتها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما، ولذلك حطت جيوش الاحتلال بكل ثقلها في المنطقة منذ سنة 1934 وعززت وجودها بكثافة متوخية منها أن تؤدي وظيفة عسكرية.
لقد خاض المغرب بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني، قدس الله روحه، حملة دبلوماسية متواصلة، واستطاع أن يجعل مطلب المغرب في استرجاع أراضيه المحتلة قضية تحظى بالأولوية في المحافل الدولية، محبطا كل المناورات لإثبات حقه، حيث تم استرجاع مدينة سيدي افني إلى حظيرة الوطن حيث قال رضوان الله عليه في خطابه عند زيارته لمدينة سيدي إفني في 18 مايو 1972 "أرجوكم أن تبلغوا تحياتنا إلى سكان الإقليم، وبهذه المناسبة أبلغ سكان المغرب قاطبة افتخاري واعتزازي وحمدي لله وتواضعي أمام جلاله لكونه أنعم علي بأن أكون ثاني الفاتحين لهذه البقعة".
ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب في استكمال واسترجاع باقي أجزائه المحتلة. وهكذا، تكللت هذه الأعمال المتواصلة بمعجزة اندهش لها العالم أجمع تمثلت في إبداع الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني لمبادرة رائدة في ملاحم التحرير عندما قرر جلالته، رحمه الله، تنظيم مسيرة شعبية سلمية استقطبت آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربي والإسلامي ومن مختلف الدول وساروا في طلائعها يوم 6 نونبر 1975، فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976، ورفرفت الراية المغربية خفاقة في سماء العيون تزف بشرى انتهاء عهد الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية وبزوغ فجر الوحدة الترابية للمغرب من الشمال إلى الجنوب.
وأكدت المندوبية السامية أن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر أرواح شهداء ملحمة الاستقلال والوحدة، وتحيي هذا المجد التاريخي بكل ما يليق به من إكبار وإجلال، لتشيد بالصفحات المشرقة لأبناء قبائل آيت باعمران البررة الذين يحق الافتخار بما قدموه للوطن من أعمال جليلة سيظل التاريخ يحفظها لهم، ومنبعا لبث الروح الوطنية الأصيلة وكسب حصانة قوية لمواجهة كل التحديات والدفاع عن مقدسات الوطن وثوابته.
وبهذه المناسبة الوطنية المجيدة، أعلنت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أنها ستنظم بعد غد الاثنين (على الساعة التاسعة والنصف صباحا) بالساحة المجاورة للفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير بسيدي افني، مهرجانا خطابيا تلقى خلاله كلمات وشهادات تستحضر الدلالات العميقة لهذه الملحمة الوطنية الخالدة، وذلك بتنسيق وتعاون مع عمالة الإقليم ومشاركة الفعاليات الجهوية والمحلية وأسرة المقاومة وجيش التحرير.
ويتضمن برنامج إحياء هذه الذكرى الوطنية المجيدة تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومنحهم هم وذوي حقوق المتوفين منهم لوحات تقديرية عربون وفاء وبرور وعرفان بمناقبهم الحميدة وأعمالهم الجليلة ومكرماتهم الماجدة في معترك المقاومة وجيش التحرير.
وسيتم كذلك توزيع حصة إقليمسيدي افني من الإعانات المالية والمساعدات الاجتماعية والإسعافات الممنوحة لأعداد من عائلات قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الجديرين بالدعم المادي والرعاية الاجتماعية.
كما سيتم توقيع اتفاقيتي تعاون وشراكة، الأولى بين النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسيدي افني والمجلس القروي لسبويا لبناء نصب تذكاري بمركز الجماعة، والثانية بين النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسيدي افني ومختبر البحث في المجتمعات الصحراوية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير في مجال صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية. وستعطى، بنفس المناسبة، انطلاقة أشغال الشطر الثاني لتوسعة الفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير بسيدي افني، وكذا وضع الحجر الأساس لبناء نصب تذكاري بمركز جماعة اسبويا.
وبمدينة تزنيت (على الساعة الرابعة عصرا من نفس اليوم)، سيتم تدشين الفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير، وتوزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات على عدد من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير من ذوي الاحتياجات المادية والاجتماعية.
ويندرج تدشين هذا الفضاء في سياق الأوراش المفتوحة لإنجاز الشبكة الوطنية للفضاءات التربوية والتثقيفية والمتحفية للمقاومة وجيش التحرير كروافد ودعامات حاضنة لرصيد الذاكرة التاريخية الوطنية.