يخلد الشعب المغربي، اليوم الأربعاء، الذكرى الواحدة والأربعين لاسترجاع سيدي إفني، الذي شكل محطة مضيئة في مسيرة كفاح الشعب المغربي، من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. وقدم أبناء منطقة آيت باعمران، المعروفون بشهامتهم وتمسكهم بمقومات ومقدسات الوطن، الأمثلة الرائعة على روحهم النضالية، ومواجهتهم للوجود الاستعماري ومقاومتهم لكل مخططاته، التي ترمي إلى طمس هويتهم، فكان الباعمرانيون بالمرصاد، منذ بداية الأطماع الأجنبية والغزو الاستعماري، لكل محاولات التوغل والتوسع، وواجهوا مخططات المحتل، وخاضوا عدة معارك جسدت أروع صور الجهاد، وأصدق آيات البطولة والفداء، صيانة لوحدة الوطن ودفاعا عن حوزته. وظل أبناء منطقة آيت باعمران في قلب المعركة التي خاضها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد حاضرين في كل المحطات النضالية ومؤثرين فيها بصمودهم وشجاعتهم وكفاحهم، سواء في هذه المنطقة أو مع إخوانهم بكل جهات المملكة. لقد كانت منطقة سيدي إفني بحكم موقعها الاستراتيجي محط أطماع استعمارية، نظرا لكونها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية ولطبيعة أرضها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما، ولذلك حطت بها جيوش الاحتلال كل ثقلها، منذ سنة 1934، وعززت وجودها بكثافة في هذه المنطقة، متوخية منها أداء وظيفة عسكرية جسدتها العديد من الثكنات. كما عملت قوات المستعمر على إضفاء وظيفة سياسية وإدارية على هذه المدينة، عندما أعلنتها "منطقة اسبانية" وجعلتها مقرا للحاكم العام، بيد أن انتفاضة قبائل آيت باعمران سنة 1957 جعلتها تغدو مجرد قوات تحت الحصار فيما يشبه ثكنة عسكرية كبرى. وتواصلت مسيرة استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية مع استرجاع منطقة طرفاية سنة 1958، ولم تتوقف أشكال النضال في سبيل الوحدة، وبلغت معارك جيش التحرير شأوا كبيرا، وحققت انتصارات باهرة، أبان فيها المجاهدون عن أرقى صور البطولة والشهامة والوطنية الخالصة، لم يجد معها الاستعمار الاسباني بدا من التحالف مع نظيره الفرنسي لمواجهتها. وظل المغرب، مع ذلك، متمسكا بمطالبه في تحرير أراضيه، وظل أبناء الصحراء يقاومون الاحتلال الإسباني، واستطاع المغرب من جديد أن يحقق خطوة جبارة على درب استكمال التحرير باسترجاع مدينة سيدي افني من قبضة الإسبان في 30 يونيو 1969. ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب في استعادة باقي أجزائه المحتلة، إذ ظل العرش والشعب في ملحمة الجهاد الأكبر إرادة واحدة موحدة تجعل قضية الوحدة الترابية أولى الأولويات، وقد جاهد جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه بكل قوة من أجل هذا الهدف السامي، وتمكن بما أوتي من حكمة وبعد نظر من إبداع المسيرة الخضراء المظفرة التي شارك فيها آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربي والاسلامي ومن مختلف الدول وساروا في طلائعها يوم 6 نونبر1975، فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976. وخاض المغرب بقيادة جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه حملة دبلوماسية متواصلة، حيث استطاع جلالته رحمة الله عليه بحنكته وعبقريته أن يجعل من مطلب المغرب في استرجاع أراضيه المحتلة قضية تحظى بالأولوية والصدارة في المحافل الدولية، محبطا كل المناورات ومكافحا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. وتحققت إرادة العرش والشعب ورفرف العلم المغربي خفاقا في سماء الأقاليم الجنوبية وتحطمت الحدود الوهمية، التي حاولت أن تفصل بين أبناء الوطن الواحد، وطمس مغربية الصحراويين، الذين قاوموا وجاهدوا عقودا وعقودا، دفاعا عن مغربيتهم، وتأكيدا لهويتهم، وتجسيدا لولائهم وبيعتهم وبيعة أجدادهم لملوك المغرب الأشاوس. وها هو المغرب اليوم بقيادة جلالة الملك محمد السادس يسير بثقة وثبات على درب البناء والتشييد وصيانة وحدته الترابية في تعبئة تامة للمغاربة، لتثبيت الوحدة الراسخة، في ظل الإجماع الوطني من طنجة إلى الكويرة للذود عن حوزة الوطن ومقدساته. واحتفاء بهذه الذكرى الوطنية المجيدة تحتضن مدينة سيدي إفني بإقليم تيزنيت برنامجا احتفاليا اليوم الأربعاء، يتضمن إقامة مهرجان خطابي تلقى خلاله كلمات تستحضر الدلالات العميقة لهذه الملحمة الوطنية الخالدة، وتكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وتوزيع مساعدات اجتماعية وإعانات مالية على عدد من المنتمين لهذه الفئة، وزيارة الفضاء الاجتماعي والثقافي والمتحفي لأسرة المقاومة وجيش التحرير وإعطاء انطلاقة أشغال تأهيليه وتوسيعه.