بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر والربيع العربي: الدوافع السياسية والمضاعفات الإقليمية

في عالم غالباً ماتشكّل فيه المفاهيم والتصوّرات تعبيراً عن السياسات، يبدو هذا الربط السلبي لقطر بالجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار ضاراً جداً. فقد قدمت قطر مساعدات إنسانية وأرسلت شحنات من المواد الغذائية والأدوية إلى المناطق التي تعاني من الصراع في شمال مالي. لكن حتى هذه الإجراءات خضعت إلى سوء التفسير والإشاعات. وفي عالم مابعد الربيع العربي، سيكون من الصعب على قطر استئناف أنشطة الوساطة التي قامت بها قبل العام 2011 أو عمليات إعادة البناء في مرحلة ما بعد النزاع، من دون أن تواجه مستويات مكثّفة من المراقبة والتدقيق.63
إعادة توجيه السياسة الخارجية
أبرز الخلاف حول جماعة الإخوان المسلمين مقاربات دول الخليج المختلفة تماماً تجاه الربيع العربي. فقد تباعدت علاقات قطر مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، بصورة حادّة. وتزعم رئيس قوة شرطة دبي، ضاحي خلفان، الهجوم على الإخوان في الإمارات. فهو ادّعى في آذار/مارس 2012 أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تخطّط ل «الاستيلاء» على ملكيات الخليج، قائلاً: «تقول مصادري إن الخطوة التالية هي جعل الحكومات الخليجية هيئات صورية فقط لاتتمتّع بحكم فعلي. ستكون البداية في الكويت في العام 2013 وفي دول الخليج الأخرى في العام 2016».64  في وقت لاحق في العام 2012، ووسط تصاعد سريع في وتيرة المظاهرات السياسية في الكويت في تشرين الأول/أكتوبر، ندّد وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بجماعة الإخوان باعتبارها «تنظيماً ينتهك سيادة وسلامة الدول»، ودعا الأسر الحاكمة في الخليج إلى التعاون في مواجهة الجماعة.65 
عندما أحرزت جماعة الإخوان مكاسب انتخابية في تونس ومصر، تصلّبت المواقف تجاهها في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وخلال العام 2012، ظهرت هذه المواقف المتباينة أيضاً في سورية، عندما دعمت المملكة العربية السعودية وقطر جماعات متنافسة من المقاتلين المتمرّدين السوريين. وقد أضعفت المعركة التي خاضتها الدوحة والرياض على النفوذ بين الإسلاميين في المنطقة مهمة البحث عن موقف خليجي موحّد بشأن القضايا الأمنية الداخلية والخارجية الكبرى. وتعرّضت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضغط متواصل، حيث أثار مسؤولون من المملكة العربية السعودية والإمارات بتحفّظ (وأحيانا بصورة علنية) مخاوف بشأن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج واحتمال حدوث رد فعل سلبي محلي في منطقة الخليج.66 
أرغمت هذه التوتّرات قطر على إعادة النظر في سياساتها. فعندما خلف الشيخ تميم والده أميراً لقطر في حزيران/يونيو 2013، بدأ على الفور بإعادة ضبط أسلوب السياسة الخارجية القطرية. وفي خطاب تنصيبه، أشار تميم إلى أن قطر ستواصل السعي إلى تحقيق أهداف سياستها الإقليمية، ولو بطريقة أكثر هدوءً وأقلّ صدامية مما كان عليه الحال في عهد حمد بن جاسم. ولم يأت تميم على ذكر سورية، لكنه أكّد على دور قطر في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد بشّر هذا الموقف بإصلاح علاقات دول مجلس التعاون الخليجي المتضرّرة، خاصة مع المملكة العربية السعودية، واستند إلى قرار سعودي - قطري تم اتخاذه في ربيع العام 2013 بتحويل القيادة الإقليمية بشأن سورية من الدوحة إلى الرياض.
حاول تميم أيضاً طمأنة الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين المتشكّكين بالقول إن قطر «لاترتبط بتيار يقف ضد الآخر»، مضيفاً «نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي أو مذهبي». كانت تلك إشارة إلى أنه، في حين تعتزم الدوحة الحفاظ على استقلاليتها في صنع السياسة الخارجية، فإنها تسعى إلى تبنّي مقاربة متعدّدة الأطراف أكثر تعاوناً وأقلّ إيديولوجية مما كان عليه الحال في الماضي.67 
بعد ذلك، استغل الأمير الجديد أول خطاب له في الشؤون الدولية، في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2013 لرسم مستقبل السياسات الإقليمية القطرية. قال تميم إن «دولة قطر تهدف إلى أن تكون مركزاً للحوار والنقاش بين الأطراف المختلفة في الصراعات لا طرفاً في هذه الصراعات»، ودعا أيضاً إلى إجراء إصلاحات هيكلية في مجلس الأمن الدولي والتعامل بصورة أفضل مع حالات الصراع.68  وبعد ثلاثة أشهر، اغتنم خالد بن محمد العطية، الذي خلف حمد بن جاسم في منصب وزير الخارجية، خطاباً حول السياسة الخارجية في لندن ليؤكد أن قطر ستظل نشطة في الوساطة الإقليمية والدبلوماسية الدولية، وإن كان من خلال تبنّي مقاربة تقوم على التنسيق بصورة أكبر مع الشركاء في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. ونوّه في كلمته أيضاً ب «العمل الصامت ولكن الفعّال الذي قامت به قطر في إطلاق سراح العديد من الرهائن» باعتباره دوراً هاماً يمكن للدوحة القيام به.69
في أعقاب تبوُّؤ تميم السلطة، توسّطت قطر في الصراعات في مصر وسورية. كان الجهد الذي قامت به صغيراً في حجمه مقارنة بما فعلته قبل العام 2011، لكنه شكّل مع ذلك محاولة لإعادة دور قطر كوسيط يُعتدّ به. في أوائل آب/أغسطس 2013، انضم وزيرا خارجية قطر والإمارات مع عضوي مجلس الشيوخ الأميركي البارزين جون ماكين وليندسي غراهام للتوصل إلى تسوية تفاوضية للمواجهة المتصاعدة بين الجيش المصري وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. قدمت المحاولة الثلاثية التي تقودها الولايات المتحدة للتوسّط في حلّ الأزمة السياسية المتفاقمة في مصر دليلاً على النهج القطري الجديد تجاه السياسة الإقليمية. وعلى الرغم من أن المبادرة فشلت، فإن محاولة الاستفادة من النفوذ القطري في مقاربة منسّقة ومتعدّدة الأطراف مع الشركاء الإقليميين والدوليين كانت تختلف كثيراً عن السعي إلى تحقيق أهداف أحادية الجانب ترتبط بالقيادة القطرية السابقة.70  في تشرين الأول/أكتوبر، شاركت قطر مرة أخرى في جهد متعدّد الأطراف إلى جانب محاورين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين للتفاوض بشأن اتفاق تبادل أسرى ثلاثي معقّد في سورية. وعلى نحو رمزي، تمت إعادة الطيارين التركيين اللذين أطلق سراحهما كجزء من الصفقة إلى تركيا على متن طائرة الخطوط الجوية القطرية في خاتمة ناجحة لعملية الوساطة التي استمرت بضعة أشهر.71
في الوقت نفسه، بدأ تميم والحكومة القطرية الجديدة باتّخاذ سلسلة من الخطوات للحدّ من التوتّرات مع الجيران. ومن الجدير بالذكر أن أول زيارة خارجية للأمير كانت إلى المملكة العربية السعودية في 2 آب/أغسطس 2013، حيث التقى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في جدة.72  في وقت لاحق من ذلك الشهر، أصبحت قطر الدولة الخليجية الأولى التي تصادق على اتفاقية الأمن الداخلي المثيرة للجدل في دول مجلس التعاون الخليجي التي وافقت عليها الدول الأعضاء الست في الرياض في العام 2012.73  في أيلول/سبتمبر، أزاحت الحكومة القطرية الجديدة حلفاء حمد بن جاسم من المناصب الرئيسة، ولاسيما داخل معقله في وزارة الخارجية.74
كان تعيين تميم للشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئيساً للوزراء، مؤشراً على تغيير التوجّه العام في السياسة الداخلية. وعلى غرار سلفه رئيس الوزراء حمد بن جاسم، عُهِدَ إلى الشيخ عبد الله بمنصب ثانٍ، غير أنه أعطي وزارة الداخلية بدلاً من وزارة الخارجية.
التركيز على السياسة الداخلية أمر منطقي بالنسبة إلى حكومة قطر، لأن الإنفاق العالي والتغيّر في أسواق الطاقة يمثلان تحدّيين مباشرين في المديين القصير والمتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة التصدّي إلى استمرار ارتفاع معدلات الهجرة إلى الداخل، وارتفاع تكاليف المعيشة في الدوحة، والضغوط الإضافية التي ستفرضها الاستعدادات لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 على أنظمة الرعاية الصحية وإمدادات المياه وشبكة النقل المنهكة في البلاد.75
بيد أن هذا لايعني أن كل شيء على مايرام على جبهة السياسة الخارجية. إذ كانت التطورات في مصر في الأسابيع والأشهر التي أعقبت انقلاب تموز/يوليو 2013 ضد الرئيس آنذاك محمد مرسي، تشير إلى حجم التحدّي الذي يواجه القيادة القطرية الجديدة وهي تحاول ترميم صورة البلاد. فقد تمّت إطاحة حكومة جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة بعد أسبوع فقط من تغيير الأمير في الدوحة، الأمر الذي كان يتطلّب من الزعيم الجديد أن ينأى بنفسه على الفور عن سياسات سلفه المثيرة للجدل. لم تأت رسالة التهنئة التي بعث بها الأمير إلى الحكومة المصرية المؤقّتة على ذكر الرئيس المصري المخلوع المدعوم من الإخوان المسلمين، وهو ماشكّل محاولة لإنقاذ الهيبة القطرية في أعقاب حدوث تحوّل جذري في علاقات القوة الإقليمية. بدل ذلك، أشاد الأمير الجديد بالجيش ل»دفاعه عن مصر ومصالحها الوطنية»، وأكّد أن قطر دعمت دائماً الشعب المصري وليس جماعة بعينها.76  ومع ذلك، وبعد أن دعمت حكومة مرسي بمساعدة مالية سخية، تم استبعاد قطر من المساهمة في حزمة المساعدات البالغة 12 مليار دولار التي سارعت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات إلى تقديمها إلى الحكومة المؤقتة التي يهيمن عليها الجيش.77
السرعة التي أيّد بها جيران قطر في مجلس التعاون الخليجي استعادة الحكم العسكري في مصر بدعم مباشر للميزانية وشحنات من المنتجات النفطية وكميات كبيرة من المساعدات الثنائية، كانت معبّرة ومفعمة بالمعاني. فبعد أن نجحت، إلى حدّ كبير، في احتواء الاضطرابات السياسية في الداخل، سارعت بلدان الخليج المحافظة إلى نشر هباتها المالية ودعمها السياسي في مصر. وبما أن إسقاط حكومة الإخوان المسلمين في القاهرة كان يشير بالفعل إلى نهاية الربيع العربي - على الأقل في مرحلته الأولية ? فقد سارع المسؤولون السعوديون والإماراتيون إلى التحرك بهدف اغتنام المبادرة الإقليمية بمعزل عن قطر.78 
تضاعفت حالات إجبار قطر على التقهقر والتراجع، سواء عبر الانتقام المباشر من تصرّفات الدوحة في مصر أو كجزء من عزوف أكثر عمومية عن تفسير قرينة الشك في مصلحة السياسات القطرية الجديدة. في آذار/مارس 2014، سحبت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة باسم «الأمن والاستقرار»، واتّهمت قطر بانتهاك اتفاقية أمنية أخرى لدول مجلس التعاون الخليجي تم توقيعها في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وكانت تستهدف قطر مباشرة وتنصّ على «عدم التدخّل «في» الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى». كانت تلك القرارات أخطر وأبرز مظاهر التوتّر الذي يحتدم تحت سطح السياسة الخليجية.79  عكس القرار مشاعر الغضب العميقة والمستمرة في الرياض وأبو ظبي إزاء سياسات قطر الخاصة بالربيع العربي. وعليه فهذا هو الإرث التي يواجه الأمير تميم وفريقه الجديد في مجال السياسة الخارجية وهم يسعون لإعادة بناء العلاقات الإقليمية المتضرّرة واستعادة ثقة الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي.80 
مامن شكّ في أنه تم تسويغ الاتفاقية الأمنية الموقعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 والغضب السعودي والبحريني والإماراتي الذي يعتمل تجاه الدوحة كدليل على أن قطر استمرت في تقديم شكل من أشكال المساعدة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حتى بعد الانقلاب. في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2013، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن قيادة للإخوان المسلمين في المنفى «بدأت في التبلور وسط الأبنية الشاهقة المتلألئة في الدوحة.» وعلاوة على ذلك، زعمت «واشنطن بوست أنه كانت تتم استضافة العديد من الإخوان المنفيين على حساب قناة الجزيرة في فنادق الدوحة، مضيفة أنه «ربما يجري في أجنحة وردهات تلك الفنادق رسم مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبصورة أعمّ، استراتيجية وإيديولوجية الإسلام السياسي في البلاد».81 في اجتماع ثلاثي تم ترتيبه على عجل بين قادة قطر والسعودية والكويت في الرياض في وقت لاحق من ذلك الشهر، أشارت تقارير إعلامية خليجية إلى أن تميم «أبلغ بضرورة تغيير أساليب قطر وجعل سياساتها متسقة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية. وألمحت التقارير أيضاً، بصورة معبّرة، إلى أن تميم كان قد وقّع على تعهّد بالامتثال وطلب مهلة ستة أشهر للقيام بذلك، مشيرة إلى ضرورة التخلّص من «العراقيل التي تضعها فلول النظام السابق».82 
أشار تصريح صدر في نيسان/أبريل 2014 عن وزير الخارجية العماني إلى أن الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي قد تمت تسويته داخلياً، وأن قطر ستقوم بترحيل حوالي خمسة عشر مواطناً خليجياً يزعم أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، ستصبح قناة الجزيرة أقلّ شراسة في تغطيتها للأحداث الإقليمية وتكفّ عن الإشارة إلى استيلاء الجيش على السلطة في تموز/يوليو 2013 في مصر على أنه انقلاب.83  ومع ذلك، استمرت التوتّرات، كما استمرت التلميحات السعودية و(خاصة) الإماراتية إلى أن قطر لم تلتزم ببنود اتفاقية الرياض الأمنية.
ومع ذلك، سوف يثبت أن أي آمال قد يعقدها المسؤولون الإقليميون على احتمال أن يصدر القادة الجدد في قطر نوعاً من الاعتراف بالخطأ أو بدء نقاش حكومي حول السياسة تجاه جماعة الإخوان، لم تكن في محلها. وتمشّياً مع الطبيعة المغلقة لعملية صنع السياسات في الدوحة (كما في أماكن أخرى في الخليج)، سيتم اتخاذ القرارات من دون ضجيج، بحيث تكون الأفعال أبلغ من الأقوال. وقد يفضي هذا إلى مزيد من التوتّر مع جيران قطر إذا ما شعروا أنه كان بإمكان الدوحة، أو ينبغي عليها، أن تفعل المزيد لإعادة توجيه سياساتها علناً في بيئة إقليمية متغيّرة.
الخاتمة
في الأيام الأولى من الربيع العربي، مارست قطر زعامة إقليمية غير مسبوقة، وبدأت في البروز كطرف فاعل مبتكر وجديد على الساحة الدولية. وعلى نحو فريد بين الدول في العالم العربي، نظر المسؤولون في الدوحة إلى الاضطرابات الجارية في شمال أفريقيا وبلاد الشام باعتبارها فرصة يجب اغتنامها لاتحدّياً يجب الخوف منه.
خلال الربيع العربي، ابتعدت السياسة القطرية عن دور الوسيط النزيه الذي ميّز نهجها قبل العام 2011، لتصبح أكثر اهتماماً بالتدخّل ومرتبطة باختيار الفائزين في الدول التي تمرّ بمرحلة انتقالية في شمال أفريقيا وبلاد الشام. ففي مصر وسورية، على وجه الخصوص، أصبح دعم قطر المحسوس للإخوان المسلمين مثيراً للجدل على نحو متزايد بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية التي كانت تنظر بعين الشكّ إلى إيديولوجية الجماعة وأهدافها. وقد تسبّب نهجها في حدوث توتّرات مع نظرائها من دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
كما أضعفت تدخّلات قطر في الربيع العربي، إلى حدّ كبير، سمعة البلاد على صعيد النزاهة. وأدّت الشكوك الناجمة عن ذلك تجاه الدوافع القطرية إلى زيادة تآكل احتياطيات القوة الناعمة التي شكلت القوة الدافعة وراء صعود قطر كقوة إقليمية لها امتداداتها الدولية قبل العام 2011. وفي الوقت الذي تولّى الأمير تميم السلطة في عملية تسليم تمت إدارتها بعناية في حزيران/يونيو 2013، لم يكن هناك سوى القليل من جيران قطر الإقليميين مستعدين لتفسير قرينة الشك في مصلحة البلاد في سورية أو مصر أو أي مكان آخر.
على الرغم من البداية الصاخبة للعام 2014، ومع اقتراب العام الأول المليء بالتحدّيات من نهايته بالنسبة إلى القيادة الجديدة، ألمح تطوّران اثنان إلى عودة دور قطر كطرف محاور في تسهيل الاتصال غير المباشر بين الأطراف المتباعدة. أشارت الحالتان إلى أن المسؤولين القطريين بدأوا بالعودة إلى الأصول وباتوا يعطون الأولوية لمقاربة أكثر هدوءً وتحفّظاً تجاه الوساطة بعيدة كل البعد عن جعجعة مغامرات أسلافهم الملفتة للأنظار في الساحة الإقليمية.
تمثّل التطور الأول في مشاركة قطر في ترتيب صفقة تبادل الأسرى التي تم فيها إطلاق خمسة من سجناء طالبان ووضعهم في عهدة قطر، في مقابل الإفراج عن الرقيب في الجيش الأميركي باوي بيرغدال. وكانت قطر قدّمت نفسها منذ فترة طويلة بصفتها وسيطاً محتملاً بين الحكومة الأفغانية وبين حركة طالبان، على الرغم من أن محاولة لتسهيل الحوار جرت في حزيران/يونيو 2013 كانت قصيرة الأجل وفاشلة في نهاية المطاف. حدث الاختراق في أواخر أيار/مايو 2014 بعد أشهر من التحضير المضني الذي، على حدّ تعبير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، «يجسّد مدى أهمية شراكتنا مع قطر، هذه الشراكة التي ستبقى».84  وقد أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما وزعيم طالبان الملا عمر بياناً يشكران فيه علناً أمير تميم على المساعدة التي قدمها في التوسّط للتوصّل إلى الاتفاق. وتكمن الميزة النسبية لقطر على صعيد الوساطة في قدرتها على العمل كوسيط في المفاوضات غير المباشرة، وكونها قناة اتصال خلفية بين الأعداء الألدّاء وتحقيق التوازن في العلاقات مع مجموعة واسعة من الخصوم المتعادين.
ثمّة أنماط مماثلة تبدو واضحة في تطوّر آخر جدير بالملاحظة، يتمثّل في بحث قطر عن حلّ عن طريق الوساطة للعنف المتصاعد في غزة. فقد نشطت الدوحة في المحاولات الإقليمية لتأمين وقف لإطلاق النار بين إسرائيل، التي حافظت على علاقات تجارية متميّزة معها، وحركة حماس التي استقرّ زعيمها خالد مشعل في الدوحة منذ فترة طويلة. خلال حرب غزة التي اندلعت في تموز/يوليو 2014، شارك تميم والعطية بنشاط في الدبلوماسية المكّوكية. وكان من بين زوار قطر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يعتقد أنه اجتمع مع مشعل زعيم حماس أثناء وجوده في الدوحة، في حين عقد العطية مشاورات ثلاثية مكثّفة مع داود أوغلو وكيري في باريس. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد القول إنه في مرحلة ما، اتصل كيري هاتفياً بالعطية وطلب من الدوحة استخدام نفوذها للتوسّط لدى حماس.85  وهذا يوضح كيف يمكن لقطر أن تلعب دوراً إيجابياً من خلال نقل الرسائل بين حماس وبين المجتمع الدولي وتسهيل تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف المتنازعة.
إذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لايرغبون في القيام به.
قد يستغرق الأمر سنوات كي تستعيد قطر تماماً قدراً من الثقة بين الشركاء الإقليميين، بيد أن الطريق يبدو مفتوحاً أمام المسؤولين القطريين لبدء إعادة بناء سمعة بلدهم كوسيط قادر على سدّ الفجوات. وبما أن الأحداث في معظم أنحاء العالم العربي أصبحت أكثر تقلّباً ولايمكن التنبؤ بها، فإن في وسع صنّاع السياسة الأميركيين، على وجه الخصوص، العمل مع قطر للحفاظ على خيارات للاتصال عبر القنوات الخلفية، وحتى عبر دبلوماسية المسار الثاني (البديل) للحدّ من التوتر وعدم اليقين، إذا ومتى سنحت الفرصة.
وإذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لايرغبون في القيام به. وبالنظر إلى أن ضجّة إعلامية رافقت النجاحات التي تحققت في مجال الوساطة في ظل القيادة السابقة وشكّلت جزءاً من الجهود القوية لتمييز الدولة ووضع قطر على الساحة الدولية، فإن القيام بدور منفصل قد لايكون مستساغاً، على الرغم من أنه يوفر مساراً أكثر استدامة على المدى الطويل. لكن النهج المتحفظ الذي ميّز حالتي باوي بيرغدال وغزة قد يشير إلى أن القادة القطريين، على أقلّ تقدير، قد استوعبوا دروس الربيع العربي، وأعادوا تقويم سياستهم وفقاً لذلك.
عن مركز (كارينجي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.