فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    توقيف شخص بتهمة الوشاية الكاذبة حول جريمة قتل وهمية    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بانتصار دراماتيكي على ريال مدريد    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    مراكش… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بإلحاق خسارة مادية بممتلكات خاصة وحيازة سلاح أبيض في ظروف تشكل خطرا على المواطنين.    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر والربيع العربي: الدوافع السياسية والمضاعفات الإقليمية

في عالم غالباً ماتشكّل فيه المفاهيم والتصوّرات تعبيراً عن السياسات، يبدو هذا الربط السلبي لقطر بالجهات الفاعلة المزعزعة للاستقرار ضاراً جداً. فقد قدمت قطر مساعدات إنسانية وأرسلت شحنات من المواد الغذائية والأدوية إلى المناطق التي تعاني من الصراع في شمال مالي. لكن حتى هذه الإجراءات خضعت إلى سوء التفسير والإشاعات. وفي عالم مابعد الربيع العربي، سيكون من الصعب على قطر استئناف أنشطة الوساطة التي قامت بها قبل العام 2011 أو عمليات إعادة البناء في مرحلة ما بعد النزاع، من دون أن تواجه مستويات مكثّفة من المراقبة والتدقيق.63
إعادة توجيه السياسة الخارجية
أبرز الخلاف حول جماعة الإخوان المسلمين مقاربات دول الخليج المختلفة تماماً تجاه الربيع العربي. فقد تباعدت علاقات قطر مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، بصورة حادّة. وتزعم رئيس قوة شرطة دبي، ضاحي خلفان، الهجوم على الإخوان في الإمارات. فهو ادّعى في آذار/مارس 2012 أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تخطّط ل «الاستيلاء» على ملكيات الخليج، قائلاً: «تقول مصادري إن الخطوة التالية هي جعل الحكومات الخليجية هيئات صورية فقط لاتتمتّع بحكم فعلي. ستكون البداية في الكويت في العام 2013 وفي دول الخليج الأخرى في العام 2016».64  في وقت لاحق في العام 2012، ووسط تصاعد سريع في وتيرة المظاهرات السياسية في الكويت في تشرين الأول/أكتوبر، ندّد وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بجماعة الإخوان باعتبارها «تنظيماً ينتهك سيادة وسلامة الدول»، ودعا الأسر الحاكمة في الخليج إلى التعاون في مواجهة الجماعة.65 
عندما أحرزت جماعة الإخوان مكاسب انتخابية في تونس ومصر، تصلّبت المواقف تجاهها في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وخلال العام 2012، ظهرت هذه المواقف المتباينة أيضاً في سورية، عندما دعمت المملكة العربية السعودية وقطر جماعات متنافسة من المقاتلين المتمرّدين السوريين. وقد أضعفت المعركة التي خاضتها الدوحة والرياض على النفوذ بين الإسلاميين في المنطقة مهمة البحث عن موقف خليجي موحّد بشأن القضايا الأمنية الداخلية والخارجية الكبرى. وتعرّضت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضغط متواصل، حيث أثار مسؤولون من المملكة العربية السعودية والإمارات بتحفّظ (وأحيانا بصورة علنية) مخاوف بشأن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج واحتمال حدوث رد فعل سلبي محلي في منطقة الخليج.66 
أرغمت هذه التوتّرات قطر على إعادة النظر في سياساتها. فعندما خلف الشيخ تميم والده أميراً لقطر في حزيران/يونيو 2013، بدأ على الفور بإعادة ضبط أسلوب السياسة الخارجية القطرية. وفي خطاب تنصيبه، أشار تميم إلى أن قطر ستواصل السعي إلى تحقيق أهداف سياستها الإقليمية، ولو بطريقة أكثر هدوءً وأقلّ صدامية مما كان عليه الحال في عهد حمد بن جاسم. ولم يأت تميم على ذكر سورية، لكنه أكّد على دور قطر في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد بشّر هذا الموقف بإصلاح علاقات دول مجلس التعاون الخليجي المتضرّرة، خاصة مع المملكة العربية السعودية، واستند إلى قرار سعودي - قطري تم اتخاذه في ربيع العام 2013 بتحويل القيادة الإقليمية بشأن سورية من الدوحة إلى الرياض.
حاول تميم أيضاً طمأنة الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين المتشكّكين بالقول إن قطر «لاترتبط بتيار يقف ضد الآخر»، مضيفاً «نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي أو مذهبي». كانت تلك إشارة إلى أنه، في حين تعتزم الدوحة الحفاظ على استقلاليتها في صنع السياسة الخارجية، فإنها تسعى إلى تبنّي مقاربة متعدّدة الأطراف أكثر تعاوناً وأقلّ إيديولوجية مما كان عليه الحال في الماضي.67 
بعد ذلك، استغل الأمير الجديد أول خطاب له في الشؤون الدولية، في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2013 لرسم مستقبل السياسات الإقليمية القطرية. قال تميم إن «دولة قطر تهدف إلى أن تكون مركزاً للحوار والنقاش بين الأطراف المختلفة في الصراعات لا طرفاً في هذه الصراعات»، ودعا أيضاً إلى إجراء إصلاحات هيكلية في مجلس الأمن الدولي والتعامل بصورة أفضل مع حالات الصراع.68  وبعد ثلاثة أشهر، اغتنم خالد بن محمد العطية، الذي خلف حمد بن جاسم في منصب وزير الخارجية، خطاباً حول السياسة الخارجية في لندن ليؤكد أن قطر ستظل نشطة في الوساطة الإقليمية والدبلوماسية الدولية، وإن كان من خلال تبنّي مقاربة تقوم على التنسيق بصورة أكبر مع الشركاء في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. ونوّه في كلمته أيضاً ب «العمل الصامت ولكن الفعّال الذي قامت به قطر في إطلاق سراح العديد من الرهائن» باعتباره دوراً هاماً يمكن للدوحة القيام به.69
في أعقاب تبوُّؤ تميم السلطة، توسّطت قطر في الصراعات في مصر وسورية. كان الجهد الذي قامت به صغيراً في حجمه مقارنة بما فعلته قبل العام 2011، لكنه شكّل مع ذلك محاولة لإعادة دور قطر كوسيط يُعتدّ به. في أوائل آب/أغسطس 2013، انضم وزيرا خارجية قطر والإمارات مع عضوي مجلس الشيوخ الأميركي البارزين جون ماكين وليندسي غراهام للتوصل إلى تسوية تفاوضية للمواجهة المتصاعدة بين الجيش المصري وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. قدمت المحاولة الثلاثية التي تقودها الولايات المتحدة للتوسّط في حلّ الأزمة السياسية المتفاقمة في مصر دليلاً على النهج القطري الجديد تجاه السياسة الإقليمية. وعلى الرغم من أن المبادرة فشلت، فإن محاولة الاستفادة من النفوذ القطري في مقاربة منسّقة ومتعدّدة الأطراف مع الشركاء الإقليميين والدوليين كانت تختلف كثيراً عن السعي إلى تحقيق أهداف أحادية الجانب ترتبط بالقيادة القطرية السابقة.70  في تشرين الأول/أكتوبر، شاركت قطر مرة أخرى في جهد متعدّد الأطراف إلى جانب محاورين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين للتفاوض بشأن اتفاق تبادل أسرى ثلاثي معقّد في سورية. وعلى نحو رمزي، تمت إعادة الطيارين التركيين اللذين أطلق سراحهما كجزء من الصفقة إلى تركيا على متن طائرة الخطوط الجوية القطرية في خاتمة ناجحة لعملية الوساطة التي استمرت بضعة أشهر.71
في الوقت نفسه، بدأ تميم والحكومة القطرية الجديدة باتّخاذ سلسلة من الخطوات للحدّ من التوتّرات مع الجيران. ومن الجدير بالذكر أن أول زيارة خارجية للأمير كانت إلى المملكة العربية السعودية في 2 آب/أغسطس 2013، حيث التقى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في جدة.72  في وقت لاحق من ذلك الشهر، أصبحت قطر الدولة الخليجية الأولى التي تصادق على اتفاقية الأمن الداخلي المثيرة للجدل في دول مجلس التعاون الخليجي التي وافقت عليها الدول الأعضاء الست في الرياض في العام 2012.73  في أيلول/سبتمبر، أزاحت الحكومة القطرية الجديدة حلفاء حمد بن جاسم من المناصب الرئيسة، ولاسيما داخل معقله في وزارة الخارجية.74
كان تعيين تميم للشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئيساً للوزراء، مؤشراً على تغيير التوجّه العام في السياسة الداخلية. وعلى غرار سلفه رئيس الوزراء حمد بن جاسم، عُهِدَ إلى الشيخ عبد الله بمنصب ثانٍ، غير أنه أعطي وزارة الداخلية بدلاً من وزارة الخارجية.
التركيز على السياسة الداخلية أمر منطقي بالنسبة إلى حكومة قطر، لأن الإنفاق العالي والتغيّر في أسواق الطاقة يمثلان تحدّيين مباشرين في المديين القصير والمتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة التصدّي إلى استمرار ارتفاع معدلات الهجرة إلى الداخل، وارتفاع تكاليف المعيشة في الدوحة، والضغوط الإضافية التي ستفرضها الاستعدادات لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 على أنظمة الرعاية الصحية وإمدادات المياه وشبكة النقل المنهكة في البلاد.75
بيد أن هذا لايعني أن كل شيء على مايرام على جبهة السياسة الخارجية. إذ كانت التطورات في مصر في الأسابيع والأشهر التي أعقبت انقلاب تموز/يوليو 2013 ضد الرئيس آنذاك محمد مرسي، تشير إلى حجم التحدّي الذي يواجه القيادة القطرية الجديدة وهي تحاول ترميم صورة البلاد. فقد تمّت إطاحة حكومة جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة بعد أسبوع فقط من تغيير الأمير في الدوحة، الأمر الذي كان يتطلّب من الزعيم الجديد أن ينأى بنفسه على الفور عن سياسات سلفه المثيرة للجدل. لم تأت رسالة التهنئة التي بعث بها الأمير إلى الحكومة المصرية المؤقّتة على ذكر الرئيس المصري المخلوع المدعوم من الإخوان المسلمين، وهو ماشكّل محاولة لإنقاذ الهيبة القطرية في أعقاب حدوث تحوّل جذري في علاقات القوة الإقليمية. بدل ذلك، أشاد الأمير الجديد بالجيش ل»دفاعه عن مصر ومصالحها الوطنية»، وأكّد أن قطر دعمت دائماً الشعب المصري وليس جماعة بعينها.76  ومع ذلك، وبعد أن دعمت حكومة مرسي بمساعدة مالية سخية، تم استبعاد قطر من المساهمة في حزمة المساعدات البالغة 12 مليار دولار التي سارعت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات إلى تقديمها إلى الحكومة المؤقتة التي يهيمن عليها الجيش.77
السرعة التي أيّد بها جيران قطر في مجلس التعاون الخليجي استعادة الحكم العسكري في مصر بدعم مباشر للميزانية وشحنات من المنتجات النفطية وكميات كبيرة من المساعدات الثنائية، كانت معبّرة ومفعمة بالمعاني. فبعد أن نجحت، إلى حدّ كبير، في احتواء الاضطرابات السياسية في الداخل، سارعت بلدان الخليج المحافظة إلى نشر هباتها المالية ودعمها السياسي في مصر. وبما أن إسقاط حكومة الإخوان المسلمين في القاهرة كان يشير بالفعل إلى نهاية الربيع العربي - على الأقل في مرحلته الأولية ? فقد سارع المسؤولون السعوديون والإماراتيون إلى التحرك بهدف اغتنام المبادرة الإقليمية بمعزل عن قطر.78 
تضاعفت حالات إجبار قطر على التقهقر والتراجع، سواء عبر الانتقام المباشر من تصرّفات الدوحة في مصر أو كجزء من عزوف أكثر عمومية عن تفسير قرينة الشك في مصلحة السياسات القطرية الجديدة. في آذار/مارس 2014، سحبت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة باسم «الأمن والاستقرار»، واتّهمت قطر بانتهاك اتفاقية أمنية أخرى لدول مجلس التعاون الخليجي تم توقيعها في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وكانت تستهدف قطر مباشرة وتنصّ على «عدم التدخّل «في» الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى». كانت تلك القرارات أخطر وأبرز مظاهر التوتّر الذي يحتدم تحت سطح السياسة الخليجية.79  عكس القرار مشاعر الغضب العميقة والمستمرة في الرياض وأبو ظبي إزاء سياسات قطر الخاصة بالربيع العربي. وعليه فهذا هو الإرث التي يواجه الأمير تميم وفريقه الجديد في مجال السياسة الخارجية وهم يسعون لإعادة بناء العلاقات الإقليمية المتضرّرة واستعادة ثقة الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي.80 
مامن شكّ في أنه تم تسويغ الاتفاقية الأمنية الموقعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 والغضب السعودي والبحريني والإماراتي الذي يعتمل تجاه الدوحة كدليل على أن قطر استمرت في تقديم شكل من أشكال المساعدة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حتى بعد الانقلاب. في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2013، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن قيادة للإخوان المسلمين في المنفى «بدأت في التبلور وسط الأبنية الشاهقة المتلألئة في الدوحة.» وعلاوة على ذلك، زعمت «واشنطن بوست أنه كانت تتم استضافة العديد من الإخوان المنفيين على حساب قناة الجزيرة في فنادق الدوحة، مضيفة أنه «ربما يجري في أجنحة وردهات تلك الفنادق رسم مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبصورة أعمّ، استراتيجية وإيديولوجية الإسلام السياسي في البلاد».81 في اجتماع ثلاثي تم ترتيبه على عجل بين قادة قطر والسعودية والكويت في الرياض في وقت لاحق من ذلك الشهر، أشارت تقارير إعلامية خليجية إلى أن تميم «أبلغ بضرورة تغيير أساليب قطر وجعل سياساتها متسقة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية. وألمحت التقارير أيضاً، بصورة معبّرة، إلى أن تميم كان قد وقّع على تعهّد بالامتثال وطلب مهلة ستة أشهر للقيام بذلك، مشيرة إلى ضرورة التخلّص من «العراقيل التي تضعها فلول النظام السابق».82 
أشار تصريح صدر في نيسان/أبريل 2014 عن وزير الخارجية العماني إلى أن الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي قد تمت تسويته داخلياً، وأن قطر ستقوم بترحيل حوالي خمسة عشر مواطناً خليجياً يزعم أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، ستصبح قناة الجزيرة أقلّ شراسة في تغطيتها للأحداث الإقليمية وتكفّ عن الإشارة إلى استيلاء الجيش على السلطة في تموز/يوليو 2013 في مصر على أنه انقلاب.83  ومع ذلك، استمرت التوتّرات، كما استمرت التلميحات السعودية و(خاصة) الإماراتية إلى أن قطر لم تلتزم ببنود اتفاقية الرياض الأمنية.
ومع ذلك، سوف يثبت أن أي آمال قد يعقدها المسؤولون الإقليميون على احتمال أن يصدر القادة الجدد في قطر نوعاً من الاعتراف بالخطأ أو بدء نقاش حكومي حول السياسة تجاه جماعة الإخوان، لم تكن في محلها. وتمشّياً مع الطبيعة المغلقة لعملية صنع السياسات في الدوحة (كما في أماكن أخرى في الخليج)، سيتم اتخاذ القرارات من دون ضجيج، بحيث تكون الأفعال أبلغ من الأقوال. وقد يفضي هذا إلى مزيد من التوتّر مع جيران قطر إذا ما شعروا أنه كان بإمكان الدوحة، أو ينبغي عليها، أن تفعل المزيد لإعادة توجيه سياساتها علناً في بيئة إقليمية متغيّرة.
الخاتمة
في الأيام الأولى من الربيع العربي، مارست قطر زعامة إقليمية غير مسبوقة، وبدأت في البروز كطرف فاعل مبتكر وجديد على الساحة الدولية. وعلى نحو فريد بين الدول في العالم العربي، نظر المسؤولون في الدوحة إلى الاضطرابات الجارية في شمال أفريقيا وبلاد الشام باعتبارها فرصة يجب اغتنامها لاتحدّياً يجب الخوف منه.
خلال الربيع العربي، ابتعدت السياسة القطرية عن دور الوسيط النزيه الذي ميّز نهجها قبل العام 2011، لتصبح أكثر اهتماماً بالتدخّل ومرتبطة باختيار الفائزين في الدول التي تمرّ بمرحلة انتقالية في شمال أفريقيا وبلاد الشام. ففي مصر وسورية، على وجه الخصوص، أصبح دعم قطر المحسوس للإخوان المسلمين مثيراً للجدل على نحو متزايد بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية التي كانت تنظر بعين الشكّ إلى إيديولوجية الجماعة وأهدافها. وقد تسبّب نهجها في حدوث توتّرات مع نظرائها من دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
كما أضعفت تدخّلات قطر في الربيع العربي، إلى حدّ كبير، سمعة البلاد على صعيد النزاهة. وأدّت الشكوك الناجمة عن ذلك تجاه الدوافع القطرية إلى زيادة تآكل احتياطيات القوة الناعمة التي شكلت القوة الدافعة وراء صعود قطر كقوة إقليمية لها امتداداتها الدولية قبل العام 2011. وفي الوقت الذي تولّى الأمير تميم السلطة في عملية تسليم تمت إدارتها بعناية في حزيران/يونيو 2013، لم يكن هناك سوى القليل من جيران قطر الإقليميين مستعدين لتفسير قرينة الشك في مصلحة البلاد في سورية أو مصر أو أي مكان آخر.
على الرغم من البداية الصاخبة للعام 2014، ومع اقتراب العام الأول المليء بالتحدّيات من نهايته بالنسبة إلى القيادة الجديدة، ألمح تطوّران اثنان إلى عودة دور قطر كطرف محاور في تسهيل الاتصال غير المباشر بين الأطراف المتباعدة. أشارت الحالتان إلى أن المسؤولين القطريين بدأوا بالعودة إلى الأصول وباتوا يعطون الأولوية لمقاربة أكثر هدوءً وتحفّظاً تجاه الوساطة بعيدة كل البعد عن جعجعة مغامرات أسلافهم الملفتة للأنظار في الساحة الإقليمية.
تمثّل التطور الأول في مشاركة قطر في ترتيب صفقة تبادل الأسرى التي تم فيها إطلاق خمسة من سجناء طالبان ووضعهم في عهدة قطر، في مقابل الإفراج عن الرقيب في الجيش الأميركي باوي بيرغدال. وكانت قطر قدّمت نفسها منذ فترة طويلة بصفتها وسيطاً محتملاً بين الحكومة الأفغانية وبين حركة طالبان، على الرغم من أن محاولة لتسهيل الحوار جرت في حزيران/يونيو 2013 كانت قصيرة الأجل وفاشلة في نهاية المطاف. حدث الاختراق في أواخر أيار/مايو 2014 بعد أشهر من التحضير المضني الذي، على حدّ تعبير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، «يجسّد مدى أهمية شراكتنا مع قطر، هذه الشراكة التي ستبقى».84  وقد أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما وزعيم طالبان الملا عمر بياناً يشكران فيه علناً أمير تميم على المساعدة التي قدمها في التوسّط للتوصّل إلى الاتفاق. وتكمن الميزة النسبية لقطر على صعيد الوساطة في قدرتها على العمل كوسيط في المفاوضات غير المباشرة، وكونها قناة اتصال خلفية بين الأعداء الألدّاء وتحقيق التوازن في العلاقات مع مجموعة واسعة من الخصوم المتعادين.
ثمّة أنماط مماثلة تبدو واضحة في تطوّر آخر جدير بالملاحظة، يتمثّل في بحث قطر عن حلّ عن طريق الوساطة للعنف المتصاعد في غزة. فقد نشطت الدوحة في المحاولات الإقليمية لتأمين وقف لإطلاق النار بين إسرائيل، التي حافظت على علاقات تجارية متميّزة معها، وحركة حماس التي استقرّ زعيمها خالد مشعل في الدوحة منذ فترة طويلة. خلال حرب غزة التي اندلعت في تموز/يوليو 2014، شارك تميم والعطية بنشاط في الدبلوماسية المكّوكية. وكان من بين زوار قطر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يعتقد أنه اجتمع مع مشعل زعيم حماس أثناء وجوده في الدوحة، في حين عقد العطية مشاورات ثلاثية مكثّفة مع داود أوغلو وكيري في باريس. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد القول إنه في مرحلة ما، اتصل كيري هاتفياً بالعطية وطلب من الدوحة استخدام نفوذها للتوسّط لدى حماس.85  وهذا يوضح كيف يمكن لقطر أن تلعب دوراً إيجابياً من خلال نقل الرسائل بين حماس وبين المجتمع الدولي وتسهيل تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف المتنازعة.
إذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لايرغبون في القيام به.
قد يستغرق الأمر سنوات كي تستعيد قطر تماماً قدراً من الثقة بين الشركاء الإقليميين، بيد أن الطريق يبدو مفتوحاً أمام المسؤولين القطريين لبدء إعادة بناء سمعة بلدهم كوسيط قادر على سدّ الفجوات. وبما أن الأحداث في معظم أنحاء العالم العربي أصبحت أكثر تقلّباً ولايمكن التنبؤ بها، فإن في وسع صنّاع السياسة الأميركيين، على وجه الخصوص، العمل مع قطر للحفاظ على خيارات للاتصال عبر القنوات الخلفية، وحتى عبر دبلوماسية المسار الثاني (البديل) للحدّ من التوتر وعدم اليقين، إذا ومتى سنحت الفرصة.
وإذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لايرغبون في القيام به. وبالنظر إلى أن ضجّة إعلامية رافقت النجاحات التي تحققت في مجال الوساطة في ظل القيادة السابقة وشكّلت جزءاً من الجهود القوية لتمييز الدولة ووضع قطر على الساحة الدولية، فإن القيام بدور منفصل قد لايكون مستساغاً، على الرغم من أنه يوفر مساراً أكثر استدامة على المدى الطويل. لكن النهج المتحفظ الذي ميّز حالتي باوي بيرغدال وغزة قد يشير إلى أن القادة القطريين، على أقلّ تقدير، قد استوعبوا دروس الربيع العربي، وأعادوا تقويم سياستهم وفقاً لذلك.
عن مركز (كارينجي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.