كانت شفشاون ليلة الجمعة 20 أبريل مع موعد خاص واستثنائي أثثته القصيدة، القصيدة التي صمدت طيلة عقود شامخة في أعلى الجبل، ترعى الجمال المنسكب في سفحه على صفحة بيضاء أبت جمعية أصدقاء المعتمد بن عباد بشفشاون، وطيلة 60 سنة على تأسيسها، إلا أن تحبرها بمداد الشعراء من كل الأطياف والحساسيات حفاظا على رونق الشعر ورسالته الإنسانية في زمن يضج بالسريع وبسقط المعنى . احتفت إذن جمعية المعتمد بافتتاح الدورة 33 لمهرجانها الوطني للشعر الذي استمر ليومين، تحت شعار «ستون سنة على تأسيس جمعية أصدقاء المعتمد»، وسط حضور متععد المشارب، شعراء مثقفون فاعلون جمعويون وسياسيون، في ترجمة بليغة على قدرة هذا المهرجان العريق على تذويب الاختلافات والانتماءات أيا كانت طبيعتها. وفي كلمة له أكد المدير الإقليمي لوزارة الثقافة أحمد يعلاوي في افتتاح الدورة 33 لمهرجان شفشاون الوطني للشعر الحديث، حرص الوزارة على دعم هذا المهرجان الاستثنائي والذي صمد منذ منتصف الستينات الى اليوم، مرسخا مكانته الرائدة في خارطة المهرجانات الوطنية التي تعنى بالشعر. واعتبر اليعلاوي أن مهرجان شفشاون «ديوان الشعر المغربي»، باعتباره أكبر معهد تخرج منه جل الشعراء المغاربة، مشيرا الى أنه المهرجان جعل من شفشاون تراثا شعريا وطنيا وعالميا ما حدا باليونسكو منذ 2010 إلى اعتماد المدينة تراثا عالميا إنسانيا غير مادي، داعيا الوزارة الوصية الى إعادة إحداث مندوبية للوزارة بالإقليم في ظل الغموض الذي يكتنف إلغاءها في عهد الوزير السابق. ونظرا لانفتاح المهرجان على كل الحساسيات والاصوات الشعرية، فقد اعتبر ممثل وزارة الثقافة اختيار إسبانيا ضيف شرف لهذه السنة، اختيارا حصيفا ودالا على انفتاح الجهة على فضائها المتوسطي، وتأكيدا على أن اللقاء المغربي – الأندلسي هو لقاء شعري أساسا وإحساسا، ما يجعل الجهة، جهة شعرية بلا منازع من شفشاون الى الحسيمة. وفي كلمة شعرية عميقة عمق تجربتها في معين الابداع، والحفر في جب الكلمة، اعتبر الشاعر والكاتب العام لجمعية المعتمد بن عباد التي ترعى المهرجان منذ ولادته في 1965،عبد الحق بن رحمون، أن الجمعية حملت منذ ستة عقود مشعل التنوير في مدينة بدأت منذ الاستقلال تتلمس هويتها، وحركت بركة الجمود الآسن بحجر الإبداع الحي. وأضاف الكاتب العام للجمعية أن استمرارية هذا المهرجان حركتها وتحركها الرغبة الحثيثة في صيانة ومواصلة المشروع الحداثي الذي أسس له روادها منذ بدايتها في الستينات، مشيرا الى ضرورة إيلاء هذه الجهود التي تقوم بها، بحضورها الدائم في المشهد الشعري المغربي، اهتماما أكثر باعتبار المهرجان أعرق مهرجان شعري وطني وجب تحويله الى رصيد رمزي لدى المؤسسات الثقافية، رصيد من شأنه إغناء الهوية والذاكرة الثقافية ببلادنا، منوها بشراكة الجمعية مع دار الشعر بتطوان هذه السنة والتي اعتبرها مكسبا للجهة وللبلاد. وبصفتها الداعم المحلي للمهرجان، أكدت كلمة الجماعة الحضرية لشفشاون في شخص رئيسها محمد السفياني أن مهرجان الشعر المغربي الحديث في دورته الثالثة والثلاثين، يؤكد ما ِأصبحت عليه شفشاون كحاضنة للإبداع الفني والثقافي على مدى عقود باحتضانها لهذا المهرجان الذي ساهم في ترسيخ مكانتها على خريطة المدن الأكثر استقبالا للسياحة، لكون المدينة حافظت على هويتها وانفتحت في الآن نفسه على البعد الكوني، وشكلت فيها الثقافة رديفا للتنمية السياحية، مشيرا الى أن المهرجان استضاف منذ بدايته أسماء فارقة في المشهد الشعري المغربي والعربي أمثال احمد المجاطي عبد الله راجع، مالكة العاصمي، نزار قباني، محمد بنطلحة، محمد بنيس… وكانت أقوى لحظات الافتتاح هي لحظة الاعتراف ببصمات جيل من رواد الجمعية ممن ضحوا بوقتهم وجهدهم ليبقى صوت الشعر عصيا على التدجين، ورديفا لكل ما هو جميل ويحمل بذرة الجمال في زمن المحن واالتضييق، حيث كرمت الجمعية ثلاثة من روادها المؤسسين والفاعلين وأولهم الشاعر «ناسك الجبل» عبد الكريم الطبال الذي تسلم درع الاحتفاء بمرور 60 سنة على تأسيس جمعية المعتمد بن عباد من ممثل وزارة الثقافة، وأرملة الشاعر الراحل محمد الميموني التي سلمها درع التكريم الشاعر والصحفي عبد الحميد جماهري، ودرع تكريمي لقيدوم الجمعية محمد أحرميم سلمه رئيس الجماعة الحضرية لشفشاون. وفي إطار الانفتاح على ثقافة الآخر، وإيمانا بقيم التعايش والحوار والتي تقود قاطرتها دوما الثقافة، تم توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية أصدقاء المعتمد بن عباد وجمعية غرناطة الاسبانية في شخص الشاعر والكاتب الاسباني بيدرو انريكيز. كما تخللت حفل الافتتاح قراءات شعرية، نسق فقراتها وقدمها باقتدار الشاعر سامح درويش، وألقى خلالها الشعراء: عبد الكريم الطبال، عبد الحميد جماهري، احمد لمسيح، أمينة لمريني، بيدرو انريكيز قصائدهم وسط تفاعل الجمهور المتعطش للشعر في زمن الفوضى واللامعنى، قبل أن تختتم السوبرانو سميرة القادري، ضمن «ليلة الاندلس» التي سهرت على تنظيمها دار الشعر بتطوان، بحفل موسيقي باذخ يليق بمهرجان شعري عريق وبمدينة تحتفي بكل آيات الجمال. ونظرا لأهمية الجانب التوثيقي، باعتباره يؤرخ لمسار وأنشطة االجمعية، تم تنظيم وبموازاة مع فعاليات المهرجان،معرض للصور احتفى بذاكرة الجمعية ووبلحظات فارقة في مسيرتها منذ منتصف الخمسينات، معرض أثثته وجوه سياسية وثقافية كانت ضيفة شرف دورات مهرجان المدينة ، كما يوثق لرسائل تشجيع لفكرة إنشائه كتبت بخط اليد مثقفين وسياسيين أمثال الزعيم علال الفاسي، عبد الرفيع الجواهري، احمد صبري، وهو المعرض الذي سهر على إخراجه للنور الفنان عمر سعدون.