من بين الأسئلة الحارقة التي يتم التداول فيها على نطاق واسع داخل المجتمع، و تستأثر باهتمام المتتبعين و الفاعلين ، تلك المرتبطة بالدعم المالي العمومي الذي تقدمه المجالس المنتخبة، حضرية كانت أم قروية و كذا مجالس الجهات و الأقاليم ، للجمعيات بمختلف تلاوينها و اهتماماتها، التي تنوعت و توزعت بين الإجتماعي ، الرياضي ، البيئي و الثقافي ، من خلال هذا العدد الكبير من الجمعيات المنتشرة على طول خارطة الوطن ، جمعيات "تتقاسم " نفس الإرهاصات لكن تختلف في وسائل العمل و آلياته ، حيث نجد جمعيات محظوظة تتمتع بأريحية مالية كبيرة تتجاوز التوقعات، لدرجة يمكن – و أمام حجم الدعم الذي تتلقاه – تصنيفها ضمن جمعيات " الصفوة " ، حيث تحظى بدعم مالي و معنوي يتجاوزها هي كجمعية. لقد ظل "الريع الجمعوي" ، و على مدى سنوات، بمثابة خط أحمر لا يمكن الإقتراب منه أو الإطلاع على تفاصيله لأنه كان- و مازال في بعض الجهات – أداة للتوظيف السياسوي و ورقة رابحة في يد بعض رؤساء المجالس المتتخبة لكسب المزيد من الدعم و المساندة، حفاظا على موقع ما في مجلس ما ، ملايين السنتيمات و آلاف الدراهم توزع يمينا و شمالا و في أحيان كثيرة لترضية الخواطر و جبرها، ظلت معها العديد من الجمعيات تتمتع " بحصانة مالية " إن صح التوصيف، تضخ في حساباتها البنكية ملايين السنتيمات كل سنة دون أن تقوم بما يمكن اعتباره نشاطا أو مبادرة ما في مجال ما أو حتى إنجازا على مستوى النتائج و الخدمات المقدمة و التي تتناسب و حجم الإمكانيات التي توفر لها ، و دون أن تقدم كشف حساب سواء للجهات الداعمة أو حتى لمنخرطيها بما يتماشى و قوانينها الأساسية و الداخلية . واقع جمعوي غير سليم يضم جمعيات تستأثر بمنح سنوية سمينة حتى أضحى الأمر مسألة عادية عند بعض المجالس المتتخبة ، فيما الجمعيات النشيطة تمنح الفتات الذي لا يغني و لا يسمن من جوع . فمن غير المنطقي أن يتم توظيف الدعم العمومي المقدم لبعض الجمعيات في مساعدة منخرطيها لأداء مناسك الحج أو العمرة، مثلا ، لأن الأمر يعد استفادة شخصية و ليست جماعية . قد يتفق المتتبع للشأن العام أو يختلف حول واقع العمل الجمعوي بالمغرب، لكن ما لا يختلف عليه إثنان هو مزاجية توزيع المنح على الجمعيات ببعض المناطق، و التي تحتاج اليوم – و أكثر من أي وقت مضى – إلى فتح نقاش حقيقي حولها ، و إلى وقفة جريئة تسائل هذا الواقع الذي يحتاج كذلك إلى افتحاص و تدقيق بما يتماشى مع القانون الذي يلزم أية جمعية تتوصل بدعم مالي عمومي، بتقديم كشوفات عن أوجه صرف هذا الدعم . اليوم ، وفي أفق التأسيس لواقع جديد، دشنت له الخطابات الملكية الأخيرة ، وفي سياق ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وترشيد صرف المال العام ، لا بديل عن خلخلة المشهد الجمعوي الوطني وفق آليات إدارية و قانونية تقطع مع الفوضى التي يعرفها في أكثر من جانب ، و الضرب بقوة القانون على كل من يعمل على "تدجين" قطاع مهم وحيوي ، و إيجاد صيغ قانونية جديدة حتى تلائم الجمعيات قوانينها الأساسية مع ما تعيشه البلاد اليوم من انفتاح و حركية من أجل مغرب متجدد ، الكل خاضع فيه للقانون و الدستور معا .