ما يناهز ستة ملايير سنتيم ضخت في صناديق الجمعيات كدعم لمشاريعها التنموية بمراكش خلال الفترة الممتدة مابين 2005 و 2009 . مصدر الدعم الذي نتحدث عنه هنا متأت من ميزانية المجلس الجماعي للمدينة . و عدد الجمعيات المؤسسة في هذه الفترة تضاعف تماشيا مع الطفرة التي يعرفها حجم الدعم. والعشرات من المشاريع التي ابتلعت الملايين من الدراهم بأثر ضعيف في الواقع و مردودية منعدمة . يكاد المشرفون على تدبير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يجمعون على الخلل الذي يربك أداء المبادرة و يحجم قوتها على أرض الواقع و المرتبط بالاعتماد على الجمعيات كأداة تنفيذ ، و نظريا كشريك . بالطبع فهذه الرؤية التي تتعامل مع الفاعل المدني كشريك أساسي في الورش التنموي ، تشكل نقطة امتياز لا تنكر في فلسفة المبادرة الوطنية . لكن الواقع يفرض منطقا آخر و يمنح الفرصة لقياس فعالية الشعار عمليا . ما لاحظه المتدخلون في الشأن التنموي بمراكش هو أن غياب نظام اساسي للفاعل الجمعوي يحتكم في مجموعة من المعايير الواضحة حول المجال الجمعوي من فضاء للتدخل المدني يضمن التوازن مع المجتمع السياسي إلى مجال للمتاجرة السياسية و الربح . و النقلة التي عرفها أداء الجمعيات بالمدينة هي الفاصلة بين تاريخين من العمل الجمعوي . الأول كان فيه الانتماء لجمعية معناه الالتحاق بممارسة نضالية فعلية حيث أن التمويل كان شبه منعدم و مصادر الدعم مسدودة في وجهها و أعضاء الجمعية يصرفون من جيوبهم في سبيل فكرة مقتنعين بجدواها ، زد على ذلك أن تحركاتهم كانت تحت رقابة أمنية صارمة تحصي أنفاسها . و الثاني تقوى مع الميثاق الجماعي الجديد الذي على اساسه أفرز المجلس الجماعي لسنة 2003 و الذي عرف معه الدعم المخصص للجمعيات طفرة كبيرة تضاعف معها حجمه عدة مرات فكان ذلك سببا في تناسل الجمعيات إلى أن وصل عددها اليوم إلى ما يزيد عن 2500 جمعية . المشكل الأول، الذي لاحظه المتتبعون للشأن الجمعوي و التنموي بالمدينة يكمن في تمويل برامج تتبناها جمعيات ليس هناك ما يؤكد أنها تتوفر على الكفاءة لتنفيذها و لا يتوفر أعضاؤها على التكوين اللازم لذلك . و الأسوأ من ذلك هو أن المجلس نفسه لا يتوفر على آليات تتبع تنفيذ المشاريع و تقييمها مثلما لا يحتكم إلى رؤية واضحة لمضمون الشراكة مع الجمعيات و توجهاتها الاستراتيجية . و عند اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية استمر نفس الوضع . حيث أدمجت الجمعيات في تنفيذ البرنامج المستعجل . و ضخت الأموال في صناديقها لتمويل المشاريع المقترحة لكن على أساس أرضية محكومة بنفس الشروط التي يغيب عنها التقييم القبلي للكفاءة الفعلية للجمعية المعنية و قدرتها على تنفيذ المشاريع المقترحة و مواكبة أدائها و تقييم مراحل إنجازه الجزئي و قياس أثره في الواقع . بل إن الكثير من المشاريع التي أنجزت في إطار المبادرة شكلت مناسبة لإهدار أموال طائلة بدون أدنى مردودية اجتماعية كما هو الشأن بالنسبة للمركبات الاجتماعية التي أنشئت منذ ثلاث سنوات بدوار أكيوض و دوار السراغنة بمقاطعة جليز، والتي هي عبارة اليوم عن بنايات مهجورة في وضعية متردية لا تقدم أية خدمة وليس لها أي مضمون تنموي . ينضاف إلى ذلك أن مجموعة من مشاريع المبادرة كان فيها مفهوم الشراكة مجرد كلمة بلا معنى و شعار بلا مضمون لأنها كانت في حقيقتها بإملاء من السلطة . فاصبحت المقاربة التشاركية شكلا من الخضوع لضغط السلطة الذي ينضاف إلى غياب التكوين لدى الجمعيات فيكون أثر المشاريع في المجتمع منعدما . انعدام الكفاءة اللازمة و الافتقار للآليات الناجعة للتتبع فتح المجال لرؤية استرزاقية في العمل الجمعوي و حول انخراطه في البناء التنموي إلى مناسبة للاغتناء السهل و المتاجرة السياسية . حيث يتحدث المقربون من تدبير ملفات المبادرة الوطنية بمراكش أن السياسوية و المحسوبية هي المنطق الغالب الذي يتحكم في البث في المشاريع المقدمة . و أن سياسة القرب استبدلت بالقرب السياسي للجمعية المتبنية للمشروع مع عضو أو تيار بالمجلس الجماعي . فترسخت عادة سيئة في هذا الباب حيث عمل عدد من أعضاء المجلس الجماعي على تفريخ ذيول جمعوية تابعة لهم يضمنون لها الدعم و التمويل من صندوق الجماعة بغض النظر عن أدائها ، ليكون الربح الأكبر في صناديق الاقتراع . و الكثير من المشاريع عطلها مستشارون و عرقلوا دعمها بنفس الخلفية . و بمجرد صدور القانون 14/ 05 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية حتى تشكل نسق متكامل من أساليب الالتفاف عليه و تحويل أهدافه إلى وسائل في خدمة بعض الجهات التي وجدت في الكيان الجمعوي مجالا ملائما و في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فرصة ثمينة للاسترزاق طالما أن المهم لدى الطرف المانح هو المشروع المكتوب على الورق و ليس ما نفد فعلا في الواقع و مردوديته التنموية في المجتمع . إذ من الملاحظ أن أثر الكثير من هذه المشاريع المنفذة بتمويل من المبادرة جد ضعيف لا يتناسب مع حجم التمويل المرصود له و لا المجهود المبذول لبلورته . و شكل غياب قياس الأثر الموقع الاساسي لضعف تنفيذ هذه المشاريع المنفذة من قبل الجمعيات . فمن ناحية الكم هناك تراكم كبير للمبادرات الجمعوية و لكن من جهة الكيف و آليات التصريف فالمشكل يبدو أكثر تضخما . لذلك يرى المتتبعون أن المجلس الجماعي السابق صرف ما يتجاوز ستة ملايير كمنحة للجمعيات دون أن يكون لذلك أثر . و رغم تأكد كل الجهات المعنية بالمبادرة البشرية أن المشكل المطروح بسبب غياب التكوين يمثل أكبر منبع لتعطيل فعالية تدخل الجمعيات في تنفيذ برامج التنمية إلا أن ورش تكوينها و تأهيلها لم يأخذ إلى اليوم على محمل الجد . فكانت النتيجة أن تحول توفر الدعم إلى عامل إضعاف للأداء الجمعوي عوض تقويته . و هو ما نلمسه بشكل مباشر في الغياب الملموس لأية نتيجة للبرنامج الأفقي . في سنة 2010، اقترحت اللجنة المحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية 150 مشروعا قبلت منها اللجنة الإقليمية 80 بالمائة . و شمل التمويل المباشر 12 مشروعا متعلقا بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة بغلاف مالي يصل إلى ستة ملايين درهم تهيمن عليها الجمعيات الكبرى . لكن المعنيون بشأن المجتمع الجمعوي و انخراطه في أوراش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يؤكدون أن الأداء الجمعوي في هذا المجال بمراكش يعاني من عطب كبير يغذيه غياب سياسة واضحة لدى المجلس الجماعي في القطاعات الاجتماعية و الثقافية و الرياضية إضافة إلى غياب المقاربة التشاركية و عدم الاحتكام إلى مؤشر الكفاءة في التنفيذ عند دراسة المشاريع بل و حتى غياب الحس الجمعوي لدى الفاعل الجمعوي نفسه و عدم إدراكه الواعي لمبادئ الحركة الجمعوية التي هي في اساسها عمل تطوعي من أجل الصالح العام و ليس تجارة مربحة .