أصبح من الواضح أن انتشار الميليشيات الإسلامية المتطرفة على المستوى العربي وفق الصيغة التي عليها انتشاره الآن، استراتيجية غير متأتية من الصدفة، بل إن سياسة أخذ الموقع والتحرك في الوقت المناسب يعدان أساسا لهذا التوزيع. إذ يتفطن المتأمل في العناوين التي تنشط من خلالها التنظيمات الإرهابية خاصة «الدولة الإسلامية» وفروعها في الوطن العربي إلى أن المواقع التي اتخذها في الشرق العربي وغربه تتجاوب مع سياسة «رد الفعل» غربا إذا هوجم التنظيم شرقا والعكس صحيح. وهو ما يحدث هذه الأيام في الجزائر ومصر. تبنت مجموعة مرتبطة بتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية الإرهابي مطلع هذا الأسبوع في شريط فيديو خطف مواطن فرنسي في الجزائر وتم قتله في الساعات التي تلت عملية الخطف ردا على ضربات فرنسا الجوية ضد التنظيم في العراق. كما حثت التنظيمات الإرهابية المتمركزة في شبه جزيرة سيناء المصرية على مهاجمة القوات المسلحة المصرية وإلحاق أقصى ما يمكن من خسائر بشرية ومادية في صفوفها. النسخة الجزائرية لداعش تعد المجموعة الجهادية الجزائرية «جند الخلافة» التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية في المشرق من أحدث التنظيمات الجهادية التي ولدت على وقع الأحداث الأخيرة في العراقوسوريا، وأظهرت الرهينة الفرنسية «هيرفيه بيار غورديل» في الشريط قبل إعدامه وهو يطلب من الرئيس الفرنسي إنقاذه من الوضع الذي هو عليه ويطالبه بإيقاف مشاركة فرنسا في الحرب على داعش كي لا يموت. ويسلط انشقاق قادة جزائريين أساسيين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الضوء على تزايد المنافسة بين قيادة تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية على زعامة حركة التطرف الإسلامي العابرة للحدود. فقد أعلن أمير منطقة الوسط في تنظيم القاعدة خالد أبو سليمان (واسمه الحقيقي قوري عبد المالك) في بيان نشرته مواقع جهادية في وقت سابق قيادته للفصيل الإسلامي الجديد الذي أسماه «جند الخلافة» في إشارة إلى ما يسمى بالخلافة الإسلامية التي أعلنها أبو بكر البغدادي من مدينة الموصل شمال العراق. وتشير معلومات من داخل الأجهزة الأمنية الجزائرية أن قائد منطقة القاعدة في شرق الجزائر قد انضم إلى تنظيم جند الخلافة بعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة. وهذا ما يعده خبراء تداعيا لتنظيم القاعدة على حساب تنظيم أكثر تطرفا وثروة وعتادا «أصبح شبحا تواجهه الأجهزة الأمنية العالمية خاصة العربية». وقال أبو سليمان مخاطبا أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في البيان: «إن لكم في مغرب الإسلام رجالا لو أمرتهم لأتمروا ولو ناديتم للبّوا ولو طلبتم لخفوا»، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة الأم وفرعها في المغرب «حادا عن جادة الصواب». والمثير في المسألة أن تنظيم القاعدة إلى حدود هذه اللحظة لم يجب عن هذه الانشقاقات التي تؤشر إلى تهاوٍ في بنيته لصالح الدولة الإسلامية. ويعد فصيل جند الخلافة المنشق في الجزائر أحدث فصيل يبايع البغدادي بدلا من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بعد أن حققت الدولة الإسلامية مكاسب على الأرض في العراقوسوريا وباتت تجتذب المقاتلين الشباب بشكل أكبر. يذكر أنه تعرض خلال العشر سنوات الماضية حوالي 80 شخصا للخطف في تيزي وزو كلهم جزائريون وتم إطلاق سراح غالبيتهم بعد دفع فدية، بينما قتل ثلاثة بحسب الصحف. مصر والإرهاب في تأكيد آخر على أن اختيار مواقع الرد على الورطة التي يعيشها الآن تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في العراقوسوريا، سواء في التوقيت أو في الموقع، ليس اختيارا عشوائيا بل مدروسا، يعلن تنظيم الدولة الإسلامية وجود موالين له في صحراء سيناء شمال شرقي مصر، بعد أن نشطت الخلايا الإرهابية من قبل بأسماء أخرى مثل «أنصار بيت المقدس» و«جند التوحيد» والتي ارتكبت أعمالا إرهابية في حق الجنود المصريين والسواح الأجانب ومدنيين مصريين. وقد حث تنظيم الدولة الإسلامية (الذي رفض الإخوان المسلمون قيام ضربة دولية ضده) المقاتلين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء المصرية على مهاجمة الجنود المصريين وقطع رؤوسهم في خطوة من شأنها أن تزيد القلق من الصلات التي تربط بين الجماعات الإرهابية في مصر بما في ذلك الإخوان المسلمون. وتشهد مصر هجمات مسلحة تشنها جماعات إسلامية منذ أن عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين عقب احتجاجات حاشدة على حكمه. وقد تصاعدت العمليات الإرهابية التي استهدفت مختلف المصالح المصرية منذ أن رفض الإخوان إخلاء اعتصام «رابعة» وذلك باستهداف نقاط الشرطة والجيش والمدنيين وتفجير حافلات السواح ولعل آخر عملية إرهابية (تبناها تنظيم أنصار بيت المقدس المدافع عن مرسي) كانت تفجير نقطة قرب وزارة الخارجية المصرية أسفرت عن مقتل ضابط أمن وجندي وجرح عدد آخر في قلب العاصمة المصرية القاهرة. وقال أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية في بيان بث على الإنترنت، «نثني على إخواننا في سيناء الأبية فقد شعشع الأمل في أرض الكنانة ولاح البشر في مصر بعملياتهم المباركة»، وفي تماثل مع ما حدث في الجزائر، فإن التنظيم في مصر أعلن عن نفسه صراحة مستقطبا إرهابيي الجماعات الأخرى لحساب تكبير حجمه. ويؤكد عديد الخبراء أن الردود على الهجمة الدولية ضد تنظيم داعش الإرهابي في المشرق العربي قد حرك الخلايا النائمة المعدة من قبل في المناطق «الحساسة للأمن العربي». فبعد أن تشكل ما يشبه المحور الأمني والعسكري العربي بين مصر والجزائر ودول الخليج العربي وتونس لمجابهة أخطار الإرهاب الإسلامي المتشدد في العراقوسوريا وليبيا ودول جنوب الصحراء الأفريقي والصومال، جاءت الردود على ما تشهده الجبهة في سورياوالعراق في الدول البارزة لهذا المحور العربي المقاوم للإرهاب خاصة مصر والجزائر. والواضح أن هذه التنظيمات تمتلك خططا تكتيكية ميدانية تستجيب لتوجهات استراتيجية عامة تمكنت من خلالها من المس فعلا بأمن المنطقة. وتعد هذه رسالة تحد واضحة لكل الخطط الأمنية العربية التي أصبحت على محك الاختبار فإما أن تقضي على الإرهاب أو أن التدخلات الأجنبية سوف تعصف باستقرار المنطقة.