أعتذر قرائي الأعزاء إن كنت أكسر أفق انتظاركم وانتظاركن، في البوح الذي اخترت أن أقترفه اليوم في هذه الزاوية التي أطل من خلالها عليكم وعليكن. لن تنتظروا وتنتظرن مني قرائي الأعزاء، أن أتلو عليكم، وعليكن، ما تابعته من قراءة ودراسة لقوانين تنظيمية مصاحبة للدستور، تخص النساء في بلدي، رغم أهميتها، ولن أتحدث عن آليات مواجهة العنف ضد المرأة، ولن أتعب عيونكم وعيونكن بسرد للمواد والفصول، ولن أدافع عن تعديل ترافع فيه فريق ضد مصلحة النساء، أو مع، ولن أحفر في المواثيق الدولية بهذه المناسبة، ولن أذكر بمعاهدات جنيف، ولن أحصي عدد الجولات التي قام بها مجتمعنا المدني في المحافل الدولية، من أجل الانتصار لقضايا المرأة، كما أنني لن أبخس أي عمل في أية واجهة مدنية أو حزبية، أو رسمية، لأترك هذا الكل قرائي الأعزاء، نحو بوح آخر، أختار اليوم وأنا أحتفل بيومي كامرأة إلى جانب كافة نساء العالم، أن أذهب فيه إلى حيث هن، في الهامش الذي يأخذني من قفاي نحو معاناة نساء في صمت، تكتم فيه أنفاسهن حد الموت تحت ركام من المعاناة، يطوي تفاصيلها الزمن المنسي في الدواوير المحاصرة في السهول والجبال، في البيوت الطينية المتآكلة، والباردة شتاء، والحارقة صيفا، وفي أنفاق البحث عن الخبز والشاي، وعن رغيفهن، الذي كادت أياديهن تمد إلى بقايا التراب من أجل مزجه لإنتاج ما يسد رمق، ويحد من صياح أطفال بحت حلوقهم نداء عاكسا لجوع ومرض وضياع. سامحوني قرائي إن ذهبت بكم إلى مشاهد القسوة، وأفسدت عليكم فرحتكم، بعيد، تختارون فيه هدايا لنسائكم وتطلبون فيه من صغيراتكم الرقص احتفاء بيوم أمهن، وعيدهن مستقبلا عندما يكبرن في الزمن الذي نتوق فيه إلى تغيير. سامحوني قرائي، إن شددت الرحال إلى قلوبكم، لأنقل لكم معاناة حليمة وفاطنة ومباركة والسعدية ومهاني ودريكيشة والطالبية بنت علي والخوضة ورقيوة والسالمية بنت علال ومحيريشة والشهيبة بنت محمد وفطومة الحمرية ومولاتو الزاهية بنت المعفر والزعرية بنت عمر والزمورية بنت مبارك والقادة بنت عليلو وفاطنة المبرصة والريانية بنت الضارب باه وطامو الدشيرية وغيرهن، منهن من رحلن إلى دار البقاء، ومنهن من ما زلن على قارعة الطريق، أقدامهن مشققة، وضفائرهن تغسل في لحظة عابرة في زمن عابر، عندما يرتفع منسوب المياه المالحة المخترقة لدواوير لا تعرف ساكنتها زيارة طبيب، ومن وصلن إلى مستشفى المركز بقدرة قادر، يعتبرن ذلك فتحا مبينا، يحتاج إلى زغرودة مبيريكة وصوتها المبحوح كي تغني، نصره وانتصاراته في إيجاد دابة، عمل فاعل إطعامها على شد أقدامها -غير المصفحتين طبعا- لتقطع «الفيافي»، حاملة العجوز المريضة إلى المستشفى الممركز جدا، في جهة تئن مستنجدة بمركز أكبر، تزاحمت فيه الأجساد، حتى قذف بها في الممرات لتلتقطها كاميرا الهواة، أو صيادو» الوجيبة «، ناشرو الغسيل في مواقع التواصل المبعثرة. سامحوني قرائي إن أفسدت عليكم وعليكن، بهاء الشموع، وشوشت على بتهوفن سيمفونيّاته الخامسة أو التاسعة، وصوت جاك بريل في les bourgeois، في الليالي الجميلة، التي أهنئكم وأهنئكن على عيشها، بكل الحب الذي أكنه لكم ولكن، وأنتن تنشغلن وتنشغلون بالدفاع عن القوانين باعتبارها الممر الحقيقي للتغيير، وأنا معكم في هذا المنحى ومؤمنة به، لكن البوح الذي استأذنتكم واستأذنتكن بالذهاب إليه امتلكني، حد جري من ضفائري إلى حيث هن، في الزمن القاسي، قابعات هناك، وجوههن متجعدة من شمس تغذت من جمالهن، وبرد نخر عظامهن وشقق أقدامهن، ورسم الثنايا في جباههن، وألصق جلدهن على بقايا أجسادهن، إلا أنهن ظللن واقفات كالشجر، كالجبل، بنفس الشموخ والإصرار، حتى أن كل الأوراق التي تساقطت لتحرك التراب من تحت أقدامهن، لم تستطع ذر الغبار في عيونهن، كما لم تستطع الأشواك منعهن من مواصلة طريق تناثر ربيعها، في ممر موحش، اشتد السير فيه، حتى سالت دماء أقدام، زادت صلابة من قهر مزدوج حد جحوظ العينين واصفرار الوجنتين وتعميق جروح في القدمين، في مشهد البوح الذي يشدنا نحو الذهاب إلى حيث هن، لصناعة التغيير. هو بوح ليس كباقي البوح المنحصر في جسد اهتز في لحظات الجرم الكبير، جرم وجد متسعا في عناوين غطت منابر خارج الحدود، وبالطبع داخلها، بحجم يسائلنا اليوم، في ضرورة أخذ نفس متسعة، لنقل بوح من نوع آخر، يغتصب فيه خبزنا وشاينا، ويهرب فيه رغيفنا، وتكدس فيه أمراضنا، ويكرس فيه جهلنا، وتهدم فيه أكواخنا، في المناخ الذي لا ندري اليوم طرق وآليات مواجهته، ولا نفكر في حجم ميزانياته، ونخلق له، بطريقة بهلوانية، يافطات مكتوبة بالبنط العريض، لتأدية الغرض حيث تمر كاميرا الحصاد اليومي لتحركاتنا، وكأننا في قلب معركة مجتمعية، قادرون فيها على تلبية المطالب التي تراكمت حد الاستعصاء عن الحلول، التي لن تأتي، إلا بوعي حقيقي بحجم الإشكالية وحاجتها إلى مشروع مجتمعي متكامل لصناعة نموذج تنموي جديد، لا نخاف فيه الهدم إن كنا نسعى إلى بناء على أسس متينة..فاقبلوا واقبلن «بوحي» في يوم» حر» لامرأة تريد أن تقول..