12 ماي 1965 مطار أورلي /باريس في سنة 1965، كان 6 ملايين مسافر يمرون عبر مطار أورلي دون أن يعلموا أن منطقة الشحن التي تمر عبرها أمتعتهم كانت منطقة اللاقانون، أشبه بمنطقة عازلة لا تنتمي لفرنسا، كانت مصالح المخابرات الخارجية ومكافحة التجسس الفرنسية (SDECE) تتحرك فيها بكل حرية وكانت المصلحة رقم 7 المكلفة بالعمليات الخاصة تقوم بعمليات فتح الأمتعة بما فيها الحقائب الدبلوماسية قبل أن يتسلمها أصحابها في قاعة استلام الأمتعة. وكانت إحدى التقنيات الشائعة - وليس فقط في فرنسا - تتمثل في استغلال فترة وجود أمتعة المسافرين في منطقة مراقبة الجمارك أو فترة نزولها من الطائرة، لأخذها ومعالجتها، بينما صاحبها ينتظر وصولها في محطة استيلام الأمتعة. كان يتم تصوير محتواها في مكان خاص مجهز لهذا الغرض، وفي ظرف قياسي، وكانت أمتعة المهدي بن بركة تفتش وتراقب وتعالج من طرف مختلف مصالح المخابرات الفرنسية المهتمة بملف «داريوس» - وهو الإسم الذي أعطي للمهدي بن بركة على اسم امبراطور فارسي قديم - وكانت عملية «داريوس» ترتكز على «عميل ميداني» اسمه أنطوان لوبيز، رئيس مداومة بشركة الطيران الفرنسية «ايرفرانس» بعد أن تم توظيفه في مصلحة المسافرين. ولوبيز الذي كان يلقب باسم « SAVOUTTE» كان يقدم خدماته ليس فقط لمصالح المخابرات الفرنسية (SDECE) بل أيضا لمصالح شرطة باريس، وبالخصوص لمصالح المخابرات المغربية التي كانت له صداقات داخلها من بينهم محمد أوفقير وأحمد الدليمي. ومع أوفقير، وزير الداخلية الحسن الثاني، أصبحت العلاقات حميمية إلى درجة أن الواحد منهما كان يقضي عطله عند الآخر، فقبل ذلك كان لوبيز يشتغل رئيسا لمحطة إيرفرانس في طنجة، وكان يحلم بأن يصبح ذات يوم رئيسا لشركة الطيران المغربية. كان الأمر يتعلق بتبادل المنافع، وأوفقير كان يعرف اللعبة، فقد كان هو بدوره «عميلا» للمخابرات الفرنسية في سنوات 1960 واحتفظ بروابط مع عميل الربط بباريس يدعي طوطيم واسمه الكولونيل مارسيل ميرسيي. في أورلي من جانب المخابرات الخارجية الفرنسية كان هناك رجلان مارسيل لوروا وميشيل بولان يراقبان تحركات لوبيز. كانا صديقين حميمين منذ صيف 1944 حيث قام الرجلان بمهام استكشاف لفائدة المقاومة الفرنسية في بريست التي كانت لاتزال تحت سيطرة الألمانيين. ومنذ ذلك الزمن ظلا معا لا يفترقان وتم توظيفهما معا بعد تحرير فرنسا في مصالح المخابرات الخاصة، والتحق بهم عميل ثالث هو ريمون هامل الملقب »بالسيد جيل« الذي سيصبح خبيرا في فتح الصناديق والأمتعة غير المرافقة... بعد مرور 20 سنة، كان لوروا - واسمه الحركي هو »فانفيل« هو رئيس صديقه بولان وهامل في المصلحة 7. وفي شهر ماي 1965، كان بولان هو الضابط المتعامل مع العميل متعدد الولاءات انطوان لوبيز. كان لوبيز يقدم عموما معلومات مفيدة في الوقت الذي كانت الإدارة المركزية للمخابرات مهتمة بموضوعين على نفس الأهمية: من جهة الشائعات التي كانت تروج حول وجود مفاوضات بين الحسن الثاني وبن بركة. ومن جهة أخرى علاقات هذا الأخير مع الكوبيين خاصة في أفريقيا على بعد بضعة أشهر على ما كان يسمى داخل المخابرات الفرنسية "»مؤتمر القارات الثلاث« "أو بشكل تهكمي »مؤتمر القارات الثلاث الشيوعية« (Tricoco). وبالصدفة كان لوبيز قد زار المغرب والتقى أوفقير، وكان هذا الأخير تكلم أكثر من اللازم أو أنه تعمد بعث رسالة، يوم 12 ماي، حول كأس في أورلي. أخبر لوبيز صديقه لوروا بالتفصيل ما سمعه. هذا الأخير حرر بعد 5 أيام ورقة موجهة لبول بلانديل الملقب ب" »فارين«" رئيس »الشؤون العربية ذكر فيها أولا بصفة مصدره المعروف عادة بلقب »بيدزرو«: الموضوع: المغرب، لي الشرف أن احيطكم علما، على سبيل الإخبار ملخص لوبيز بتاريخ 12 ماي 1965 في أعقاب زيارة قام بها إلى الرباط.و بالنظر لعلاقات هذا العميل، الذي يزور باستمرار المغرب أعتقد أنه باستطاعتنا تحرير أسئلة موجهة له. وأذكركم باختصار أن لوبيز اشتغل رئيس رحلات إيرفرانس بطنجة، ورئيس رحلات بأورلي وهو مرتبط بصداقة مع أوفقير (هو المكلف بأبناء أوفقير عندما يكونون في فرنسا) وحضر زواجه مؤخرا، وله علاقات نافذة داخل القصر، ومرشح من طرف الخطوط الملكية المغربية لتسيير علاقاتها الخارجية. بعد ذلك يصل فانفيل إلى المعلومة الأساسية كما ذكرها. عن لوبيز: »الجنرال أوفقير أخبرني بمشروعه »استعادة« "بن بركة، لكن عليه انتظار نتائج خطاب جلالة الملك الداعي إلى حكومة وحدة وطنية. وبالفعل، فقد لاحظوا أن هذا الموقف أثار خلافات في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية: البعض أراد المشاركة في الحكومة، وآخرون متشددون يفضلون البقاء في المنفى وعدم العودة إلا بعد سقوط النظام. وتشير لهم بعض الأخبار بأن بن بركة سيبقى في الجزائر إذا سمحت له الحكومة الجزائرية بذلك. ويعتقد الجنرال أوفقير أنه خلال المباحثات بين بن بلة وجلالة الملك سيقترح بن بلة طرد بن بركة، وسيطلب شيئاً آخر بالمقابل. وفي كل الأحوال، كان أوفقير جاهزاً لهذا الاجتماع وكان مقتنعاً بأن بن بلة يريد »خداعهم«. تقرير فانفيل كان يحيل على حدثين وقعا الواحد بعد الآخر يوحيان بأن الرباط تلعب على جميع الواجهات. يوم 25 أبريل، التقى بن بركة أخيراً بمنزل شقيقه عبد القادر بفرانكفورت بألمانيا الغربية مولاي علي سفير المغرب بفرنسا. بخصوص هذه الاستشارة، كان زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مرفوقاً بعبد الرحمن اليوسفي أحد أقرب المقربين الأوفياء له من قياديي الاتحاد الوطني، وجرى خلال هذا اللقاء حوار قد يبدو سوريالياً: اقترح مولاي علي قائلا: »عد إلى المغرب، إنه عهد جديد يفتح..«. طيب، بما أنكم أنتم من أتى، وبما أن جلالة الملك هو من طلب ذلك، قولوا له إنه خلال 15 يوماً القادمة، سأعود لأراه، لكن أريد أن أعرف ما هو موقف الجيش إذا ما شارك الاتحاد الوطني في الحكومة. لا خوف من هذا الجانب، الملك متحكم جيداً في الجيش، رد مولاي علي. في هذه الحالة، هذا هو الإطار الذي يمكن أن نرسمه من أجل التعاون: لابد من تعاقد لمدة سنتين حول برنامج دقيق بمسؤوليات محددة وواضحة، حزمة إصلاحات ومنها الإصلاح الزراعي، حكومة اتحاد وطني منسجمة يتحمل فيها الحزب مسؤولياته إلى جانب مستقلين يحظون بثقة الملك«. »السيد دينامو« اقترح أيضاً أن يتم إيجاد نظام من أجل وضع نهاية للنقاشات حول الانتخابات المزورة لسنة 1963، ولا حاجة للقول بأنه يتعين أن يستفيد من عفو... وأخيراً لا مجال لإنجاز كل هذا قبل تأسيس منظمة القارات الثلاث. هل كان باستطاعة المهدي أن يعرف بأن الملك الحسن الثاني فكر في استعمال هذا المشروع ليظهر هو شخصيا كملك متنور وغير منحاز الى جانب جمال عبد الناصر وتيتو وسوكارنو وكاسترو؟ وماذا كان سيعتقد أصدقاؤه الامريكيون؟ يمكن أن نشك في صدق نوايا ا لملك لأن لقاء آخر حدث. أشار إليه فانفيل في تقريره. في نفس يوم 12 ماس 1965 بينما كان لوروا يستمع للوبيز في أورلي، كان ينعقد اجتماع غير عادي في مدينة السعيدية على الحدود المغربية الجزائرية، فخلال اجتماع رأسا لرأس، وصف بالودي جدا أراد الحسن الثاني وبن بلة إقبار سلاح الحرب نهائيا ونسيان المعارك بين الاشقاء في حرب الرمال سنة 1963 .طلب الحسن الثاني كما أوحى أوفقير، حسب التقرير الذي كتبه فانفيل، أن يطرد بركة من الجزائر عشية انعقاد الأفرو أسيوي المرتقب بالجزائر في نهاية يونيو، المعروف ب "باندونغ 2 " مقابل مثلا طرد سليمان دوحليس المعروف باسم الكولونيل صادق الحاكم السابق للولاية الرابعة في جيش التحرير الوطني الجزائري خلال حرب التحرير، وأحد مؤسسي جبهة القوى الاشتراكية الداعية للحكم الذاتي لمنطقة القبائل، الذي لجأ الى المغرب المحكوم بالاعدام والذي صدر في حقه عفو رئاسي؟ وعلى افتراض أن الملك قدم هذا الاقتراح لبن بلة، ألم يكن هذا الأخير ليخبر المهدي على الفور؟ في كل الاحوال، في الوقت الذي كان رئيس مكتب الشؤون العربية بجهاز المخابرات الفرنسية SDECE يتلقى تقرير فانفيل المتعلق بالسيد دينامو (المهدي بن بركة) كان هذا الأخير في غانا رفقة صهره، وكاتبه عثمان بناني للمشاركة في مؤتمر لمنظمة التضامن مع شعوب إفريقيا وأسيا. وهو المؤتمر الذي سيكون علامة مميزة على الاقل هذا ما كان يأمله، في الطريق نحو بناء منظمة القارات الثلاث المرتقبة في هافانا.