الملك يُعطي بالرباط انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة LGV الرابط بين القنيطرة ومراكش    بعثة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة تصل إلى القاهرة للمشاركة في كأس إفريقيا    إحباط محاولة لتهرييب المفرقعات والشهب النارية ميناء طنجة المتوسط    جلالة الملك يعطي انطلاقة خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش    القرض الفلاحي للمغرب يعقد شراكة استراتيجية مع شركة "تربة" لدعم الزراعة التجديدية    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    رغم تحسن التساقطات.. مجلس اللوكوس يحذر من العجز الهيكلي في الموارد المائية بجهة الشمال    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    الهند تُعَلِّقْ العمل بمعاهدة تقاسم المياه مع باكستان    محمد رضوان رئيسا لقضاة إفريقيا    أعمال تخريب بمركب محمد الخامس    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    السجن لشرطيين اتهما ب"تعذيب وقتل" شاب في مخفر الأمن    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    دورة "سمية العمراني" بمهرجان "معًا" بطنجة.. تكريم لروح العطاء ودعوة لدمج شامل لذوي الإعاقة    97.6 % من الأسر المغربية تصرح إن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا!    الوداد ينفصل عن موكوينا ويفسح المجال لبنهاشم حتى نهاية الموسم    عامل إقليم سيدي إفني يفتتح الدورة التكوينية الخامسة من منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والاعلام    رفع قيمة تعويض الأخطار المهنية للممرضين والإداريين والتقنيين.. وإقراره لأول مرة للأساتذة الباحثين بالصحة    واتساب تطلق ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة    الحكومة تكشف: كلفة الحوار الاجتماعي تصل إلى 46.7 مليار درهم بحلول 2027    الوكيل العام باستئنافية مراكش يأمر بفتح تحقيق في قضية تصوير محام مكبل اليدين داخل سيارة شرطة    بايتاس: الاعتمادات الجديدة في الميزانية ممولة من الضرائب لسد الالتزامات ودعم القدرة الشرائية    نبيل باها: الأطر المغربية تثبت الكفاءة    مسؤولون مغاربة يستعرضون رهانات البنية التحتية قبل "مونديال 2030"    قادة وملوك في وداع البابا فرنسيس    جماعة بوزنيقة تؤجل جلسة كريمين    بنكيران يدعو إلى جمع المساهمات من أجل تغطية مصاريف مؤتمر "البيجيدي"    رئيس الحكومة يقف على تقدم تنزيل خارطة طريق التشغيل    الوداد البيضاوي ينفصل عن موكوينا بالتراضي ويعين بنهاشم بدلا منه    منظمة دولية تندد ب"تصعيد القمع" في الجزائر    أخنوش يترأس جلسة عمل للوقوف على تقدم تنزيل خارطة طريق التشغيل    الملتقى الدولي لفنانين القصبة بخريبكة يؤكد ضرورة الفن لخدمة قضايا المجتمع    الكتاب في يومه العالمي بين عطر الورق وسرعة البكسل.. بقلم // عبده حقي    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى احترام حق الجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    سلسلة هزات ارتدادية تضرب إسطنبول بعد زلزال بحر مرمرة وإصابة 236 شخصاً    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة: المغرب نموذج بارز للابتكار    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    الجيش المغربي يجري مناورات "فلوطيكس 2025" في المتوسط لتعزيز جاهزية البحرية    اتحاد طنجة يحتج بشدة على "المهزلة التحكيمية" ويطالب بفتح تحقيق عاجل    الصين تعلن عن التجارب الجديدة لعلوم الحياة في محطة الفضاء    خالد بوطيب يجبر فيفا على معاقبة الزمالك    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    "الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسؤولية الدولة الفرنسية وأجهزتها في ملف اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة

لمحاولة فهم دور «المسؤولين الفرنسيين» في عملية اختطاف واغتيال المهدي بن بركة، بعد أزيد من 44 سنة، لابد من قراءة نسبية لتأكيدات الجنرال شارل دوغول في ندوته الصحفية التي أكد فيها أن لا علاقة للدولة الفرنسية في هذه القضية، غير أن سؤاله قبل ذلك في اجتماع حكومته (19 يناير 1966)، كانت أقل تحفظا، بل وتلتها قرارات صارمة، حيث تم سحب مصلحة الاستعلامات الخارجية ومكافحة التجسس (SDECE) من إشراف الوزير الاول مثلا. صحيح انه لم تكن، فيما يبدو، مصلحة للدولة الفرنسية في تصفية المهدي، وأن المصالح الامنية باختلاف درجاتها ومستوياتها لم «تتستر» صراحة على عملية الاختطاف، ولكن على الاقل وفي كل الاحوال بعض عناصرها وعملائها، في مستويات عليا في بعض الاحيان كانوا على علم بإمكانية وقوع حدث وشيك، وربما عملية اختطاف، دون ان يتوقعوا إمكانية حدوث «وفاة» أو «اغتيال»، وبالتالي أهملوا تلك المعلومات و أصبحوا «شركاء» في الجريمة.
كيف يمكن تجاهل الروابط القوية والمعقدة في بعض الاحيان بين الدولتين منذ استقلال المغرب، والتعاون الوثيق في الكثير من الميادين،خاصة الميدان العسكري، والعلاقات الشخصية التي تربط بين كبار المسؤولين في البلدين.
وهكذا فالذين كانت لهم روابط مع المغرب أغمضوا أعينهم إما إرضاء لملك المغرب وإما لمكافأة الجنرال أوفقير على الخدمات التي قدمها خلال حرب الجزائر، وإما كإجراء المعاملة بالمثل بعد حادث تسليم بن بلة ورفاقه سنة 1956. ومن يعرفون دور المهدي بن بركة عبر العالم «كثوري يلعب دورا مهما في حركة التمرد العالمية» صمتوا ربما بسبب «معاداة الشيوعية» او التعاطف مع الولايات المتحدة، واخيرا الذين كانوا يعادون الجنرال دوغول من قدماء «منظمة الجيش السري» (OAS)، الذين يسعدهم تلطيخ سمعة دوغول قبيل الحملة الانتخابية التي كانت على الابواب.
علينا ان لاننسى ان المهدي اختطف يوم الجمعة 29 اكتوبر،أي في بداية نهاية اسبوع طويل (أعياد كل القديسين Tousaint) المعروف عادة بالهدوء وتأجيل العمل... حيث يتوقف العمل تقريبا في كل المصالح الادارية بما فيها مصالح الشرطة وهو ما يفسر ربما تأخرها في التحرك حتى 2 نونبر، وهذا ربما يفسر انه لم يتخذ أي شيء «لحماية» الزعيم المغربي ولو من بعيد، رغم انه قد تم الاخبار بوصوله الى باريس عبر برقية لشرطة المطار.. إلا أن هذا «الاهمال» وعدم التحرك استمر أبعد من ذلك، اذ لم يتم اعتقال سوشون وفواتو إلا بعد أيام، واعتقال فيغون تأخر لأسابيع ومغادرة المجرمين الأربعة بكل حرية الى المغرب.
وربما «حرب مصالح الشرطة» آنذاك (بين الحزب الشعبي، الإدارة العامة للامن الوطني، مصالح الاستعلامات الخارجية ومكافحة التجسس، مديرية مراقبة التراب، الشرطة الرسمية والشرطة الموازية وغيرها من جماعات الجريمة...) ربما تفسر الكثير من جوانب التقصير... وفي هذه القضية حيث كل طرف متورط بدرجة او باخرى، لم يتحرك احد، وربما هذا ما يفسر قرار دوغول بإعادة ترتيب وتنظيم مصالح الشرطة في الاجتماع الوزاري يوم 19 يناير 1966
لكن هذه الاوضاع التي كانت سائدة آنذاك لا تفسر كل شيء... وسنحاول استعراض الادوار المحتملة لبعض الذين ذكرت اسماؤهم في الملف من الفرنسيين.
انطوان لوبيز: يبدو دوره في العملية محوريا وخطيرا، ويصفه بابون امام قاضي التحقيق راماييل بكونه عامل الاختطاف.. والرجل المحوري، قائد الكومندو الذي اعد عملية الاختطاف بتعاون مع المغاربة، لوبيز هو الرجل الذي كان على علم بالعملية وأعدّ لها ماديا، الرجل المخبر لجميع المخابرات. كان يعمل مفتشا رئيسا لشركة اير فرانس في مطار اورلي منذ 1963 ، ومنذ 1965 شغل منصب رئيس المداومة، معروف لدى الجميع وحرّ في تحركاته داخل المطار، عميل للمخابرات الفرنسية، يقدم المعلومات عن وصول الشخصيات الاجنبية، لا سيما القادمة من المغرب، كان يتلقى الى جانب راتبه منحة بقيمة 500فرنك من مصالح المخابرات الفرنسية، وظل يتوصل بها حتى بعد سجنه.. دافع عن نفسه بأنه اخبر مصالح المخابرات الفرنسية بنوايا المغاربة....
كان رجل الاتصال لصالح ولاية الشرطة، بطلب من الوزير الاول جورج بومبيدو ،اختاره لوروا فانفيل شخصيا،. وكان على اتصال دائم مع مصلحة مكافحة المخدرات. التي يقوها سوشون وقدم خدمات مهم ة ساهمت في حل العديد من القضايا الشائكة، كان معروفا لدى جميع مصالح الشرطة في باريس، واستفاد مابين 1964 - 1965 من جواز مرور دائم، مسلم من طرف والي الشرطة بابون وهو عبارة عن وثيقة تخصص عادة للشخصيات المهمة... الا ان كل هذه الوثائق سحبت منه اثناء تفتيشه واستنطاقه من طرف العميد بوفيي، ولم توضع في ملف القضية.
كان عميلا مزودجا يعمل لصالح المغاربة، حاول الحصول على منصب مهم في شركة الخطوط الملكية المغربية بالرباط.. كان يسمح له بالاستمرار في تقديم المعلومات للمخابرات الفرنسية، لوبيز كان على صداقة وثيقة مع اوفقير. في غشت 1965 استقبل لوبيز وعائلته من طرف اوفقير بالرباط الذي وضع رهن اشارته اقامة وظيفية، وهو من سلم لأوفقير مفاتيح منزله يوم 30 أكتوبر وهو ايضا صديق الدليمي و الماحي، ويعرف جيدا عبد الحق العشعاشي وبوبكر الحسيني وصديق للعائلة الملكية... كان يتوفر على جواز مرور من طرف وزارة الداخلية المغربية سلمه له الدليمي يوم 29يونيه 1965 وهذه وثيقة تؤكد عمالته المزدوجة... لوبيز صديق لأوساط «المجرمين» و هو جار لعائلة بوشيش. و هنا تعرف على المجرمين لوني، دوباي، وباليس...
بخصوص يوم وقوع الجريمة يقول لوبيز إن «الأمر يتعلق بلقاء مع شخصية مغربية مرموقة.. نظرا لمعرفتي بمحاولات تفاوض بين السلطات المغربية وبن بركة... وأنه فهم ذلك من الرسميين المغاربة الذين جاؤوا إلى باريس لأمر يتعلق بالمهدي، كان المغاربة يريدون اتصالا مباشرا وسريا معه...».
في كتابه الثاني «اعترافات جاسوس» يكشف لوبيز معطيات مهمة مثل أن «الجنرال أوفقير لم يكن ضمن ركاب... أورلي يوم الجمعة 29 أكتوبر علي الساعة الثانية صباحا ، ولكن مغربيا طلب مني الذهاب به عند بوشيش، وخلال الرحلة قدم نفسه، كان اسمه الحسيني.. كان ممرضا...» لكنه لم يذكر ذلك أمام القاضي،مثال آخر يقول لوبيز في كتابه«نزلت طائرتان للشحن تابعتين للجيش المغربي، بعد وقت قليل من هبوط طائرة الرحلة العادية القادمة من الدار البيضاء (الطائرة التي وصل على متنها أوفقير يوم السبت على الساعة الخامسة) لماذا لم يذكر هذه الواقعة أمام القاضي.
مثال آخر «كانت الساعة حوالي السادسة مساء عندما أوصلت أوفقير عند بوشيش ثم عدت الى منزلي، وهنا قررت الاتصال هاتفيا بلوروا فانڤيل (مشغله في الاستخبارات الفرنسية) وهو من ردّ على الهاتف. قلت له سأغيب إلى منطقة لواري، هل تستطيع أن تضع أحدا مكاني لمتابعة العملية؟» وهذه كذبة أخرى لأنه لم يتأكد حصول أي اتصال من منزله في تلك الساعة.
مثال آخر: «يوم 10 أكتوبر، قررت تأخير اقلاع الطائرة المتوجهة إلى جنيف..، وأنا أعبر المطار التقيت وجها لوجه مع الشتوكي وفيغون. كان واضحا انهما قررا هذه المرة تحاشي المرور عبري.. صعدت الطائرة.. رأيتهما جنبا إلى جنب ولكنهما لم يكونا وحدهما... غير بعيد عنهما كان يجلس مغربي آخر أعرفه جيدا: أحمد الدليمي.. سجل نفسه ضمن الرحلة تحت اسم الحسين.. قررت وقتها أن أذهب بدوري إلى جنيف..» وهذا خطأ في التاريخ، لوبيز سافر إلى جنيف صحبة بوشيش يوم 6 أكتوبر 1965. ولكن حتى إن كان ما قاله صحيحا لماذا لم يخبر به القاضي زولينغر.
مثال آخر: «الأحد 31 أكتوبر، استيقظت على الساعة 5 صباحا.. محمد أوفقير دخل غرفتي دون أن يطرق الباب.. قال لي هل تعلم، لقد وقعت كارثة، يجب أن تعلم أنني اتصلت بفري لهذا الغرض، إن سمعة الملك في الميزان. أنا لا أ جهل أنك تشتغل لحساب المخابرات الفرنسية، والمخابرات المغربية والفرنسية توجدان يدا في يد في هذه القضية...» ومرة أخرى، إذا كانت هذه الأقوال صحيحة لماذا لم يدل بمعلومات بهذه الأهمية أمام القضاة الذين سألوه خلال المحاكمتين؟...
والأكيد في نهاية الأمر أن لوبيز تكلم وربما تكلم أكثر من اللازم ولم يقل أبدا كل ما يعرف عن القضية. وكما قال محاميه خلال المحاكمة الأولى: «لوبيز أكثر دهاء، لوبيز الذي يعرف كل شيء لن يقول لنا شيء، لأنه إذا أخبرنا باغتيال المهدي سيكون متابعا بالمشاركة في الاغتيال وليس فقط بتهمة الاحتجاز».
بعض تصريحات لوروا فانڤيل يمكن أن توحي بذلك. ولكن السلطات الفرنسية لم تقم بأي شيء لطلب تسليمهم من السلطات المغربية، ولم تهتم السفارة الفرنسية بالرباط بتواجدهم فوق التراب المغربي. وحسب بعض المصادر، تلقى أحدهم (باليس) العلاج في الرباط على يد أحد الأطباء الفرنسيين من أصول جزائرية وهو طبيب السفارة... والكاب 1...
هل تخشى السلطات الفرنسية من أن يكشف هؤلاء تورطهم في عدة عمليات موجهة من المخابرات الفرنسية بشكل أو بآخر. ألم يتركهم «مشغلهم» يواجهون مصيرهم؟...
بيرنيي
حالته خاصة، وقد تمت تبرئته، لقد استُعمل بطريقة غير مباشرة، كطعم في اختطاف بن بركة، خلال التحقيق قالت زوجته لا أعتقد أن له علاقة باختفاء رجل كان صديقه.... يبدو أنه لم ينتبه أن هناك من كان يستعمله... دوره يتمثل في أنه تلقى معلومة الموعد الذي حدده بن بركة، ونقله أي أن دوره لم يكن إيجابياً.
بحثاً عن مسؤولين فرنسيين
في مستويات عليا
حسب أقوال العميد كاي، والوالي بابون ووزير الداخلية فري... لم يكونوا يعلمون شيئاً عن هذه القضية حتى صباح 2 نونبر 1965، وفي أحسن الأحوال حتى 31 أكتوبر... لكن عدة تصريحات ومعلومات واعترافات أطراف أخرى في السنوات الأخيرة تكذب ذلك.
بعد «العملية» تم تنقيل العميد «لوسيان إيمي بلان» إلى مصلحة البحث والتدخل BRI التابعة للأمن الوطني، وكان زميلا لسوشون وفواتو، اكتشف بالصدفة في ربيع 1966 في ملف عنوانه «إقامة نيل» معلومات عن نقل مكالمات هاتفية «للمجرمين» فيغون، لوبيز، والماحي،ويؤكد «إيمي بلان» في كتابه أن مراقبة مكالمات هذا «الفندق الخاص» استمرت من 10 شتنبر الى 25 أكتوبر، أي عشية اختطاف المهدي.
وآخر مكالمة يذكرها في كتابه تعود إلى 23 أكتوبر. وفي شهادته أثناء المحاكمة الأولى، يقول مسير هذه الإقامة لوي شاتاني إنه استقبل ليلة 25 أكتوبر لوني، باليس، دوباي، الماحي، بوشيش، لوبيز ومغربيين. واعترف لوبيز في أحد استنطاقاته أنه جرى في ذلك اليوم اجتماع تحضيري لتنظيم اختطاف المهدي بن بركة.
هذه المكالمات تكشف نقاشات بين لوبيز وبوشيش أو باليس، وهذا الأخير وفيغون ولومارشان، تتحدث عن مواعيد مع الماحي، لقاء عند أوفقير، سفر بن بركة إلى جاكارتا، صدام مسلح مباشر (بين المجرمين والعملاء المغاربة) ليلة 24/23 أكتوبر في أورلي، دور لومارشان لمساعدة لوني للخروج من ورطة هذه المعلومات كانت موجهة لمصالح الشرطة وليس لتنفيذ عمل إجرامي، ولم يتم تسليمها إلى الشرطة لإخبار الفرقة الجنائية، لكن بعد اختفاء المهدي لماذا لم يتم تسليمها إلى القاضي المكلف بالتحقيق؟
يقول إيمي بلان «كنت شاهدا قريبا من الملف، كان لي اهتمام خاص بهذه القضية، نقلت جزءا من هذه المكالمات التي تهم القضية واحتفظت بها مبدئيا، المكالمات لم تكن من اختصاصه، وبالتالي لم يذكرها أمام القاضي ولا حتى أخبر بها رؤساءه، ورغم ذلك كان يعرف، كما اعترف امام القاضي راماتيل أن سيمبيل كان يبحث عن تقرير سوشان يتعلق بمراقبة فيغون بشارع نيل ويعتقد أنه كان يريد اخفاءه.. لماذا؟..
وفي كل الاحوال فهذه المكالمات تؤكد على الاقل أن وزير الداخلية كان يعلم بأن عملا سيئا ما ضد المهدي بن بركة كان يجري التحضير له، رغم لاشيء يؤكد ان الشرطة الفرنسية كانت متورطة بشكل مباشر في عملية الاختطاف.
ولكن لماذا لم يسلم وزير الداخلية فري هذه التسجيلات الى القاضي؟ لماذا لم يتحرك ويطلب من المصالح التابعة له مراقبة جميع تحركات المهدي اذا ما دخل التراب الفرنسي؟ وحسب ايمي بلان: «عناصر الاستعلامات العامة الفرنسية التي كانت تراقب تحركات المهدي حضرت دون ان تتدخل في عملية اختطاف المهدي، هل من أجل مراقبة السير الحسن لعملية لم تكن هناك أدنى نية في افشالها؟...
دور بيير لومارشان
التحقيق يضعه في قلب قضية بن بركة، البعض يعتبره «العقل» في هذه العملية. تقدم لومارشان يوم 18 نونبر 65 طواعية أمام قاضي التحقيق بعدما أثار اسمه لوبيز يوم 16 نونبر ، حيث نفى بشكل قاطع الاتهامات المنسوبة إليه. لوبيز اتهمه مجددا «منذ البداية، اعتقد أن الشتوكي كان له اتصال مع وزارة الداخلية، وفي دهني ان هذا الاتصال تم بواسطة لومارشان الذي كنت اعرف انه صديق فيغون. ومن غير المستحيل ايضا ان يكون فيغون هو من تحدث مع لومارشان عن العملية. وتأكدت قناعتي هذه عندما رأيت فيغون ولومارشان معا مسافرين إلى جنيف، ويقدم فيغون لومارشان كغطاء للعملية.
في أبريل 1966، كشف دوروجي علانية أنه في «21 اكتوبر، أي 8 أيام قبل الاختطاف، تناول لومارشان الغذاء صحبة جيرالد غويي (صحفي بصحيفة «مينيت») الذي قال له «فيغون يشتغل على عملية مع المغاربة» وأجابه النائب والمحامي لومارشان «لاتهتم، يتعلق الامر ببن بركة». وخلال المواجهة بين لومارشان وغويي، أصر دوروجي على اقواله. وبطبيعة الحال أصر لومارشان على النفي.
لكنه رغم ذلك لم توجه له أية تهمة، بل حتى إهانة المحكمة ، لأنه كذب عليها طيلة شهرين ونصف. وخلال الجلسات لم يستدع لومارشان رغم ذكر اسمه من طرف العديد من الشهود. ولم تتم معاقبة لومارشان سوى بشكل مباشر، التشطيب عليه مدى الحياة يوم 16 مارس 1966من طرف مجلس هيئة المحامين الذي اعتبر ان نشاطاته تتعارض مع المهنة» وهي العقوبة التي خفضت الى 3 سنوات وعدم تجديد ولايته الانتخابية.
ومازال لومارشان يصر على النفي، حيث يقول «أي سر دنيء هذا يمكن ان احتفظ به بخصوص اختفاء رجل محترم و«حدث سياسي عادي» لم أتورط فيه، إلا لأنني كنت صديقا لمجرم من عائلة محترمة اسمه فيغون...».
مسؤولية مصالح الأمن
مسؤوليتها لا تقف فقط عند العنصرين المحكوم عليهما بالسجن (سوشون ولوبيز) ولا عند فواتو الذي تمت تبرأته، لكنه أقيل من وظيفته في يوليوز 67 بسبب «أخطاء مهنية» ولا عند الأحكام الغيابية في حق بوشيش، لوني، دوباي، وباليس (المجرمون) ولا عند فيغون الذي انتحر.
مسؤولية سوشون
لوبيز قدم خدمات كثيرة لسوشون، هذا الأخير الذي لم يكن يعرف مثل كثيرين من يكون المهدي بن بركة، حسب أقواله، لوبيز قال له بأن هذه القضية تحظى بغطاء كلي، وانه سيتم اخبار رؤسائه بالظروف المناسبة من طرف من يعنيهم الامر. خلال مواجهته مع الطرف المدني اكد سوشون، لم يكن في نيتي ان اشارك في عملية اجرامية، ولكن طلبت مني خدمة وقبلت الاستجابة لها. ألم يتوصل بمكالمة هاتفية واخذ سيارة المصلحة ليتوجه الى الموعد في شارع سان جيرمان؟ وفي سن 49 لم يكن مبتدئا ولا بليدا. فإذا كان قد ارتكب هذا الخطأ.. فمعنى ذلك انه لم يكن يعتبره كذلك. ولماذا لم يشر بوفييه الى التقرير الذي سلمه له سوشون عن فيغون، ولماذا نصحه بعدم ذكر اسم المخابرات الفرنسية ولا اسم فوكار.
يقول سوشون انه خلال اعترافاته الاولى لرؤسائه، انه تلقى تطمينات بالاعتماد عليهم. وبعد استنطاقه من طرف القاضي زولينغر واعترافاته لم يكن الأمر كذلك، لقد تخلى عنه رؤساؤه كما قال، والضربة جاءت من بابون الذي قال في كلمة امام المجلس البلدي (15 مارس 1966) «جنديان تائهان لا يجب ان يورطا كل ولاية الامن... الشرطيان سوشون وفواتو خائنان وضالان» كلمات قاسية، تبناها وزير الداخلية فري امام البرلمان قائلا «الآلاف من موظفي الشرطة والأمن النزهاء والمخلصين للمصلحة العامة، احسوا بخيانة اثنين منهم كالجرح».
بعد خروجه من السجن، يقول المحامي بوتان، طلب سوشون مقابلته وتحدث مجددا عن دوره في القضية واكد انه كان يوجد خط داخلي مباشر بين الشرطة القضائية ووزارة الداخلية، وبالتالي لا يمكن ان يكون قد تلقى الاتصال الهاتفي من هاتف عمومي كما قيل. وحول هذه النقطة الجوهرية لم تكن اقوال سوشون امام القاضي واضحة. هل تلقى «وعودا» مسبقة، اذا لم يقل كل الحقيقة ألم تكن الشرطة متورطة مباشرة في القضية، على الاقل بعلمها المسبق بمشروع «تدخل» يهم شخص المهدي بن بركة، تقف وراءه الشرطة المغربية. سوشون انتقد ايضا رؤساءه وبوفييه، وحسب اقواله، قال له كل شيء، لكنه يدون كل تصريحاته في محضر الاستماع.
دور فيغون، بوشيش، لوني، باليس، دوباي
لاشك في تورطهم في القضية، إما من أجل المال او للاستفادة من فتح بارات ودور الدعارة بالمغرب. علاقة الاربعة (بوشيش، لوني باليس ودوباي) بالمخابرات المغربية أكيدة بالنظر لما وقع لهم فيما بعد، ولكن ألم يكونوا كذلك على علاقة بالمخابرات الفرنسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.