بمناسبة الذكرى الاولى «لاختفاء» المهدي اعلنت منظمة تضامن القارات الثلاث في بلاغ لها أن «الولاياتالمتحدة متهمة مباشرة أمام الرأي العام العالمي بأنها المدبر الرئيسي لجريمة الاختطاف والاغتيال، والجنرال أوفقير متهم بكونه المنفذ بمساعدة مجرمين دوليين ومحترفين.» ويجب أن نتذكر الوضع آنذاك، فمن كوبا قبل 4 سنوات كانت ستندلع حرب عالمية ثالثة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي بعد نصب صواريخ نووية روسية في الجزيرة ...ومؤتمر القارات الثلاث لم يكن تهديدا من نفس الحجم بالنسبة للولايات المتحدة ولكنه كان استفزازا حقيقيا لها. اضافة إلى أن بن بركة قال خلال مؤتمر بهافانا يوم 3 اكتوبر 1965 أن تياري الثورة العالمية سيكونان ممثلين في المؤتمر: التيار الصاعد من ثورة اكتوبر والتيار البارز من ثورة التحرير الوطني... »ومثل هذا المد الثوري على أبواب الولاياتالمتحدة كان استفزازا غير مقبول. ومنذ بداية 1965 عززت الولاياتالمتحدة تواجدها العسكري في فيتنام. وفي نهاية السنة كان أزيد من 175 ألف رجل متواجدين في الميدان. لم يكن الوضع أفضل في أمريكا الجنوبية وأمام خطر اندلاع حرب أهلية. في الدومنيك وشبح قيام كوبا جديدة بالقرب من الولاياتالمتحدة، تدخلت الولاياتالمتحدة من خلال إنزال المارينز والقصف الجوي. ويحلل المؤرخ روني غاليسو بدقة هذه الوضعية قائلا: «باللجوء الى القوة المسلحة والعمليات السرية (سلسلة اغتيال زعماء سياسيين والانقلابات) وفرض دكتاتوريات او إشعال حروب تدخل، مورست في تلك الفترة... نوع من «الصراع الطبقي العالمي» كان البحث عن التحرر يدفع الى الامام حركات التحرر ومنها حركة القارات الثلاث التي حاولت التقاط الامكانيات التقدمية.. وفي سياق هذا المد الثوري لمنظمة القارات الثلاث يوجد السبب العميق لاختطاف واغتيال المهدي بن بركة... الاكيد ان الولاياتالمتحدة لايمكنها الا أن تتمنى اختفاء الزعيم المغربي.. ويعتقد أن مخابراتها هي التي ألحت لدى الحسن الثاني لكي تتم العملية في فرنسا. عشية الحملة الرئاسية لدجنبر، قبل ان يعلن دوغول ترشيحه، هل هذا المعطى صحيح؟ هل كان فعلا قادة المخابرات الامريكية يأملون إغضاب دوغول الذي لم يترشح،مفضلين وصول وزيره الاول جورج بومبيدو؟ ولكن هذا يعني أنهم لايعرفون جيدا دوغول. في ماي 1965، انتخب بن بركة رئيسا للجنة التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاث، هل كان تلك الفترة التي اخبرت الولاياتالمتحدة الملك الحسن الثاني عبر المخابرات المركزية، بضرورة التخلص من معارضه الاول الذي كان يتجرأ على مشاكستهم في مناطق نفوذهم؟ ألم يحاول المغاربة اقناع فيديل كاسترو بمنع بن بركة من دخول كوبا؟ صحيح ان الحسن الثاني لم يكن يريد رؤية بن بركة من خلال هذا المنبر، ان يصبح في أعين العالم أجمع أحد زعماء العالم الثالث! ويرى روي موراتي ان «الملف» الامريكي هو الذي حظي بموافقة الملك وكان واضحا أنه في حالة الفشل لسبب او لآخر - كما هو حاصل - فإن ذلك ستكون له عواقب على العلاقات الفرنسية المغربية - كما حصل ايضا. وكان من الافضل اتباع نصائح بلد يتكفل بتبعات مختلف المساعدات المالية والاقتصادية الفرنسية،أفضل من الولاياتالمتحدة التي كانت مخابراتها متجدرة في المغرب منذ الاستقلال؟ ويذكر مراسل الدايلي اكسبريس في الرباط (26 يناير 1966) ان المخابرات الامريكية تقيم علاقات وثيقة مع أوفقير، ودون التدخل مباشرة، أخبروا من طرف المغاربة باختطاف المهدي بن بركة، وحسب صحيفة «التايم» (29 دجنبر 1975) فإن السفير الأمريكي في الرباط هنري تاسكا ربما لعب دورا من أجل إشراك ممثلي المخابرات الأمريكية في مشروع المغاربة بإعادة بن بركة حيا إلى المغرب.. إلى حد أنه وبعد 24 ساعة على عودته من باريس أي يوم 6 نونبر 1966، كان الجنرال أوفقير وزير داخلية جلالة الملك يتناول الغذاء صحبة السفير الأمريكي...» دوغول في ندوته الصحفية حمل المسؤولية للحكومة المغربية، ولم يذكر أي شيء عن دور محتمل للمخابرات الأمريكية، وعلمت، يقول بوتان، من مصدر مؤكد بأنه أعطى تعليمات لمصالح السفارة الفرنسية بالرباط، بالقيام بأبحاث في هذه النقطة، دون جدوى. في الأصل امكانية تورط المخابرات الأمريكية جاءت من جاك بيرك الأستاذ بكوليج دوفرانس، ودفيد روسي الديغولي اليساري وهما صديقان كبيران للعالم الثالث. وللحقيقة، وبعدما أعدت قراءة مئات الصفحات المتعلقة بهذه القضية، ومحاضر قضاة التحقيق المتعاقبين، وملف المخابرات الفرنسية - كما هو مطروح في الملف - لم أجد ولو سطرا واحدا عن الدور المحتمل للولايات المتحدة أو مخابراتها في العملية، والشهادات التي أثارها دانييل غيران في كتابة لم تقنعني.. شارل أندري جوليان رد على من طلب منه دعم فرضيته قائلا «كل هذه الأقوال هي قيل (..) ليست لها أدنى قيمة بالنسبة للمؤرخ (...) ليس هناك أي دليل، أنا لا أكن أدنى تعاطف مع المخابرات الأمريكية. في الرسالة التي نشرها في جريدة لوموند في نفس الفترة، أوضح شارل أندري جوليان «اعتقد أن فرضية المخابرات الأمريكية يعطي ذريعة مريحة للمسؤولين الفرنسيين والمغاربة، يبدو لي المشكل فرنسيا مغربيا». في النهاية، أعتقد أن أرشيف الولاياتالمتحدة وحده قد يخبرنا عن الدور الذي من الممكن أن تكون قد لعبته المخابرات الأمريكية في هذه القضية، تصور العملية؟ «نصائح» مقدمة لملك المغرب بالتحرك من خلال «مخابراته» وربما بارتباط مع بعض رجال المخابرات الفرنسية المناهضين لدوغول؟ تقديم الأموال؟ وماذا ايضا؟ مؤخرا تم رفع السرية عن أرشيف سنوات 60، حسب القانون الأمريكي الذي يعطي الحق لكل مواطن في الإطلاع على وثائق تتوفر عليها كل الإدارات، ولكن بشكل مثير، ليست هناك أية وثيقة تتعلق بهذه القضية، ربما بذريعة تفادي المساس بالأمن القومي. كما أن طلبا آخر وجهه البشير بن بركة الى باراك أوباما يوم 21 يوليوز 2009، مازال حتى الآن دون جواب.