حسب بوتان، إن تصريحات الحسن الثاني لا تعفيه من المسؤولية في «القضية». إذ صرح الدكتور كليري، في دجنبر 2005، أثناء الاستماع إليه من قبل القاضي راماييل:أن «الاختطاف تقرر في اجتماع عقده مع أَوْفى المساعدين، وهذا ما حكاه لي الجنرال مولاي حفيظ. حضر الاجتماع، الجنرال مولاي حفيظ، كل من أوفقير وشخصين آخرين أجهل اسميهما. (...) وساعات بعد الاختطاف، قال لي نفس مستشار الملك شخصيا: انتهى بن بركة، لقد قبضنا عليه». هكذا، يضيف المحامي، فالحسن الثاني يتحمل أمام التاريخ، مسؤولية كل ما كان يمكن أن يحصل لزعيم المعارضة. أما الظروف التي أحاطت باتخاذ مثل هذا القرار، فهي: الاتصالات مع سفارة فرنسا بالرباط لطلب «استرجاع» المهدي بن بركة من طرف المخابرات الفرنسية، سقوط بنبلة، تنظيم مؤتمر القمة العربي بالبيضاء، إرادته في أن يبرز للعالم أنه «السيد: الوحيد في المغرب وذلك قبيل انعقاد مؤتمر القارات الثلاث ... الخ». وبعد عملية الاختطاف، يضيف بوتان، هناك عدة وقائع تؤشر على المسؤولية المؤكدة للدولة، حيث صرحت كذبا حول توقيت علمها بالجريمة، البطء في مطالبة فرنسا بكشف كل ملابسات اختطاف المواطن والزعيم المغربي الأكثر شهرة في العالم، الاختطاف الذي حصل في قلب باريس. ويضيف الكاتب إلى هذا مقتطفا من كتاب «ذاكرة ملك» قال فيه الحسن الثاني إن الندوة الصحفية التي عقدها الجنرال ديغول ، عقب الاختطاف، لم تترك له الوقت ليقوم برد فعل وطلب توضيحات من فرنسا، ذلك أن كلمات الجنرال كانت غير مقبولة. والواقع أن المهدي اختطف يوم 29 أكتوبر 1965، بينما لم يعقد ديغول ندوته إلا في 21 فبراير 1966. وفي السياق ذاته، يبرز المحامي عدة مؤشرات أخرى من بينها : فرض الصمت على الصحافة المغربية ومنع الصحف الفرنسية طوال أسابيع، رفض تسليم بوشيش، رفض مثول أوفقير والدليمي أمام القضاء الفرنسي، القرار المفاجئ القاضي بتعيين أحمد بلحاج، نقيب هيئة المحامين بالرباط ومساعد بوتان في جميع المحاكمات السياسية، على رأس المكتب الشريف للفوسفاط في يوم 29 أكتوبر 1965 بالذات، استقبال المجرمين الفرنسيين الأربعة ومراقبتهم مراقبة لصيقة مع السماح لهم بتسيير حانات ودور دعارة، قبل تصفيتهم بعد سنوات... ومن المحتمل أن يكون قرار الاختطاف، يشرح بوتان، بعد نصيحة من طرف المخابرات الأمريكية وإقناعه من قبل لوبيز بأن بعض أطر المخابرات الفرنسية، إن لم يكن الجهاز برمته، متفقون على العملية. وفي هذا الإطار، وحسب أرشيف سفارة باريس بالرباط المحفوظ حاليا بمدينة نانت، فإن الجنرال المذبوح صرح للسفير جيلي: «اعتقدت الأجهزة المغربية التي نفذت العملية، بحسن نية، أن زميلتها الفرنسية موافقة على الأمر، وقد أخطأت في هذا». وإذا كان الحسن الثاني قد قال إن قضية بن بركة «قضية فرنسية فرنسية»، فإن ادريس البصري كرر نفس المقولة أمام القاضي راماييل حين استماعه إليه يوم 22 ماي 2006. ووفق بوتان دائما، فالملك الراحل صرح للكولونيل تويا في يناير 1966: «حتى إذا افترضنا مسؤولية أوفقير عن اختفاء بن بركة، فإن العملية كانت قانونية. والقرآن يؤكد أنه لا يجب التردد في التخلص من الثلث لإنقاذ الثلثين». ولنفس الكولونيل، قال الملك الراحل بحضور الأمير مولاي علي بمفرده، في 28 يونيو 1966: «لماذا تريد أن أشفق على مصير منتفض لم يكن يبتغي سوى شيء واحد: إثارة ثورة في المغرب لصالح أعداء بلدك وبلدي». وعن الجنرال أوفقير، يكتب بوتان أن الأحياء، من بين المشاركين في عملية الاختطاف، هم الوحيدون الذين يعرفون بدقة دوره، مؤكدا أن تجربته المغربية تجعله يعتقد أن الجنرال الدموي كان مجرد منفذ... هكذا، حين علم أوفقير، في الساعة الثالثة من بعد زوال الجمعة، وهو بالرباط، بخبر اختطاف المهدي، فإنه توجه توا إلى فاس للقاء الحسن الثاني . وهو ما فعله أيضا مساء نفس اليوم بعد اتصال لوبيز به ورده عليه: سأذهب حالا لمقابلة «الباطرون». وحسب بوتان، فالجنرال قام بزيارة فرنسا عدة مرات رغم مذكرة اعتقاله، وخاصة مدينة سان تروبي السياحية خلال صيف 1969 حيث التقاه صدفة المحامي جافري الذي أخبر الكاتب بذلك. من جهتها، صرحت فاطمة أوفقير، زوجة الجنرال، للقاضي راماييل أثناء استماعه لها في 24 يناير 2007: «يوم 29 أكتوبر، قال لي زوجي السابق إن عليه الذهاب إلى باريس على وجه الاستعجال وأن الملك هو من أمره بذلك. (...) وقد قال لي لاحقا (أيضا) إنه لم يقتل بن بركة وأن التاريخ بمفرده سيصدر حكمه في الموضوع». يكتب بوتان، كذلك، أن تبرئة الدليمي من طرف القضاء الفرنسي تعتبر خطأ، متسائلا عن عدم تنفيذ الإنابة القضائية في حق المغاربة الأحياء المتهمين بالمشاركة في عملية الاختطاف ليكشفوا ما جرى، شرط أن يقولوا (أو أن يسمح لهم بقول) الحقيقة.