كان يشغل منصب السكرتير العام لرئاسة الجمهورية، مكلف بالشؤون الافريقية والملغاشية. كان رجل ثقة الجنرال دوغول، هل كان على «علم» بالقضية حسب تعبير لوبير؟ سوشون قال إنه لم يشارك في العملية التي طلبها رجل المخابرات الفرنسية إلا أن هذا الاخير ألمح له بأن العملية تحظى بتغطية من أعلى. فيليب دوغول يقول نقلا عن والده توحي بعكس ذلك: «فوكار المسكين هذا. في رسالة مجهولة، توصل بها القاضي زولينغر بتاريخ 17 فبراير 66، كتبت إحدى صديقات فيغون تقول «جورج حيا أفرغ ما بجعبته، كاي ولومارشان لم يكن باستطاعتهما بلوغ هدفهما المتمثل في إبعاد التهمة عنهما وعن وزير الداخلية.... بتحميل (SDECE) المخابرات الفرنسية كل المسؤولية في هذه القضية...». أما بابون في إفادته أمام القاضي، قال «المخابرات الفرنسية لم تخبرنا في أية لحظة بوجود تهديدات ضد المهدي بن بركة»، وكل مسؤولي الأمن أجمعوا على التأكيد بأنه لو أعطت المخابرات المعلومات التي كانت تتوفر عليها، لاتخذت الاجراءات الضرورية لحماية بن بركة، بمعنى ابحثوا عن المسؤولين بعيداً عنا. ولكن ألم يكن هناك إحراج لديهم جميعاً، لأن موظفين تابعين لهم شاركا في اختطاف المهدي بن بركة، وأنهم كانوا يتوفرون قبل الاختطاف على معلومات من فيغون؟ يقول الأستاذ إيف جافري في كتابه: «الملفات القضائية الكبرى في القرن 20»: «في بداية أكتوبر 1965، كانت مصالح مكافحة التجسس تتوفر على ملف متكامل حول مشاريع اختطاف بن بركة... مصالحها اقترحت على المغاربة الإشراف على العمليات... وهكذا وبشكل مثير، تم تنفيذ عملية اختطاف في قلب باريس، بينما كانت المصالح الفرنسية ليس فقط على علم، بل كانت طرفا فيه». ما قاله الماحي دقيق، ولكنها أقوال وشهادات لا تقدم الدليل... الأكيد أن اختطاف المهدي بن بركة أعد له المغاربة بتواطؤ مع لوبيز رجل المخابرات الفرنسية وأربعة مجرمين سبق أن اشتغلوا مع المخابرات الفرنسية، يتوفرون على بطائق رسمية. ولكن ما هو دور مصلحة المخابرات نفسها؟ الأكيد أن مديرها الجنرال جاكيي، ديغولي الميول، كان يجهل كل شيء عن هذه العملية، قبل أن يتم إخباره بالاختطاف، عشية 31 أكتوبر. تبقى تحركات بعض رجال المخابرات، وربما بعض مصالح المخابرات الفرنسية. ويطرح منذ البداية السؤال التالي: هل تم الاتفاق بين المخابرات المغربية وهذه العناصر الفرنسية بأن عناصر مخابرات مغربية بمساعدة «مجرمين» فرنسيين، يقضي باختطاف بن بركة وإعادته إلى المغرب حيا؟ ما هو المستوى الذي توقف عنده هذا «التواطؤ الإيجابي» من أجل تنفيذ هذه «العودة القسرية»؟ من هي الشخصيات مثلا التي التقت أوفقير يوم 21 أبريل 1965 بفندق «كريون»؟ ما هو موضوع هذا اللقاء؟ أم أن هذه العناصر كانت على علم، وتحركت الأمور تجري دون تدخل ،أي أنها متواطئة «سلبيا» ،أم أنها كانت على علم بواسطة لوبيز، وتركت العملية تنفذ فقط بسبب الإهمال غير البريء أو ضعف داخل هذه المصالح؟ علينا أن نتذكر أن العلاقات بين أوفقير وممثل المخابرات الفرنسية في الرباط أو أحد مساعديه العقيد جاري، علاقات قديمة، حيث أخذت بعداً آخر وأصبحت استخباراتية خالصة بعد شتنبر 1959، أي بعدما انفصلت المعارضة المغربية عن حزب الاستقلال وأصبحت قوة لها وزنها، حيث طلب أوفقير مساعدة السفارة الفرنسية في شكل معلومات سرية تساعد القصر على مواجهة قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل والحزب الشيوعي المغربي، وعلى رأسهم المهدي بن بركة. في 14 شتنبر وافق المدير العام للمخابرات الفرنسية على طلب أوفقير، شريطة أن يلتزم هذا الأخير بتقديم معلومات عن جبهة التحرير الوطني (الجزائرية)، وحتى نهاية 60 ظل أوفقير يقدم الكثير من المعلومات عن إمدادات السلاح لفائدة جبهة التحرير الوطني... هذه الاعتبارات رغم أهميتها لا تؤكد مع ذلك التواطؤ المباشر في قضية المهدي... ففي رسالة الى الوزير الأول بتاريخ 13 يناير 66، يقول مدير المخابرات الفرنسية الجنرال جاكيي الى الوزير الأول، أنه «قبل اختطافه لم يكن شخص المهدي بن بركة يهم مصالحه... ولو تم الاختطاف في سويسرا أو مصر أو غيرها... كانت المخابرات الفرنسية ستسجل الحدث وتبحث انعكاساته السياسية... حول السياسة الداخلية في المغرب. المخابرات لم تخبر السلطات الحكومية الفرنسية بوجود مشروع اختطاف في فرنسا، بل بإمكانية تنفيذه، لأنها لم تكن تتوفر على معلومات تسمح لها ببلوغ هذا الاستنتاج». وفي دراسة نقدية للمعلومات التي قدمها لوبيز أنجزتها المخابرات الفرنسية عقب الاختطاف تقول إن «بن بركة كان مهدداً منذ عدة سنوات مثله مثل جميع رؤساء الدول لاسيما رؤساء العالم الثالث وزعماء المعارضة والمخابرات كانت تتلقى بعض المعلومات عن مشاريع اختطاف أو عمليات... بهدف تسميم الرأي العام أو إفزاع المعنيين، وفي نفس الدراسة، وبخصوص مشروع «استعادة بن بركة»، تشير المخابرات الفرنسية أن «لوبيز يؤكد المهمة الموكولة للجنرال أوفقير في شهر أبريل 1965، المتمثلة في الاتصال مع بن بركة، بأمر من الملك (الدراسة تؤكد على هذا المعطى)، ولكن ماذا تعني كلمة «استعادة»؟ هل تعني الاستعادة الجسدية لمنع بن بركة في مواصلة أنشطته خارج الحدود المغربية؟ هل تعني الاستعادة «السياسية» من أجل إشراك المعارضة المغربية في الحكم؟ ويوضح لوبيز في الأخير أن الجنرال أوفقير لم يتردد في أن يُسرَّ له برغبة القادة المغاربة بوضع حد لموقع بن بركة وفق أساليب غير سليمة». ربما هذه المعلومة أكثر وضوحاً ودقة ولكنها لا تعبر سوى عن رغبة الحكومة المغربية. ولكن بأية وسائل؟ من غير الممكن فهم أن الأمر يتعلق بتصفية الزعيم المغربي جسدياً». وتختم الدراسة بالتأكيد: «يمكن القول بأنه في كل الأحوال، فإن المعلومات التي قدمها لوبيز لم تكن لتسمح للمخابرات باستنتاج أن مشروع اختطاف بن بركة فوق التراب الفرنسي كان قيد الإعداد، وبالأحرى أن مصدر هذه المعلومات، يمكن أن يكون متورطاً في مثل هذا المشروع»، كما أن «لوبيز لم يشر في أية لحظة من اللحظات أن الأمر يتعلق بتصفية بن بركة». وكانت هذه الخلاصة هي ما دافع به الوزير الأول جورج بومبيد و رسمياً أمام الجمعية الوطنية يوم 6 ماي 1966، حيث قال: «... تمت دراسة كل وثائق المخابرات واحدة واحدة. ولم تتضمن أي منها، وبأي شكل من الأشكال أدنى إشارة تسمح بالاعتقاد بأن تهديداً ما يتهدد بن بركة». وتضيف وثيقة أخرى أنه «لو كان المشروع واضحا - تقارير 17ماي و22 شتنبر 8 و12 اكتوبر - لايجب أن ننسى أن بن بركة لم يكن لاجئا سياسيا في فرنسا ولا مقيما بها، بل يزورها بين الفينة والاخرى. وبالتالي إذا كان هناك مشروع اختطاف كان سيتم في بلد أجنبي...». ورغم أن هذه التفسيرات تبقى منطقية، فإن المخابرات الفرنسية مع ذلك لم تقم بتقييم دقيق للمخاطر المحدقة بالزعيم بن بركة. لقد أخبروا بذلك، ولم يقوموا بتحذيره رغم أن مصالح المخابرت كانت تعلم قبل أشهر بأن شيئا ما يحاك ضده.. فمنذ يناير 1964 طلب فوكار من الجنرال جاكبي (مدير المخابرات) التحقق من هذه المعلومات. هذا الاخير رد عليه (في رسالة 22 يناير 1964 ) كالتالي: «المعلومات التي تتوفر عليها المخابرات الفرنسية قليلة ودون رابط واضح، لكنها تشكل على الاقل مؤشرات مقبولة: 1) في بداية دجنبر 1963 عبر بن بركة لأصدقائه السياسيين الفرنسيين عن المخاوف التي يحسها.. 2) أحمد الدليمي مدير ديوان الجنرال أوفقير.. قام بعدة زيارات لسويسرا.. 3) في بداية يناير طلب الجنرال اوفقير مدير الامن الوطني من مكتب المخابرات الفرنسية في الرباط عنوان بن بركة... إشارة أخرى وجدت في ملف هيسمير تقول «...المخابرات الفرنسية كانت تتوفر على معلومات دقيقة نسبيا حول مشاريع اختطاف بن بركة بإيعاز من الجنرال اوفقير ومخابراته. هذه المعلومات تم نقلها الى فوكار يوم 22 يناير 1964 «جوابا عن سؤال طرح، بالمقابل لايبدو أنها نقلت الى مصالح الشرطة. وحده الجنرال جاكيي مدير مكافحة التجسس، ورجاله كانوا على اطلاع قبل 4 مارس 1966على عناصر هذا الملف» يوم 4مارس 1966،تم إطلاع مدير الأبحاث بهذه العناصر ،ثم بعده الجنرال غيبو ...الذي يعتقد أنه أمر بعدم إخبار ديوان وزير الدفاع بها...» يوم 21 أبريل 1965 عقد الجنرال أوفقير نفسه اجتماعا بفندق كريون بباريس مع «أصدقاء فرنسيين» ماذا جرى خلال هذا الاجتماع ؟يظهر من «وثيقة» داخلية أعدتها مصالح القراءة في المخابرات ،إشارات واضحة ومثيرة « هل كلف الملك أوفقير فعلا بهذه المهمة؟ وتستنتج الوثيقة في خلاصاتها أن « الأمر يتعلق بكل تأكيد بمهمة غاية في الأهمية حتى يبتعد وزير الداخلية عن المغرب لمدة أسبوع في هذا الوقت...» مصالح المخابرات الفرنسية لايمكنها الزعم بحسن نيتها عندما تؤكد في رسالة من الجنرال جاكيي الى الوزير الاول في يناير 1966 أن: «المخابرات حصلت على معلومات أخرى، دقيقة ومؤكدة، تفيد بأن الحسن الثاني كانت له نية أكيدة في تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة». هل يتعلق الامر بجهل حقيقي بالوضعية السياسية في المغرب آنذاك او بمحاولة الدفاع عن النفس بعد قوع المأساة؟ لكن الحقيقة كانت غير ذلك، وتشير وثيقة وجدت في ملف مسمير أنه «اذا كان هناك فعلا حوار بين القصر والاتحاد المغربي للشغل، فإنه لايمكننا ان نتحدث عن عقد بين القصر والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والوثيقة المنشورة يوم 24 ابريل تحت عنوان «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحسن الثاني» تظهر على عكس ذلك: ان مقترحات العاهل المغربي كانت تعتبر فارغة المحتوى من طرف اليسار المغربي». ويؤكد بيير هنري باسكال الذي كان مكلفا بمهمة في ديوان وزير الدفاع بيير ميسمير، الذي كلف منذ قرار إلحاق المخابرات بوزارة الدفاع بقيادة تحقيق حول تورط المخابرات الفرنسية في قضية بن بركة. في خلاصته بعد تحليل كل المعطيات: «دراسة مجموع الوثائق يظهر ان تعبير الجنرال دوغول: «لايوجد غير الصغار» تبدو لي واقعا حقيقيا. هذا الملف يعطي الدليل بأن تورط المخابرات في هذه القضية ناجم فقط عن تصرف فريق منحرف تماما وخلل في القيادة. هذه القيادة كانت عاجزة عن نقل معلومات حصلت عليها في السنوات السابقة، تتعلق بفرضيات اختطاف المهدي بن بركة، الى مصالح الشرطة ولا إلى السلطات السياسية». لوروا فانفيل المستهدف الاول والوحيد من مسؤولي المخابرات الذي توبع أمام المحكمة وتمت تبرئته. دافع عن براءته بعدة حجج: زعم أنه «لم يكن متخصصا في القضايا المغربية» رغم ان جزءا مهما من نشاطاته كانت تهم هذا البلد: في سنة 1950 كلف بإعداد مركز معلومات مهم حول افريقيا بأكملها في مدينة الدارالبيضاء.. زعم ايضا ان جميع مهامه لم تكن لها أية علاقة بقضية بن بركة. لكنه ذهب الى المغرب صحبة لوبيز.. وبالتالي فهو يعرف شخصيات على علاقة بهذه القضية. فهو الذي كلف أحد رجاله، بداية اكتوبر 1965 بحجز غرفة لزوجة اوفقير في فندق فيرني بالمقاطعة 16، ومن الواضح انه كان يعطي اهتماما خاصا لصداقة لوبيز مع اوفقير، وكان يشجع طموحاته المغربية كما يقول «من أجل دعم المكاسب التي يمكن ان تجنيها المخابرات الفرنسية». وذكر في استجوابه ان مصالحه «كانت مكلفة بالبحث عن المعلومات بوسائل خاصة... لكل دراستها واستغلالها وتفسيرها كان من اختصاص مصالح أخرى مختصة جغرافيا. وهكذا، حسب أقواله، لوبيز كان مكلفا «بمراقبة مرور بن بركة بأورلي، في إطار الهدف الاكبر وهو مؤتمر القارات الثلاث» ويعطي مثلا على ذلك «الوثائق المتعلقة بالاجتماع التحضيري للمؤتمر التي حصل عليها رجال في حقيبة الشتوكي العائد من القاهرة والتي تم تصويرها. ويضيف في دفاعه انه لم «يطلب أبدا من لوبيز القيام بمهمة معينة تتعلق بالمهدي بن بركة».. بل ادعى خلال المحاكمة الاولى ان لوبيز لم يكن تحت اشرافه لأن «مراسل» مصالح المخابرات لايتلقى أجرا، وهو تأكيد كاذب لأننا نعرف اليوم ان المخابرات الفرنسية كانت تدفع له تعويضا شهريا بقيمة 500 فرنك فرنسي منذ شهر يونيه 1961. فانفيل كشف أيضا معطيين مؤكدين ظلا سريين، من أجل فهم قضية بن بركة وبعد ذلك تصرف لوبيز والاشخاص، الذين شاركوا فيها حسب قوله: «1- بن بركة كان هدفا لشعبة التحرك: تابعت كملاحظ.. انشاء مهمة هذه الشعبة، التي كان من المفترض ان تصل إلى تحييد بن بركة، أجهل مصير هذه المهمة التي كانت تجري خلال حرب الجزائر. 2- صحيح انه لتنفيذ مثل هذه المهام. يتم استدعاء «مجرمين»... لقد تم استعمالهم وخاصة في المغرب ، ومن المثير ان من بينهم نجد جو آتيا وبوشيش. ومن المثير ايضا ان لوبير كان وقتها مسؤولا يعمل رئيس رحلات الخطوط الملكية بالمغرب.. هكذا يمكن ان نفهم اليوم علاقة لوبيز بالمجرمين، وهي العلاقة التي ظل لوبيز دائما يخفيها عني»! خلال استجوابه من طرف القاضي زولينغر، ذكر لوروا فانڤيل في مراسلتيه بتاريخ 17 ماي و22 شتنبر، الموجهتين إلى المصالح المختصة في أعقاب المعلومات التي تلقاها من لوبيز، ويؤكد كذلك أنه «لم يتوصل بوصل تسليم، ولم يتوصل بأي شيء بخصوص مراسلاته، لكنه علم بعد الأحداث أن رئيسه المباشر (بومون) اعتبرها مهمة لإرسال صورة منها إلى المصلحة المكلفة بالعلاقات مع الشرطة. هذه المصحلة لم تعتبر هذه المعلومات مفيدة لإخبار الأمن الوطني وولاية الأمن وأيضا مصالح وزارة الخارجية أو ديوان الوزير الأول... أليس هذا دليلا عن خلل في بعض المصالح أو ربما «تواطؤها السلبي».... مثل هذا التقصير غير مفهوم، خاصة وأن المخابرات الفرنسية «لم تكن تجهل بأن بن بركة كان في نونبر 1962، ضحية حادثة سير بالمغرب، تقول العديد من المعلومات المتطابقة، بأنها كانت محاولة اغتيال من تدبير مصالح الأمن المغربي بقيادة أوفقير. كما أن هناك معلومات أخرى تشير إلى أن بن بركة أثار عدة مخاوف على أمنه وكذلك عن محاولة اختطافه في جنيف». وهكذا يتأكد أن مصالح المخابرات الفرنسية كانت تتوفر على ملف متكامل حول بن بركة، بل نجد أنها كانت تتوفر على معلومات حول تنقلاته، لقاءاته، مختلف مسؤولياته سواء في المغرب أو فرنسا أو في أي من البلدان التي زارها ما بين 1964 و1965 شهرا بشهر ،بل يوما بيوم، وبالنسبة للسنة الأخيرة، تمت الإشارة في هذه المعلومات التي رفعت عنها السرية سنة 2000، إلى 25 تنقلا منها لقاءات في القاهرةوجنيف ولكن وبشكل مثير لا نجد أية معلومة بعد اختطافه. هل هو خلل في النظام أم رغبة مقصودة لإخفاء النهاية التي ربما لم تكن متوقعة ولكنها كانت معروفة؟ وتفيد عدة وقائع ومعطيات أن لوروا فانڤيل كان على علم بما كان يحاك على الأقل 8 أيام قبل الاختطاف وأن التهم التي توبع من أجلها أي «عدم الإبلاغ بجريمة» كانت ثابتة. وفي كل الأحوال وانطلاقا من هذه الأخطاء - المقصودة أو غير المقصودة - تمت إقالة فانڤيل من مصالح المخابرات يوم 18 يوليوز 1967 بسبب «امتناعه عن إخبار رؤسائه، والسلطات المكلفة بالتحقيق بمعلومات دقيقة كان يتوفر عليها حول اختفاء المهدي بن بركة والتزامه الصمت حتى 3 نونبر«. وقد تمت إقالة العديد من موظفي المخابرات الأقل درجة خلال الأشهر الموالية لاختفاء المهدي: جان بيير لونوار نائب فانڤيل، دانييل بوجي صحفي سابق معتمد لدي الشرطة القضائية وصديق سوشون ولوبيز، رولان لورانتان مسؤول مصلحة الشحن لدى إيرفرانس بمطار بورجي «الرجل الذي قدم خدمات قيمة للمخابرات ولكنه تكلم بدون تحفظ أثناء إندلاع القضية (قضية بن بركة). الكولونيل بومون ما هو الدور الفعلي لرئيس لوروا فانڤيل مدير البحث المكلف بمركزة الوثائق داخل إدارة المخابرات ونقلها إلى من يهمه الأمر، في هذه الحالة إلى الشعبة الرابعة و أيضا إلى شعبة العمليات الذي يعمل باتصال مع مصالح الشرطة؟. ومن الأمور المثيرة أن الكولونيل بومون شارك في التحقيق مع فانڤيل. وخلال الاستماع إليه من طرف الرئيس بيريز - الملكف بالتحقيق بين المحاكمين - يوم 16 فبراير 1966 لم يتردد بومون في التأكيد أنه «يوم 23 شتنبر، لوروا وجه لي تقريرا للأخبار.. لم أهتم بهذا التقرير ولم أسمع عن بن بركة حتى اليوم الذي علمت اختطافه» لقد «نسي» الحديث عن طلب التأكيد من طرف أوفقير الذي وجهت له من طرف ممثل المخابرات الفرنسية بسفارة فرنسابالرباط يوم 20 شتنبر 1965 المتعلقة بالمهدي بن بركة و تحركاته بعد منعه من دخول الجزائر. ويضيف بومون أمام الرئيس بيريز: «يوم 2 نونبر، عندما استدعاني الجنرال جاكيي إلى مكتبه حيث وجدت لوروا كان يحمل بين يديه تقرير 22 شتنبر الذي اعرفه وتقرير 17 ماي الذي لم أكن أعلم به» لكن معلومة صادرة عن مكتب وزير الدفاع بيير ميسمير في يناير 1966. والملاحظ في هذا التقرير - لم ينشر حتى الآن - عناصر جديرة بالمتابعة حول نوايا أوفقير، هل هو نسيان من الرجل الذي تعتبره بعض الأوساط «دماغ» المخابرات الفرنسية، أم هو نسيان مقصود لإخفاء معلوماته عن بوادر هذه القضية ومن تم مسؤوليته «السلبية» في الاختطاف؟.... ورغم ذلك، فإن موقف المخابرات الفرنسية لم يتغير، حيث ظلت خلاصته هي أن الأخطاء الواضحة المسجلة ضد بعض شعبه (الشعبة 7 والشعبة 3أ) لم تكن ناجمة عن «أوامر صادرة عن مستوى معين، بل علي العكس كانت نتيجة «إهمال» عام في معالجة المعلومات واستغلالها. لكن ملف ميسمير يتضمن إشارة مهمة تعطي صورة عن دور المخابرات أثناء المحاكمة نفسها، بمناسبة مجيء الدليمي الى باريس، وهي صادرة عن ممثل المخابرات الفرنسية في الرباط الذي تلقى اعترافات ريتزر أحد قدماء «الضمير الفرنسي» وصديق أوفقير، تقول الوثيقة: «يوم 18 أكتوبر حوالي الساعة السابعة و 15 دقيقة تلقيت في مكتبي - اتصالا هاتفيا من أوفقير قال لي بعجالة «هل بامكانك أن تقدم لنا خدمة علي الفور؟» أجبت «نعم»، «إذا عد إلى منزلك فورا، سيزورك شخص شكرا..» يضيف «في الساعة الثامنة استقبلت في منزلي الكولونيل الصفريوي، عامل الدارالبيضاء ، وصهر الدليمي، يحمل رسالة من أوفقير قال لي: «عليك أن تسافر فورا الى باريس، هذه تذكرة السفر و100 ألف فرنك، ووثائق الهوية الحقيقية للدليمي، خذ الطائرة هذا المساء، لأنه لابد أن تعثر عليه بأي ثمن.. نعم نحن لا نعرف أين يوجد ولا ما يفعل. كان عليه أن يتقدم الى المحاكمة.البرنامج لا يسير كما كان متفقا. نحن قلقون. كل الفرضيات ممكنة،. ربما تراجع في آخر لحظة؟ ربما يوجد في سويسرا، ربما اعتقل عند وصوله إلى باريس؟ في هذه الحالة سيكون قد لقي مصير فيغون. عليك أن تجده بسرعة، خذ وثائقه المزورة وسلمه جواز سفره الحقيقي، سنبقى على اتصال فور وصولك... ويواصل ريتزر «وصلت إلى مطار أورلي في الساعة الثانية والنصف.. وفي الساعة الثامنة توجهت عند المحامي جيبو الذي شرح لي الوضعية: أمام ضغط الصحفيين، اضطر إلى نقل الدليمي من منزله «على عجل» في الصندوق الخلفي لسيارته من نوع بوجو404... ويضيف الرباط تسرعت للأسف، الملك عمم رسالة الدليمي قبل الوقت المناسب والنتيجة أن كل مصالح الشرطة تبحث عنه... كان لابد من إخراج الدليمي الذي كان سيقع في الفخ لو بقي عندي». هذا «التعاون» لم يستحسنه الوزير الأول جورج بومبيدو، وكتب الى وزير الدفاع: «علمت ان الدليمي، عندما وصل الى باريس لتقديم نفسه كان مصحوبا بمحام من الدارالبيضاء عميل للمخابرات الفرنسية. بعد التحقيق، اخبرتني أن الامر يتعلق بمراسل محترم وهذا دليل على الترابط الوثيق بين مصالح المخابرات الفرنسية والمخابرات المغربية، ترابط قديم كشفت عنه قضية لوبيز، وهو أمر غير مقبول تماما لا يخدم سوى الحكومة المغربية ويساهم، بكل المعايير في اثارة الشك حول المخابرات الفرنسية كلها. ولذلك اطلب منكم اتخاذ الاجراءات الضرورية لانهاء ذلك». وخلال لقاء ريتزر مع اوفقير دار كلام آخر مهم يلخصه ممثل المخابرات الفرنسية في الرباط كما يلي - الدليمي تلقى اوامر صارمة من الملك بعدم الكلام حتى اشعار آخر اسندت مهمة النيابة على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني الى القدميري يساعده بنسليمان قائد القوات المساعدة. وكلاهما من صنع اوفقير. يتوجب على فرنسا ان تعمل على اجبار لوبيز على التراجع عن اقواله في الجزء الذي يؤكد مسؤولية المغاربة في اختطاف بن بركة. - ويورط بالمقابل الى أقصى حد المجرمين الاربعة (و اوفقير قادر على اسكاتهم الى الابد). بالمقابل يمكن للمغرب ان يسلم فرنسا (الشتوكي مزور) وهو ما سيحل الطابع الغامض للقضية نهائيا وبشكل ايجابي للبلدين. والأكيد ان وفاة الزعيم المغربي بعثرت كل القضية. ولوبيز في أقواله امام قاضي التحقيق زولينغر يوم 18 يناير 1966 اثار هذه الملاحظة قائلا:«أفهم تحفظ لوروا فانفيل في شهادته بسبب الأهمية التي اخذتها القضية والتي لم نكن نتوقعها لا أنا ولا هو». والملاحظ انه بالرغم من الوعد الذي اعطاه دوغول لوالدة المهدي بن بركة، لم تكلف الحكومات الفرنسية المتعاقبة نفسها جهدا كبيرا لكشف ملاباستها منذ ازيد من 44 سنة. وفي كل الاحوال من الواضح ان موظفين في الشرطة الفرنسية على اعلى المستويات وعملاء مصالح المخابرات الفرنسية كانوا يعرفون وصمتوا وان افرادا وموظفين آخرين في مستويات ادنى في المسؤوليات شاركوا بمساعدة مجرمين وبشكل مباشر في اختطاف المهدي بن بركة فوق التراب الفرنسي لحساب مصالح مغربية. بعضهم لم يتدخل ربما عن إهمال وربما بتواطؤ سلبي، بعضهم تدخل بشكل مقصود وايجابي، اعتقادا منهم انهم يحظون بتغطية من طرف من ذكرت اسماؤهم. هذه هي الوقائع والاحداث والفرضيات التي تؤكد مسؤولية الدولة الفرنسية في هذه الجريمة. وفي كل الأحوال وكما كتبها الكاتب موريس كلافيل عدة مرات على أعمدة الصحافة: «اذا كانت السلطة تخفي عنا الحقيقة حول الجريمة، فلأنها مسؤولة عن الجريمة، اما لأنها مذنبة او عاجزة: مدنبة او عاجزة، إنه نفس الاشكال» ولم يصدر أي تكذيب رسمي لهذه الاقوال حتى الآن.....