«ماذا تعني الصحراء لو لم تكن القصيدة؟ قصيدتي قصيدة طفل أرهبه وهاله موت الانسان، الانسان بمعناه الشامل، المتوسط، البسيط، الواقف مثل شجرة الزيتون وسط الارض، لا شرقي ولا غربي، واقف مستقيما، حرا، أقتسم معه الرغيف والماء والفضاء. لا أستسيغ كل هذا الجدل حول لغة الشعر، عربية كانت أو أمازيغية أو فرنسية.. بحروف تيفيناغ أو غيرها . ما يهمني هو الشعر، قصيدتي وقصيدتك.. كَمُّ المشاعر والاحاسيس والانفعالات التي تعتصرنا ونحن نعبر هذا الجحيم، ذاك الاختراق الذي يولد شرارة الشعر الذي لا ينتمي إلا للإنسان بغض النظر عن انتمائه الجغرافي…» كلمات قوية، دقيقة، صادقة وموجعة ومصوبة بعناية الشاعر، تلك التي نزفها شاعر الطوارق المتوج بأركانة الشعر العالمية للشعر 2017 أمام الحضور الكثيف الذي غصت به قاعة الندوات بالمكتبة الوطنية أول أمس الاربعاء في حفل تسليم الجائزة التي يشرف عليها منذ 2008 بيت الشعر بالمغرب ووزارة الثقافة وصندوق الإيداع والتدبير. الناقد وعضو لجنة تحكيم الجائزة خالد بلقاسم اعتبر أن جائزة الاركانة هي لحظة سنوية دأب بيت الشعر بالمغرب على تنظيمها لإحياء جغرافية من جغرافيات الشعر العالمي ليرسخ فكرة أن حداثة القصيدة المغربية مرتبطة بكونيتها، كما أنها فرصة لتخليد الصداقة الشعرية حيث يحتفي بيت الشعر كل سنة بتجربة شعرية مشدودة الى القصيدة الكونية المتشعبة بانتماءاتها، مضيفا أن المحتفى به انتصر دوما للهامش وطَرَحه ليس رغبة في التماهي مع المركز، بل ظل متشبثا بهامشيته وهو ما يظهر من خلال عناوين أعماله الشعرية، فيما تطرقت كلمة رئيس بيت الشعر مراد القادري الى كون الجائزة ظلت طيلة مسارها «وفية للوعد الذي حرصت دوما على استنباته ورعايته تحت ظلالها، الوعد بالشعر المدهش، المنصت للجرح الخاص في معانقته للكوني والإنساني في آن»، مضيفا أنه «على الرغم من كون الشاعر خوّد كتب قصيدته بتمجاغت (تمازيغت) وعمدها بحرف تيفيناغ، فإن هذه القصيدة استطاعت أن تضمن لها امتدادا عالميا تشهد عليه الترجمات التي عرفتها أعماله الشعرية والدراسات النقدية التي أنجزت حولها» ما جعل جائزة عالمية في حجم الأركانة «تنتبه لهذا الصوت المتفرد الذي استطاع أن يحفظ نسبه الشعري الطوارقي وأن يعانق به ومن خلاله الكوني». بدوره رأى محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، في كلمته، أن منحَ هذه الجائزة للشاعر المُجدّد خَوَّدْ الشهيرِ ب «الشاعر الطوارقي» هو تقدير له على مواظبته طيلة العقود الأربعة الماضية على إبداعِ نُصوصٍ شعْرية متميّزة اتخذَتْ من التّرحال، والعَطش، والتِّيه في المساحات الصحراوية الشاسعة، أبرزَ فضاءاتِها ومرتكزاتِها الوجوديّة، وفاءً وإصغاءً منه للهواجسِ الكبرى لشَعب الطوارق الذي يًنحدرُ منه، والذي بَلْوَرَ كثيراً من أحاسيسِه المكثَّفة في عمله المتميز «وصية البدوي» الذي ترجمه الشاعرُ العربي أدونيس إلى العربية، مشيرا الى أن هذا الاختيار قد أغنَى قائمةَ الفائزين بها خلال دوراتها السابقة باسمٍ متميّزٍ ينتسبُ إلى جغرافيا شعرية ذاتِ حسَاسيةٍ رفيعة تُجاه الوُجود العابر الذي يَتمُّ تحويلُه، بفضل المعرفة، إلى مُرتكزِ للعلاقة بالعالم وبالذّات. وفي كلمتها باسم الشريك المقاولاتي المواطن لبيت الشعر مند انطلاق الجائزة، حرصت دينا الناصري المديرة العامة لمؤسسة صندوق الايداع والتدبير الراعي الرسمي للجائزة، على التأكيد على المصاحبة الداعمة للمؤسسة لكل ما ينتصر لقيم الجمال والحرية، مثمنة اختيار بيت الشعر للشاعر الطوارقي محمدين خود هذه السنة ، لكونه شاعرا حافظ على تجذر عروق قصيدته في تربة إفريقيا، القارة التي أعطت للقصيدة الإنسانية أصواتا شعرية مدهشة وملهمة. «هو المشاء الذي لا يتوقف، في جسده يمشي وفي فكره يجتاز صحاري الذات والعالم ولا يعنيه الى أين ستفضي به الطريق، جاعلا من اختراق الحدود وابتكار فضاء إنساني تنتفي فيه الحواجز والحدود، هدفه. هو الممسك بالجذور باحثا عن أشكال جديدة في رحلة تيه لا تنتهي، المتطلع الى التخطي، المسافر الذي يدعونا الى سفر آخر لا يؤتى إلا لمن استطاع أن يتجرد من كل شيء حتى من نفسه…» هكذا قدم الشاعر والصحافي عيسى مخلوف، رئيس لجنة تحكيم الدورة الثانية عشرة للجائزة ، شاعر الطوارق خود، مشددا على أنه شاعر يعي معنى أن يكون الانسان مُقتطَعا وغريبا، ويعي الاحساس بعيش الحياة على شفا الهاوية، معتبرا أن كتابة الطوارق ناجمة عن خطر الإبادة الذي يتهدد شعبا وثقافة بالاقتلاع، لذا بقي خود مرتبطا في طل قصائدها برائحة الأرض، منصتا الى نبضها «كما ينصت رضيع لدقات قلب أمه». وأضاف مخلوف أن «قصيدة شاعر الطوارق خوّد حرصت، منذ أربعة عقود، على تحصين المعرفة التي منها تغتذي، وعلى تمكين المقاومة بالكلمة من تشعباتها، وعلى جعل الترحال مكانا شعريا وفكريا لإنتاج المعنى وتجديد الرؤية إلى الذات وإلى العالم». يذكر أن الشاعر خواد تسلم فضلا عن جائزة الأركانة العالمية، درعا رمزيا وشهادة تقديرية، وبورتريها من إنجاز الفنان التشكيلي محمد السالمي. وولد الشاعر محمدين خواد سنة 1950 بمنطقة إير (النيجر)، ويقيم حاليا بفرنسا، التي نشر بها عددا من القصائد والملاحم والأعمال الأدبية التي ترجم أغلبها إلى لغات عالمية، من بينها اللغة العربية التي ترجم إليها الشاعر أدونيس ديوان «وصية البدوي». وضمت لجنة تحكيم جائزة أركانة العالمية للشعر، برسم سنة 2017، فضلا عن الشاعر عيسى مخلوف، كلا من الناقدة سناء غواتي والناقدين عبد الرحمان طنكول وخالد بلقاسم، والشعراء نجيب خداري ومراد القادري وعبد السلام المساوي ومنير سرحاني وحسن نجمي أمين عام الجائزة.