في حوار مع الدكتور محمد شهبي، الاختصاصي في طب وجراحة العيون وتصحيح النظر .. -كيف هو وضع منظومة الصحة ببلادنا اليوم؟ – للأسف هو وضع معتل ومختل، إذ أنها لم تتوفق لحدّ الساعة في ضمان عدالة صحية لجميع المواطنين، وهو مايؤكد على أن السياسات الصحية التي تم اعتمادها كانت محدودة وغاب عنها بعد الأفق، الأمر الذي يجعلنا أمام تباين صحي، والعديد من الفوارق، بالنظر إلى أن من له تغطية صحية ومن له إمكانيات يمكنه الولوج للعلاج، بينما من يفتقدها هو يجد عسرا في ذلك. منظومة لم توفر للمهنيين كذلك شروط العمل بالمواصفات المطلوبة، وهي تفتقر للموارد البشرية الضرورية إذ أن معدلات المهنيين هي بعيدة عن توصيات منظمة الصحة العالمية، كما هو الحال بالنسبة للأطباء، بالنظر إلى أننا في المغرب لدينا نصف طبيب لكل ألف مواطن، بينما تشدد المعايير الدولية على أنه يجب أن يتوفر مابين طبيبين اثنين و 3 أطباء لكل ألف مواطن، علما أنه في كوبا مثلا، هناك 8 أطباء لهذا العدد من المواطنين، وتؤكد لغة الأرقام الرسمية أن المغرب يعرف خصاصا في الأطباء يقدّر 7 آلاف طبيب و 9 آلاف ممرض. وضع يرخي بظلاله على الأطباء الذين وأمام جملة الإكراهات التي تقوّض من مجهوداتهم يصبحون الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، خاصة حين يتم تحميلهم اختلالات المنظومة الصحية، ليس فقط من طرف بعض المواطنين، وإنما حتى من لدن مسؤولين وإعلاميين وغيرهم، مما يخلق جوا من الشك وعدم الثقة الأمر الذي له تبعاته غير السليمة. – أين يكمن الحلّ في نظركم؟ n إن الطبيب بعد استكماله لسنوات التحصيل والتكوين في مجال الطب، وهي طويلة وليست بالهيّنة، وتخرّجه بعد ذلك يبحث عن الوظيفة التي من خلاله يمكنه خدمة المرضى وعلاجهم، وليس ذنبه إن لم توفر له الدولة الشغل، وتركته يتدبّر أمره باللجوء إلى القطاع الخاص، لأنه في أي موقع تواجد هو يقدّم خدماته للمواطنين الذين يحتاجونها، في ظل الشروط المتوفرة. هذا هو دور الطبيب، وهو ليس مطالبا بمعالجة اختلالات منظومة فشلت بسبب سياسات معينة، لم تكن ناجحة ولم تتوفق في خدمة المواطن المغربي صحّيا، لهذا يجب إعادة النظر في أسباب الفشل، والعمل على الاستثمار في الموارد البشرية، وهنا أعود للنموذج الكوبي الذي توفق في خدمة مواطنيه صحيا بحيث أن الدولة هي تؤدي مايقارب من 2400 دولار سنويا عن كل مواطن، وتضمن مجانية للصحة بصفة عامة، فضلا عن كون كوبا هي تصدّر الأطباء لدول أخرى، الذين أصبحوا المورد الثالث للعملة الصعبة، خلافا لأمريكا التي تتزعم قطب الاعتماد على الخوصصة، وهي التي تؤدي مصاريف كبيرة في الإنفاق الصحي، تتمثل في 9900 دولار عن كل مواطن، لكنها بالمقابل تقصي أكثر من 40 في المئة من المواطنين المحرومين من التغطية الصحية. لهذا يجب على الدولة، تغيير سياساتها وأن تقوم بجهد ملموس لخدمة المواطنين في مجال الصحة، بتعميم التغطية الصحية، وبعقد اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص، حتى يستفيد المواطن المغربي من الخدمات التي قد تكون مفتقدة أو ضعيفة بالقطاع العام، لا أن تساهم في التمييز بين المواطنين، لأنه ليس من المقبول أن يكون هناك فرق بين مواطن له تغطية صحية وآخر محروم منها. هذا هو جوهر الاختلالات وليس الطبيب الذي بات ينعت بأقبح النعوت وبكونه يتاجر في صحة الموطن مما يرفع من مستويات الاحتقان ويؤدي إلى تبعات غير سوية. p أكيد أنه لدينا أطباء شرفاء ويقومون بواجبهم على أكمل وجه، لكن هناك البعض ممن يسيئون لنبل المهنة ومهنييها؟ – هذا أمر صحيح، وليس حكرا على الأطباء، ففي كل القطاعات هناك الصالح والطالح، لهذا وعوض محاولة حجب شمس الواقع بغربال، وعوض التعميم، وجب أن يتحمل كل واحد مسؤوليته، وأن يتم التأكيد على احترام أخلاقيات المهنة والقوانين المؤطرة، التي إذا ماتمت مخالفتها من طرف البعض فيجب القيام بالخطوات المنصوص عليها، لا أن يتم وضع الصالح والطالح في نفس الكفّة. إن الخصاص في الأطباء هو كبير، وهناك الآلاف الذين فضلوا الاستقرار خارج أرض الوطن، وإذا ما استمر التشكيك والتشهير، وتغييب الاستحقاقية، فإن عدد الذين سيلتحقون بهم لن يكون هيّنا وسيعمّق أزمة المنظومة أكثر، وأنا أتحدث عن الأطباء الذين يبذلون مابوسعهم وفاء لقسم أبوقراط، ومساهمة منهم في التخفيف من عبء المراضة على المواطنين وتبعات ذلك على المجتمع ككل، هؤلاء لايمكن أن يستمروا في ظل أجواء غير سليمة، كما أن أطباء الغد الذين يتكوّنون اليوم هم أيضا لاينظرون إلى المستقبل بتفاؤل، دون استحضار من سيغيرون وجهتهم نحو مجالات أخرى للتكوين، بالنظر إلى مابات يعيشه قطاع الصحة في بلادنا، الذي تغيب فيه كل أشكال التحفيز. – إلى أي حدّ يتم احترام المادة 2 من القانون 131.13 ، خاصة في النقطة المتعلّقٌة بالاتجار الذي يشكل أحد الاتهامات التي يتم وصف الجسم الطبي في القطاع الخاص بها، وما هو تعليقكم على ذلك؟ – الطبيب المغربي هو يمارس مهنة الطب في احترام تام لكل التفاصيل المرتبطة بها، وكما أسلفت إذا ما كان هناك استثناء فهو ليس بمبرر للتعميم، وكما أشرتم بالفعل هناك اتهامات للأطباء بالقطاع الخاص بالسعي نحو الربح المادي، وهذا كلام يتم الترويج له بشكل غير بريء، لكن دعني أستعرض بعض النقاط، وعلى رأسها أننا نتحدث عن قطاع حرّ، تطلب استثمارات وقروض بفوائد في غياب للتحفيزات وغيرها، وبالتالي فالسؤال الذي يجب أن يطرح على مدبري الشأن الصحي في بلادنا، يجب أن ينصب حول الخطوات التي سطروها لتحفيز القطاع الخاص والتقليص من الأعباء المادية والضريبية عليه، وسبل تعميم التغطية الصحية لكل المواطنين، وتوقيع اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص من عدمه. إن أطباء القطاع الخاص في المغرب، تم إلباسهم رداء التاجر وإن كانوا لايتوفرون على أصل تجاري، وتتم مطالبتهم بألا يكونوا تجارا، فالطبيب في القطاع الحرّ، هو يؤدي نسبة 6 في المئة من رقم المعاملات التجارية، حتى في غياب ربح مادي، والحال أن الشركات لاتؤدي سوى 0.5 في المئة، إضافة إلى نسبة 38 في المئة من الأرباح، وبالتالي فهي تطالب بحقوق ضريبية انطلاقا من التسعيرة التي يؤديها المواطن، وترغب في نصيب هو ليس بالهيّن، على أن تترك له ماتبقى الذي يطالب بأن يجيب به عن الاستثمار، والمستخدمين، ومستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمصاريف الأخرى المختلفة، إذن الحكومة هي تضع الطبيب في صلب منظومة تجارية وتفرض عليه قانونا تجاريا ثم يُتّهم في نهاية المطاف من هذا المسؤول أو ذاك بأنه يمارس التجارة! إلى جانب ماسبق يجب أن نؤمن بأنه في العالم بأسره، ليس الأطباء وحدهم وإنما كل مقدمي الخدمات، والمسؤولين والوزراء وغيرهم، الجميع يتقاضى مقابلا ماديا نظير عمله، فلماذا هذا التحامل على الأطباء المغاربة، وكيف يمكن استيعاب أن يسوّق البعض مؤسسات استشفائية على أنها رائدة وجديرة بالاقتداء وهي بمقتضى القانون تحظى بالكثير من التحفيزات ولايحق مراقبة ماليتها، لأن طرحا من هذا القبيل هو عنوان على إفلاس قيمي وأخلاقي، فضلا عن كونها لاتسدد أية ضرائب للدولة، في الوقت الذي يقوم فيه أطباء القطاع الخاص بتسديد الضرائب، ويساهمون في توفير فرص الشغل ويعيلون أسرا، إضافة إلى علاج المواطنين، وهذه خدمات يجب الانتباه إليها. -تم الترويج على عهد الوزير الوردي بأن القانون131.13 هو بمثابة الحلّ السحري لإشكالات الصحة في المغرب، فهل استطاع تحقيق ماكان منشودا للمواطن المغربي؟ – هذا القانون رافقته العديد من الشعارات التي للأسف كانت مغلوطة، ومن أعدوه أكدوا جهلهم الكبير بقطاع الصحة وبأنهم غير ملمين به، إذ تم من خلاله تسويق الوهم على أنه سيأتي بالحل لكل معضلات الصحة في بلادنا من خلال فتح رأسمال المصحات الخاصة في وجه المستثمرين من غير الأطباء، وقيل أن الهدف الأساسي هو إحداث مؤسسات صحية في كل مناطق المغرب، للسماح للمواطن بالولوج إلى العلاج على امتداد ربوع المملكة، واليوم يتضح أن كل الوعود التي تم تقديمها قد تبخرت لأن المؤسسات التي تم اقتناؤها كانت جاهزة، ولم يتم إحداث بنيات جديدة، وهي موضوعة للبيع لأنها لم تحقق ماكان مرجوا منها، فمن كان يعتقد أن امتلاك مصحة سيجعل منه طبيبا فهو خاطئ، لأن للطبيب مواصفات خاصة، أخذا بعين الاعتبار أن الطبيب المغربي هو يحب مهنته، ويتميز بالتضحية وبنكران الذات وغيرها، ومن كان يتصور أن ماتم تجميعه في صناديق التعاضد سيكون في متناول اليد فهو واهم، وهذا ما أكده تعاقب الأيام. – ماهي الاقتراحات التي يمكنكم تقديمها للخروج من هذه الوضعية المتأزمة ؟ -يجب العمل على تعميم التغطية الصحية لكافة المغاربة، وإحداث هيئة عليا للصحة لإعداد تصور على امتداد سنوات وليس فترة معدودة، تضم متدخلين يمثلون قطاعات مختلفة لها صلة بالصحة وليس فقط من الأطباء، كما يتعيّن عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص حتى يستفيد المواطنون جميعا من الخدمات الصحية بكيفية متساوية. إن الأطباء ليسوا بشمّاعة حتى يتم تعليق أخطاء سياسات عليهم، وتوفير بنيات الاستشفاء والعلاج وتمكين المواطن من الولوج إليهما بشكل سلسل هو من صميم مسؤوليات المسؤولين عن الشأن الصحي والساسة الذين يدبّرون السياسات العمومية، لأنه لايمكن التهرّب من المسؤولية باتهام الأطباء والتشكيك في صدقهم ووطنيتهم، فالمواطن حين يفتقد الثقة في الطبيب فذلك ينعكس على العلاج، وبالتالي وجب التصدي بشكل جماعي مسؤول لأي نوع من أنواع التشهير والاستهداف!