أثارت واقعة استضافة إحدى الكليات بمدينة طنجة، لشخص ينتقد التأويلات المتشددة للدين، بطريقة ساخرة، ردود فعل قوية من طرف العديد من رواد الشبكات الاجتماعية، الذين عبروا عن رفضهم لما حصل، من منطلق أن هذا الشخص لا يتوفر على أية مؤهلات علمية ليحاضر في الحرم الجامعي أمام الطلبة الذين يتفوقون عليه في الشهادات والتكوين الأكاديمي. ولمن لا يعرف هذا الشخص، فهو ينتمي للتيار الديني المحافظ، مرجعيته لا تختلف عن كل المرجعيات التي تقدس التراث الديني، كما هو رائج في هذه الأوساط، لكنه يحاول، في نفس الآن، أن يواجه التشدد الديني، المغرق في التخلف، بتأويل مُخٓفّفٍ، وبأسلوب النكتة وروح الدعابة، والعودة إلى التدين الشعبي، الذي لا علاقة له، عامة، بالتأويلات الحديثة، المستمدة من انتشار الوهابية. ويمكن القول، إنه نجح إلى حد ما في هذه المهمة، بأسلوب ناجح في التصوير الكوميدي، لتناقضات وتخلف التشدد الديني، في الحياة اليومية، دون أن يثور على المرجعية المحافظة والرجعية، وهذا هو مربط الفرس، في الانتقادات التي وجهت لمبادرة الاستضافة في الحرم الجامعي. فمن المفترض أن الجامعة هي مدرسة العقلانية والعلم والفلسفة والفكر النقدي، ولا يمكن أن تفتح أبوابها إلا للكفاءات الأكاديمية والفكرية والثقافية، التي تحترم مبادئ هذه المدرسة، وتتوفر على المؤهلات العلمية لمخاطبة الطلاب، غير أن الواقع الذي تطور في العقود الأخيرة، هو أن الجامعة نفسها أصبحت معرضة لغزو الفكر الرجعي والخرافي، بعد أن نجح مخطط إفراغها من التيارات الديمقراطية، وفسح المجال أمام التطرّف بكل أنواعه، الدينية والسياسية. من كان يتصور، إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، أن تتحول الجامعة المغربية، التي كانت حاضنة للفكر الديمقراطي الحداثي، إلى مجال لتفريخ التشدد الديني والرجعية؟ لذلك لا ينبغي أن نستغرب مما حصل في طنجة، فالأمر ليس إلا نتيجة منطقية وحتمية، لكل المخططات التي بدأت بالقضاء على تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي، وتواصلت بمحاربة العلوم الإنسانية، وخاصة علم الاجتماع، مقابل ذلك، تناسلت كليات الشريعة، التي لا تختلف كثيرا في مضامين مقرراتها عن المُضحِكِ التطواني، الذي لا ذنب له سوى أنه وجد آذانا صاغية، تبتهج عندما يُخٓفّفُ عنها من قهر الفكر الظلامي المتشدد، الذي ينظر للعالم من نافذة نكير ومنكر.