أخيرا تحرك المجلس العلمي الأعلى، و نظم ندوة حول السلفية، بهدف مواجهة التطرف الديني، الذي تحول إلى بنيات إرهابية، بقواعد ثابتة على شكل «إمارات»، تستقطب الشباب، و تعتمد على تأويل «جهادي»، للدين الإسلامي. و لا يمكننا إلا أن نحيي هذه المبادرة، التي و إن تأخرت، فإنها كانت ضرورية، من أجل التصدي للموجة العاتية من التطرف، التي تغذيها إيديولوجية «السلفية الجهادية»، ذات الطبيعة المغرقة في الرجعية و التشدد والظلامية، و التي تترجم في أرض الواقع، بواسطة جرائم إرهابية و أعمال وحشية. غير أن ما يمكن تسجيله من ملاحظات على أشغال المجلس، هو أن مضامين الندوة، لم تسوق على مستوى التواصل بالشكل الكافي، باستثناء تغطيات صحافية و ما نشر من برنامج و ملخصات، في المواقع الرسمية. و كان من الممكن أن يكون الأمر أفضل من هذا بكثير، خاصة و أن الهدف من الندوة، هو التصدي الفكري، لدعاية منتشرة بين مختلف الفئات، و خاصة الشباب، لذلك فإن تفعيل أدوات إشعاعية و تواصلية أمر حيوي. و تحيلنا هذه المسألة، إلى طبيعة المجلس نفسه. فهو يتشكل من علماء أجلاء، متخصصين في الأمور الدينية، لكنهم علماء بالمفهوم التقليدي، و ليس الأكاديمي الحديث. طبعا من الضروري، أن يضم مجلس مثل هذا، متخرجين من كليات الشريعة و المدارس الدينية، لكن هل هذا كاف، حتى تتاح لهذه الهيأة الأدوات المعرفية و العلمية الضرورية للقيام بالدور المنوط بها؟ و ما هو الدور المنوط بها؟ إذا كان الدور الموكول لها هو مرافقة المظاهر الرسمية التقليدية للشأن الديني، كما سادت لحد الآن، فلا يمكن أن ننتظر من هذا المجلس مواجهة فعلية للتيارات المتشددة و المتطرفة، لأن صورته تظل غير مغرية، و مشابهة لصورة «الإكليروس»، في النماذج الأخرى، يغلب على تدخلاتها المقاربة التبريرية، و ليس الاجتهادية. أما إذا كان الدور المنتظر منه، هو المساهمة الفاعلة في إصلاح الشأن الديني، على ضوء الدستور الجديد، و استجابة للتحديات المطروحة اليوم، و إعمالا لمبدأ الاجتهاد، الذي تتيحه الثورة العلمية و المعرفية، فإنه حتما لابد من مراجعة دور المجلس و تركيبته و منهجيته، ليكون أكثر انفتاحا على تخصصات علمية أخرى، وينفتح على الاجتهاد و على المدارس العلمية المتطورة في علم الأديان و اللاهوت و التاريخ و الأركيولوجيا و علم الدلالات و التفسير اللغوي... و غيرها من تخصصات العلوم الإنسانية و الفلسفة و الاكتشافات العلمية. أما إذا لم ينفض المجلس عن نفسه الغبار، فسيظل مجرد جزء من الديكور المناسباتي.