نظمت حركة التوحيد والإصلاح فرع الوسط، ندوة علمية السبت الماضي بمركب كمال الزبدي بالدار البيضاء، لتقديم قراءة في كتاب أبو زيد المقرئ الإدريسي الغلو في الدين: أسبابه ومظاهره، شاركت فيها ثلاث مراكز بحثية: هي مركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية، ومركز مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية ''مدى''، والمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة. ونظرا لأهمية هذا النشاط، فإننا نقربه إلى القارئ من خلال هذا التقرير المفصل الذي حرص أن ينقل معظم الأفكار التي تضمنتها مداخلات الباحثين. الدكتور حسن عبايبة (مدير مركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية):أنوه بالمقاربة التي اقترحها المؤلف والتي تستبعد الحل الأمني والتجارب الفاشلة يمتلك المقرئ أبو زيد تجربة فكرية وسياسية غنية تؤهله للقيام بهذا العمل المتميز ، والملاحظات الدقيقة والتحليلات العميقة التي وردت فيه تحتاج إلى الاهتمام بها ووضعها محط الدرس والتمحيص افتتح الدكتور مداخلته بلفت الانتباه إلى الزاوية التي عالج بها الأستاذ المقرئ أبو زيد ظاهرة الغلو، إذ تعاطى معها باعتبارها نتاجا دينيا وتاريخيا ولم يقصره من الناحية النظرية على سياق خاص، بل أكد أ،ه يشمل السياق الإسلامي والسياق المسيحي على حد سواء. ووقف الدكتور عبايبة على أهمية موضوع الكتاب في حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية، لاسيما وأن المقرئ أبو زيد يشير الدكتور عبايبة يمتلك تجربة فكرية وسياسية غنية تؤهله للقيام بهذا العمل المتميز مؤكدا أن الملاحظات الدقيقة والتحليلات العميقة التي وردت في كتابه تحتاج إلى الاهتمام بها ووضعها محط الدرس والتمحيص لاسيما وأن الكتاب من أوله إلى منتهاه يضيف الباحث يتجنب المنطق الذرائعي التبرير الدفاعي، ويقتحم غمار النقد الذاتي مويركز بشكل خاص على دور المعامل الفكري والإيديولوجي في إنتاج ظاهرة الغلو. ونوه الباحث في مداخلته بالرؤية الشمولية التي اعتمدها الكاتب في تعاطيه لظاهرة الغلو، لاسيما عند الحديث عن أسباب الغلو ومجالاته ومحاضنه، إذ وقف الباحث على مسألة الفهم الحرفي للنصوص، والتفسير السطحي التجزيئي، وقراءة الأوامر والنواهي بعقلية بمنطق الوعد والوعيد دون مراعاة مراتب الطلب، واستخدام الحلال والحرام، أو الحق والباطل كمقولات جاهزة للتكفير والتفسيق بلا مسؤولية ناهيك عن الغلو في العبادات والغلو لكسب سلطة أو منفعة والغلو في ممارسة السلطة التنفيذية عبر الافتئات على السلطة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصدار الفتاوى والغلو في ممارسة العنف الاجتماعي والسياسي. وقد وقف الباحث على نقد دقيق توجه به المقرئ أبو زيد لتيارات الغلو وذلك حين أشار إلى أن هذه الجماعات لا ترى في الألوان إلا الأسود والأبيض، ولا ترى في القضايا الاجتهادية إلا الحق والباطل، من غير تنسيب ولا تفصيل ولا تحقيق. وركز الباحث في قراءته لفصل مجالات الغلو على بعض مظاهر الغلو ومن ذلك الدعوة من غير حوار ومن غير تدرج، وعدم مراعاة الجوانب الاجتماعية والثقافية، وإصدار الفتاوى الجاهزة وحسب الطلب، والنظرة إلى الإسلام نظرة منفرة تختزله في الجانب العقابي، وتبني رؤية فقهية جامدة تعتمد على الأدلة المرجوحة وتترك الأدلة الراجحة، من غير مراعاة فقه المقاصد ولا فقه الأولويات، ناهيك عن رؤيتها العقدية التي تحاول من خلالها استدعاء الصراع الكلامي وتبني مفهوم الفرقة الناجية وتكفير بقية مكونات الأمة في حين أن النصوص الشرعية تثبت الإيمان لمن نسب إليه وهي نصوص كثيرة مطردة لا تحتاج إلى توضيح. كما وقف الكاتب في ملاحظته لأسباب الغلو التي أوردها أبو زيد على الأسباب ذات الارتباط بالوسط الاجتماعي، وذلك من قبيل تغليب التعصب على مفهوم المواطنة، وتشويه مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطبيعة التصور الإسلامي للدولة الإسلامية المفترضة ناهيك عن تغييب إيجابيات الحضارة الغربية واجترار الماضي بدون رؤية مستقبلية، والارتهان لرؤية متخلفة في النظرة إلى المرأة، وسوء فهم للجهاد ومقاصده في الإسلام وما ينتج عنه من تغييب الجهاد المدني والفكري والسياسي، وتنزيل فقه الجهاد في غير مواضعه. وفي مناقشته للحلول التي اقترحها أبو وزيد، نوه الباحث بالمقاربة التي اقترحها المؤلف والتي تستبعد الحل الأمني والتجارب الفاشلة التي اعتمدت في المشرق، وتطرح ضرورة التعامل مع المجتمع بكل مكوناته، مع التركيز على دور الفكر الوسطي في مواجهة دعاة الغلو والتطرف. مصطفى الخلفي (مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة):أبو زيد تجاوز النفس الاعتذاري التبريري الكتاب يمثل مساهمة نوعية تملأ فراغا كبيرا حاصلا على مستوى الدراسات والمقاربات في موضوع العنف وتستجيب لحاجة ملحة لرصد الظاهرة ومقاربتها تحليليا وكشف محدداتها ومغذياتها. وهو فضلا عن ذلك يرسم خطاطة متكاملة لدراسة الظاهرة من جميع تفاصليها من جانبه اعتبر مصطفى الخلفي مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة أن كتاب أبي زيد يختزل المشروع الفكري الدعوي للمؤلف الذي ركز منذ الثمانينيات على أزمة خلق الفكر المسلم، ومنهج التفكير في القرآن، والحوار في القرآن، وغيرها من الموضوعات التي تندرج ضمن تصحيح المفاهيم وبناء العقلية المنهجية الإسلامية. وأشار الخلفي إلى أن اهتمامات أبي زيد الفكرية وانشغالاته الحركية تمحورت حول أربع موضوعات رئيسة، يتعلق الأول بالجانب الفكري والمنهجي لترشيد الصحوة الإسلامية، ويتعلق الثاني بالتأسيس لفكرة المشاركة السياسية، فيما يتعلق الثاني بنصرة قضايا الأمة ومقاومة مشاريع التجزئة والانفصال وفضح السياسات الهيمنية الغربية، ويرتبط الجانب الرابع بتضحيته في مجال العمل الاجتماعي والتكافلي. ويرى الخلفي أن مشروع أبي زيد يندرج ضمن التأسيس لحركة إسلامية وسطية قادرة على التفاعل مع محيطها وقادرة أيضا على ربح رهانات التحديث والتنمية والانفتاح والنهضة. وفي سياق تقييمه لكتاب أبي زيد، اعتبر الخلفي أن كتاب '' الغلو في الدين'' هو عمل نوعي لأنه يمثل قراءة مغربية للظاهرة، في الوقت الذي شحت فيه الدراسات مغربيا في هذا الموضوع، وتواترت بشكل كثيف الدراسات الغربية لاسيما منها الأمريكية. وسجل الخلفي في هذا الصدد وجود مفارقة كمية كبيرة بين الإنتاج المغربي، أو حتى العربي، والإنتاج الأنكلوساكسوني المقارب لهذه الظاهرة. وأشار أن كتابا في كل ست ساعات ينشر عن الإرهاب من كافة التخصصات، فيما تنشر عشرة كتب فقط في المغرب سنويا، كما أشار أيضا إلى أنه ما بين 1988 و2000 تضاعفت عدد الكتب المقاربة للظاهرة مما كانت عليه في ما قبل ذلك بنسبة 234 في المائة، مسجلا حصول طفرة كبيرة تمثلت في كثرة الدراسات المقاربة للإٍرهاب والعنف السياسي وما يتعلق به من كل التخصصات حتى أصبحت هناك قناعة في العالم الأنكلوساكسوني أن رصد هذه الظاهرة وملاحقتها بالدراسات الوصفية والتحليلية والنقدية أصبح علما قائما بذاته، واستشهد الخلفي في هذا الصدد بتبلور تجربة مسار كامل لدراسة العنف والإرهاب في بريطانيا منذ سنة ,2002 وتأسيس أول مركز لدراسة الإرهاب والراديكالية. ولهذا السبب اعتبر الخلفي أن كتاب أبي زيد، يمثل عملا نوعيا بحكم راهنيته ومساهمته في ملأ فراغ كبير حاصل على مستوى الدراسات والمقاربات في موضوع العنف والاستجابة لحاجة ملحة لرصد الظاهرة ومقاربتها تحليليا وكشف محدداتها ومغذياتها لاسيما وأن هناك على الأقل ثلاث عوامل رئيسة تدعو إلى تواتر الدراسات في هذا الباب: 1 أن الدراسات التي أنجزت لدراسة الغلو لم تتجاوز الجانب الفقهي في معالجتها لمفهوم الولاء والبراء والفقه الخروج ومفهوم الجاهلية. 2 أن الدراسات الرصدية التي تلاحق المتعبات الأمنية وترصد تطور مكونات الجسم الراديكالي مع أهميتها لا تعنى بتحليل الظاهرة وكشف محدداتها. 3 وهو تواتر عملية تفكيك الخلايا والتي وصلت إلى معدل 100 خلية في السنة أو أكثر. ولأجل ذلك، يرى الخلفي أن هذه الظاهرة تستحق أن تواكب بجهد علمي ومعرفي، لاسيما وأن المغرب، مثله في ذلك مثل سائر البلدان العربية، لا يزال إنتاجه المعرفي المواكب لهذه الظاهرة متخلفا لاسيما ما يتعلق بالدراسات الميدانية. وفي هذا الصدد، سجل الخلفي إغفال البحث الوطني للقيم معالجته لظاهرة الغلو والإرهاب ومحدداته، في الوقت الذي اهتمت المؤسسات الأمريكية بهذا النوع من الدراسات ممثلا لذاك بمؤسسة ''بيو'' التي أنتجت دراسات كثيرة في الموضوع وقامت بعملية استقصاء سنة 2004 و2005 و2007 شملت 2000 مستجوب مغربي من المجال الحضري، فتوجهت أسئلة حول تمثل الغاربة لمفهوم التطرف الإسلامي؟ ودعم التفجيرات الانتحارية، ودور الإسلام في الحياة السياسية، والعلاقة بين الدين والسياسة، ودرجة الثقة في أسامة بن لادن. وخلص الخلفي إلى أن ظاهرة الغلو موجودة في المغرب وقائمة، ولها أبعاد وامتدادات وأن هناك فقرا معرفيا في مواكبتها، وأن كتاب أبي زيد يندرج ضمن المساهمات النوعية في ملأ الفراغ في هذا المجال وتقديم نموذج تفسيري اعتمد المقاربة الحضارية التي تقوم على الأساس الفكري. وأكد الخلفي في مداخلته أن كتاب المقرئ أبي زيد يقدم خطاطة فكرية متكاملة لاسيما فيما يخص مجالات الغلو (الدعوة، الفتيا، الأحكام الشرعية، العقدية، المجتمع وقضية المرأة..) معتبرا أن الكتاب يقدم الإطار النظري العام لمقاربة ظاهرة الغلو ، وأن كل مجال من هذه المجالات يستحق أن يفرد بدراسة مستقلة، كما أن الأسباب الاثني عشر التي قدمها ضمن نموذجه التفسيري لظاهرة الغلو تحتاج بدورها إلى دراسة كل سبب ضمن دراسة مستقلة، وانتهى الخلفي إلى أن كتاب أبي زيد يمثل خارطة طريق للاشتغال في هذا المجال. ومن جانب آخر، اعتبر الخلفي قراءة ابي زيد لتجربة الجماعة الإسلامية يمثل مساهمة مهمة ودقيقة، وأنه منذ 2002 و2003 أي سنوات الإعلان عن المراجعات وما تلاها من مراجعات أخرى همت تنظيم الجهاد والمراجعات الليبية والمراجعات الجزئية (مراجعة المناصحة للمقدسي، والمراجعات اليمني والسعودية..) كل هذه المراجعات تحتاج في نظر الباحث إلى دراسة تركيبية تندرج ضمن ما يمكن أن يسمى بأدبيات المراجعات. ولفت الخلفي الانتباه إلى أن الاهتمام الأكبر في المراجعات انصرف إلى الجانب العقدي والفكري والأسس التي أدت إلى بروز ظاهرة الغلو (التكفير، استحلال الدماء، ..) في حين لم تحظ المراجعات ذات الطابع السياسي والاستراتيجي بذات الأهمية، ولاحظ الخلفي أنه لحد الآن لا تزال المراجعات المرتبطة بهذا المنحى محدودة. ومن جهة أخرى، لفت الخلفي الانتباه إلى وجود جرأة كبيرة في تناول أبي زيد لموضوع الغلو، إذ تجاوز النفس الاعتذاري التبريري الذي يبحث عن شهادات حسن السلوك ونفي التهم سواء عن الإسلام أو عن الحركة الإسلامية، كما تجنب السقوط في ثلاث محاذير: محذور المنطق السلفي التقليدي الذي يصنف الجماعات الراديكالية ضمن الخوارج الجدد، ومحذور مسايرة منطق الأجهزة الأمنية، ومحذور مسايرة فكر الغلو الذي يعتبر التيار السلفي التقليدي تيارا سلبيا هامشيا غير قادر على مواجهة التحديات التي تعرض للأمة. فالكتاب حسب الخلفي يقدم وصفة للخروج من هذه المحاذير الثلاثة لاسيما عند فصل محاضن الغلو إذ يدخل في مواجهة مع الجميع (المنطق الأمني، المنطق السلفي التقليدي، المنطق السلفي الجهادي). وفي ملاحظته الخامسة والأخيرة، يركز الأستاذ الخلفي على نوع المقاربة التي تبناها أبو زيد في كتابه، والتي تنتقد جذريا مقاربة المغرب في محاربة هذه الظاهرة، إذ تعتمد المقاربة المغربية فقط على البعد الأمني والاجتماعي، في حين تغفل دور المعامل الفكري والإيديولوجي، واعتبر الباحث أن البعد الاجتماعي والأمني يمثلان فقط جوابا عن إفرازات الظاهرة دون أن يكونا قادرين على إيقاف مولد الظاهرة ، وأنهما لا يمثلان مقاربة ناجعة ما لم يتم إسنادهما بالمقاربة الفكرية والثقافية، وهو ما نبه عليه المؤلف في كتابه، كما تنبهت له بعض الدول كما هو الشأن في التجربة الليبية والسعودية والموريتانية. أحمد نضيف (باحث في مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية ''مدى'':)أبو زيد تجنب الأسلوب العاطفي الدفاعي تجنب أبو زيد في كتابه السقوط في قراءتين يجمعها البعد الإيديولوجي: القراءة الدفاعية التي تجتهد في دفع الغلو والتطرف عن الإسلام، والقراءة التي تتهم الإسلام بالغلو والتطرف، وتبحث في المقابل عن كل ما يدين الحركات الإسلامية، دون استثناء أشار الباحث في بداية مداخلته إلى أنه أراد لقراءته ألا تكون تلخيصا لمضامينه، ولا شرحا لقضاياه، وإنما هي قراءة منهجية تنطلق من الإشارات التي ضمنها أبو زيد كتابه. وقد انطلق من الوضع الاعتباري للكتاب وصاحبه مشيرا إلى أن الكتاب يتناول موضوعا شغل ولا يزال يشغل الساحة الثقافية والسياسية والدينية والإعلامية المعاصرة، ويتعاطى مع ظاهرة فرضت نفسها بوصفها ظاهرة مركبة ومعقدة، حاول المؤلف أن يتناولها من خلال ثلاث زوايا تنظيرية، (الفصل السادس الغلو المسلح من المواجهة إلى المراجعة)، تحليلية تفسيرية ، أو نقدية. ونبه الباحث على أهمية النتائج القوية التي انتهى إليها أبو زيد في خلاصات كتابه. ووقف ضمن الاعتبار الثاني المتعلق بشخصية المؤلف على تميز أفقه المعرفي الرحب والموسوعي ورصيده العلمي والمنهجي، وعلى تجربته الرائدة في مجال العمل في الحركة الإسلامية، وتتبعه لمختلف مساراتها وتجاربها لاسيما وقد خاض تجربة طويلة في تصحيح المفاهيم ولواحقها وتفكيك المواقف وخلفياتها وتقويم فهم الحركات الإسلامية لذاتها ولمحيطها. وفد فضل الباحث أن يوطئ لقراءته بسياقات الكتاب، مركزا في ذلك على ثلاث سياقات : عام يتمثل في راهنية موضوع العنف والإرهاب والتطرف، وتزايد أهيمته بعد دخول الحركات الإسلامية إلى العمل السياسي، وما صاحب ذلك من تشويش على قدرتها في التخلي عن مواقفها المعادية للفرقاء السياسيين، وسياق خاص يرتبط بما عرفته الحركات الإسلامية من إعادة قراءة لمسارها وتجاربها، وما صاحب ذلك من إعادة النظر في بعض المواقف وأساليب العمل واستراتيجياته، إضافة إلى مراجعة الأهداف والرهانات، ثم سياق ذاتي يرتبط بانشغالات أبي زيد، إذ منذ أحداث 16 ماي، وهو يوجه جهده نحو قراءة ودراسة ظاهرة العنف والإرهاب، سواء من خلال كتاب ''معضلة العنف رؤية إسلامية'' سنة ,2007 أو غيرها من المواضيع ذات العلاقة، كأزمة العقل المسلم المعاصر، والطائفية والتعصب المذهبي، والحركة الإسلامية بين الفكر والواقع. وبعد تفصيله لسياقات تأليف الكتاب، تناول الباحث الزاوية التي تناول منها أبو زيد النظر إلى موضوع الغلو ، إذ أشار إلى تعدد الزوايا التي اعتمدها الكاتب بين زاوية النقد وزاوية التنظير وزاوية التحليل، وأكد الباحث في هذا الخصوص أن أبا زيد تجنب في كتابه السقوط في قراءتين اثنتين يجمعها البعد الإيديولوجي: القراءة الدفاعية التي تجتهد في دفع الغلو والتطرف عن الإسلام باعتباره دينا، وتبحث في الكتاب والسنة والسيرة النبوية عن كل ما يثبت أن براءة هذا الدين، والقراءة التي تتهم الإسلام بالغلو والتطرف، وتبحث في المقابل عن كل ما يدين الحركات الإسلامية، دون استثناء، ، وفضل أن يتبنى قراءة موضوعية علمية متخصصة تبحث في أسباب الغلو ومظاهره ونتائجها وكيفية محاصرته. وعلل الباحث اندراج كتاب الأستاذ المقرئ أبو زيد هذا ''الغلو في الدين'' ضمن هذه القراءة الأخيرة بالتصميم المنهجي للفصول، بدءا بالقراءة النظرية التي تحدد المفهوم، مرورا برصد أصله وحصر مجالاته وأسبابه ومحاضنه، وصولا إلى اقتراح نموذج تفسيري للظاهرة، مع التوقف عند القراءة التطبيقية من خلال تفكيك خطاب ''الجماعة الإسلامية المقاتلة'' في مصر، لينتهي إلى اقتراح الحلول. ثم من خلال وضوح رهانات دراسته ، متجنيا الأسلوب العاطفي الدفاعي ومعتمدا في ذلك النقد الذاتي مع الاستشهاد بذوي الاختصاص ممن ينتمون إلى الحركة الإسلامية أو من خارجها ، ثم من اعتماد منهج تفكيك الخطاب بتوظيف أدوات الدراسات الأسلوبية، هذا دون أن يغفل موقعه الفكري كباحث، إذ يصرح بكونه ينتمي إلى من يحملون همّ هذه الأمة وهمّ هذه الدعوة. ويرى الباحث أن أبا زيد اعتمد في كتابه مقاربة نسقية ثقافية، يحكمها تصور يتأسس على قراءة ''الغلو في الدين'' انطلاقا من مؤشراته الداخلية في تفاعلها مع السياق التاريخي والديني والثقافي والسياسي. أما غاياتها ورهاناتها، فتتمثل في مراجعة صنفين من القراءة؛ قراءة ذاتية امتهنت جلد الذات، وقراءة خارجية امتهنت تشويه قيم الإسلام. وأشار الباحث إلى بعض تجليات هذه المقاربة النسقية الثقافية( نقد منهج التعامل مع الأصول، من قرآن وسنة وسيرة نبوية.. بتغيير القراءة النصية المعزولة والانتقائية إلى القراءة السياقية.- نقد القراءة الوسائطية التي تعتمد على تفسيرات جاهزة- المقارنة بين الرؤى: المقارنة بين رؤية التوجه المعتدل الوسطي للإسلام، ورؤية التوجه المغالي) وبخصوص الاستشهادات التي وظفها أبو زيد في كتابه، لاحظ الباحث تعدد وظائف النصوص التي أوردها الكاتب (وظيفة تفسيرية وظيفة إشهادية وظيفة تمثيلية) ووقف على طريقة الكتاب في بناء الاستنتاجات بدءا بطرح القضية وتفاصيلها، ومناقشتها والاستدلال عليها، وتركيب عناصره، للوصول بعد ذلك إلى بناء الاستنتاج. وانتهى الباحث في آخر مداخلته إلى أن ''ملحق: هذا هو الإسلام'' لخص فلسفة الكاتب ورؤيته لست قضايا أساسية (قضية الاقتناع بأن الخضوع لله هو الطريق لرفع الاستبداد مهما كانت قوته والصرامة العلمية والمنهجية التي تلخصها قاعدة ''إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدّعيا فالحجة والاقتناع بأن تكريم الإنسان هو مسؤولية وتكليف و الاقتناع بأن هذا الدين هو تصديق للديانات السابقة قبل الهيمنة عليها أن هذا الدين هو دين جميع الأنبياء والهدف واحد هو إسعاد البشرية بالهدى والشفاء والنور وأن الإسلام جاء ليعلن عن نضج الإنسان ورشده وما يترتب عن ذلك من اعتبار العقل والفكر والاجتهاد وسيلة الاستخلاف. المقرئ أبو زيد مؤلف الكتاب وفي ختام الندوة أعطيت كلمة للمؤلف للتعليق على القراءات الثلاث التي تناولت كتابه، فأشار إلى أن كتابه يمثل حلقة ضمن مسار فكري انطلق عند المؤلف مبكرا، يركز فيه على الأعطاب الفكرية والمنهجية التي تصيب العقل المسلم في طريقة تعامله مع النصوص الشرعية وفهمه للأحكام، كما أشار إلى أنه اختار مقاربة النقد الذاتي لعلمه بأن هذه هي أفضل طريقة لمعالجة المشكلة من أصلها وعدم مداهنتها بأي نوع من الدفاع أو التبرير مقتديا في ذلك بمنهج المودودي في كتابه ''الخلافة والملك'' الذي فضل فيه ترك كتب لأئمة مشهود لهم بالعلم مثل الإمام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة، والإمام ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم لأنها تقدم في موضوع الفتمة معرفة دفاعية تبريرية، وأنه بدلا عن ذلك فضل ألا يقدم الكتاب بمنهج المحامي، وإنما قدمه برؤية موضوعية لا تجامل أحدا. وفي هذا السياق، أكد المؤلف أنه رغم حملات الاستهداف التي تواجهها الحركة الإسلامية، ورغم التضييق التي تعرفه من قبل الأنظمة السياسية العربية، فإن ذلك لم يمنعه من التمسك بممارسة النقد الذاتي ، لأن اليقظة في مواجهة الأخطاء ونقدها شرط سابق في التماسك وتفويت الفرصة عل المناوئين. وأشار في هذا الصدد أنه لأول مرة أتيحت له الفرصة لدخول غزة، ومقابلة اسماعيل هنية، تقدم بكلمة، اعتبر فيها أن الخطر لن يأتي من المخابرات الأمريكية ولا من الحصار الدولي ولا من الحصار العربي، ولا حتى من كيد المناوئين في الداخل الفلسطيني، وإنما يمكن أن يأتي من العطب الداخلي، وأنه استثمر الفرصة لتنبيه قيادة حماس على خطورة التضييق على الحريات داخل غزة وأن ذلك إن تم سيشكل الضربة القوية لحماس إذ سيفقدها رأسمالها الحقيقي وهو ثقة الجماهير فيها. وشدد أبو زيد من خطورة الغلو في الدين، وخطورة استغلال الدين لترويج مفاهيم خرافية أو تحقيق مغانم اقتصادية، معلقا في هذا الصدد على حدث إقفال الحكومة المصرية للعديد من القنوات الفضائية، حيث أكد أن بعض هذه القنوات يستحق فعلا أن يغلق لأنه ينشر التخلف باسم الدين. وختم أبو زيد كلمته بالتأكيد على ضرورة النقد الذاتي ومواجهة كل من يريد أن يبرر التخلف باسم الدين، مشيرا إلى أن التخلف حين يأتي من خارج الدين يسهل مواجهته، لكن حين يتذرع بالدين يصبح كارثة، إذ تصير المواجهة مركبة، تنطلق أولا من تحرير الدين من المتخلفين، ثم مواجهة التخلف بعد ذلك.