الملك يترأس جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة    العراق يجدد دعم مغربية الصحراء .. وبوريطة: "قمة بغداد" مرحلة مهمة    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يواجه المغرب خطر الإرهاب
كرس الرقابة على الخطاب الديني ونوع أجهزته الأمنية لدحر التطرف
نشر في المساء يوم 30 - 03 - 2015

تشكل العلاقة بين السياسة والدين في المغرب متلازمة أساسية في عصر الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال، وهي متلازمة تنطبق على مختلف بلدان العالم العربي في مرحلة الاستقلالات الوطنية ونشأة الدولة الحديثة، بيد أنها في المغرب تتخذ بعدا مختلفا، نظرا لارتباط الشرعية السياسية للدولة بالشرعية الدينية، وهي خصوصية ربما لا يوجد نظير لها في العالم العربي، عدا في المملكة العربية السعودية، مع بعض الاختلافات.
ارتبط المجال الديني في المغرب، منذ فجر الاستقلال، بالاستقرار السياسي والأمني، فهناك علاقة جدلية بين الاثنين بسبب الطابع الخاص للدين الإسلامي، الذي يتضمن شقا سياسيا واضحا، يوفر القابلية لإنتاج خطابات سياسية متضادة ذات قدرة على معارضة الخطاب الرسمي. في هذا السياق، جاء إنشاء رابطة علماء المغرب في بداية الستينيات، إذ كانت محاولة لتأكيد الطابع الديني للسلطة، رغم التباينات التي حصلت بين الطرفين في بعض الفترات، بسبب عدم اعتياد العلماء حتى تلك الفترة على الخضوع لسلطة معينة. فقد كانت تلك المبادرة نوعا من البحث عن التوازن في إطار الصراع مع القوميين العرب، الذين كان يمثلهم جمال عبد الناصر في مصر.
غير أن الحديث عن سياسة دينية في المغرب لم يبدأ إلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بعد الثورة الإيرانية، التي دفعت العديد من البلدان العربية الأخرى إلى إعادة النظر في المؤسسات الدينية والخطاب الديني، من منطلق تحول المذهب الشيعي إلى دولة لأول مرة في العصر الحديث، الأمر الذي كان من شأنه إحداث نوع من الصراع مع المذهب السني المنتشر على نطاق واسع في العالم العربي، ونقل الصراع السني الشيعي إلى قلب الدول العربية. وقد أدت الثورة الإيرانية الشيعية إلى إشعال حماسة الحركات الإسلامية في العالم العربي، وهو ما أملى على البلدان العربية اتخاذ إجراءات في المجال الديني في اتجاه المزيد من الضبط لضمان المزيد من الاستقرار. وفي هذا السياق، جاء إحداث المجلس العلمي الأعلى بالمغرب في بداية الثمانينيات، وظهر توجه الدولة نحو فرض قبضتها على الحقل الديني، خصوصا بعدما كشف الملك الراحل الحسن الثاني عن وجود محاولات شيعية لقلب نظام الحكم في خطاب 1984.
كانت تلك أول خطوة ظهر فيها بوضوح الترابط بين التحكم في المجال الديني وبين الضرورات الأمنية. غير أن تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، وظهور تيار السلفية الجهادية على نطاق العالم العربي بأجمعه، شكلا منطلقا لوضع خطة شاملة في الحقل الديني لم يكن لها مثيل من قبل، إذ تضمنت عددا من المبادرات والإجراءات المتوازية والمتراكمة، هدفت إلى»دولنة» المجال الديني، بالنظر إلى أن هذا الأخير لم يعد مجالا مغلقا، بعد بروز خطابات عدة تنحو إلى التشدد ومناكفة مشروعية الدولة، أنتجت مفاهيم جديدة مستوحاة من التراث الفقهي القديم لتعضيد مشروعيتها، تشكل تهديدا ملموسا للاستقرار وللتقاليد الدينية السائدة.
لقد برز هذا التوجه منذ البداية من خلال إعادة النظر في اختصاصات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عام 2003، إذ أصبح من مهامها «التعريف الصحيح بحقائق الدين الإسلامي الحنيف والسهر على نشر تعاليمه»، و»الحفاظ على القيم الإسلامية وسلامة العقيدة، والحفاظ على وحدة المذهب المالكي»، ثم إعادة النظر في تنظيم المجالس العلمية، وتوسيع نطاقها ومهامها واختصاصاتها، وإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء لدى المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه الملك بوصفه أميرا للمؤمنين، على أساس أن تكون الهيئة مكلفة بإصدار الفتاوى ذات العلاقة بالحياة العامة، بما يقطع الطريق على تسيب الفتاوى، الذي انتشر على نطاق واسع منذ تفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وظهور تيار السلفية الجهادية، وانتشار القنوات الفضائية الدينية ذات التوجه السلفي المتشدد.
أدرك المغرب في الألفية الجديدة أن تحدي التطرف الديني لم يعد مقتصرا على الداخل، وأن تدبير الشأن الديني لا يمكن أن يكتفي بالتدابير التي تنصب على الجبهة الداخلية، فقد أصبحت الهجرة من المحاور المهمة التي يتسرب منها التطرف الديني، بالنظر إلى تعدد الخطابات الدينية في بلدان المهجر، وقابلية المهاجرين لامتصاص الأفكار المتشددة في غياب التحصين العقدي والمذهبي، ومن هنا جاء التفكير في إنشاء المجلس العلمي المغربي بأوروبا عام 2008، ليرتبط بمغاربة الخارج، في إطار سياسة القرب التي نهجها المغرب في الحقل الديني وتمثلت في توسيع المجالس العلمية الإقليمية على الصعيد الداخلي.
وبالطبع، لم يكن لأي سياسة دينية أن تتحقق من دون إشراك الفئة التي يرتبط بها الخطاب الديني بشكل حصري، وهم العلماء والأئمة والمرشدون الدينيون، وفي هذا الإطار، شكل وضع ميثاق للعلماء عام 2009 تأكيدا لعزم الدولة على إعادة تأطير القائمين بالشأن الديني بشكل تدريجي، في أفق خلق فئة منسجمة مع الخط الرسمي للدولة في المجال الديني، وتوحيد الخطاب والمرجعية، وفي نفس المسار جاء إنشاء الرابطة المحمدية للعلماء التي عوضت رابطة علماء المغرب، في إطار السياسة الدينية الجديدة.
وفي اتجاه المزيد من تكريس الرقابة على الخطاب الديني المتشدد، عملت الدولة على وضع عدة قوانين تهم المساجد منذ عام 2006، حين تم إقرار شروط معينة لفتح مساجد جديدة، تشمل الترخيص المسبق من الوزارة المعنية، وجمع المعطيات والمعلومات عن مختلف المساجد الموجودة في المملكة. وتعززت هذه الإجراءات بالمرسوم الملكي، في السنة الماضية، الذي ينص على منع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي، سعيا إلى فك الارتباط بين المسؤوليات الدينية والمسؤولية السياسية.
غير أن ملف السلفية الجهادية، الذي فتح عام 2003، ما يزال مفتوحا اليوم بالرغم من كل هذه التحولات التي مست الحقل الديني في المغرب، وهو ملف اتسمت فيه السياسة الرسمية للدولة بنوع من المراوحة والتلكؤ، العائدين فيما يبدو إلى سرعة التحولات في المشهد الدولي في ما يرتبط بنزوعات التطرف والتشدد الدينيين، وبروز جماعات مسلحة ذات ميولات سلفية جهادية، مما يجعل هذا الملف يخضع في كل مرة إلى الإرجاء.
هكذا نجحت المقاربة الأمنية المغربية في التعاطي مع الأخطار الإرهابية؟
بين تحديات الديمقراطية وهواجس الأمن وجد المغرب طريقا ثالثا يجمع بين الاثنين
محمد أحداد
الأمن لم يصبح مجرد مفهوم للاستهلاك الإعلامي العابر أو مفهوما غريبا كالذي تستورده الدول الصغيرة لتبيئته في ظروف مغايرة، بل أصبح «دينامو» يمسك بالسياسة ويسيرها كما يشاء ويتحكم في الاقتصاد بالطريقة التي يبتغيها هو، ولا غرابة أن يكون الصراع الدائر حاليا في العالم يدور حول من يتحكم في الخريطة الأمنية العالمية، ومن يستطيع أن يضمن لنفسه حلفاء أمنيين ظرفيين أو دائمين.
المغرب لم يكن يوما بعيدا عن هذا التدافع في حرب المواقع الأمنية بالنظر إلى موقعه الجغرافي، الذي يحاذي ساحلين كبيرين وخطوط التماس التي تجمعه بإفريقيا الساحل وجنوب الصحراء، وفوق ذلك راكم تجربة أمنية كبيرة في التعاطي مع قضايا الإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات.
استطاع المغرب خلال عشر سنوات أن يصبح رقما صعبا في المعادلة الأمنية العالمية، بل واكتسب ثقة أقوى الأجهزة الأمنية في العالم في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فصارت تتعامل معه ك «ند أمني»، يشارك في القمم العالمية للأمن، ويساهم في الحملات الدولية وتطلب خبراته الأمنية في العديد من الدول. من أين اكتسب المغرب هذه القوة الأمنية؟
قد يكون الجواب مرتبطا في المقام الأول بالتجربة الطويلة التي راكمها في التعاطي مع الخلايا الإرهابية، فمنذ هجمات 16 ماي بالدار البيضاء، بات العقل الأمني المغربي يقظا لأنه يدرك أن ما حدث في البيضاء قد يتكرر بنفس الصيغة، وذلك بالتحديد ما جرى في أحداث تفجير مقهى أركانة بمراكش، والحال أن المغرب طوال الفترة الزمنية الفاصلة بين الهجوم الأول والهجوم الثاني، تعامل بصرامة كبيرة مع الأخطار الإرهابية التي كانت تأتيه من مصادر متعددة أبرزها القاعدة في المغرب الإسلامي.
هذه التجربة الأمنية في التعاطي مع الخلايا الإرهابية والقائمة على التدخل بشكل استباقي دفعت وزير الداخلية الفرنسي السابق إلى أن يقول غداة الأحداث التي استهدفت المجلة الساخرة شارل إيبدو إن فرنسا فقدت حليفا أمنيا استراتيجيا، وهاجم يومها الحكومة الفرنسية لأنها لم تقدر على بناء جو الثقة مع المغرب. تصريح المسؤول الفرنسي الذي كان في قلب المعادلة الفرنسية يفهم منه أمران: أولهما أن فرنسا فقدت حليفا يتوفر على قاعدة معطيات مهمة، والثاني أن الدخول في لعبة شد الحبل مع المغرب تخسر منه فرنسا على المستوى الأمني.
فهم المغرب جيدا أن مقاربته الأمنية نجحت إلى درجة أن مسؤولا فرنسيا كبيرا قال على الهواء إن بلاده خسرت الرهان مع المغرب، والذين تابعوا فصول الأزمة الفرنسية المغربية، أدركوا أن المغرب لعب بنجاح ورقة المصالح الأمنية المشتركة، ولذلك خرج منتصرا من إحدى أشهر»الحروب الدبلوماسية» بين الحليفين التقليديين.
لم تعد المقاربة الأمنية مجرد حماية لأمن البلاد من الأخطار الإرهابية، إنما صارت ورقة رابحة يوظفها مع جيرانه، كما حدث مع إسبانيا التي وشحت عبد اللطيف الحموشي مدير»الديستي» بأرفع الأوسمة، وهي الورقة التي يبدو أن المغرب يحسن استثمارها في جو إقليمي يغلي على جميع الأصعدة، لاسيما أنه لم يجنح إلى اعتماد النموذج الأمني لبعض البلدان العربية، التي فضلت الهاجس الأمني على تطوير المناخ الديمقراطي.
بين تحديات الديمقراطية وهواجس الأمن، وجد المغرب طريقا ثالثا يجمع بين الاثنين، والظاهر أن الجهاز الأمني انتقل إلى مرحلة «التحديث»، فبعد أن كان عمل الديستي على سبيل المثال مطبوعا بالسرية الكاملة، ولم يكن الرأي العام يعرف شيئا عن مجالات تدخلاته سوى العبارات المقتضبة التي ترد في البيانات القليلة، دشن الجهاز الأمني مرحلة جديدة بالإعلان عن تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
يمكن قراءة هذا التحول الجديد في ثلاثة مستويات: المستوى الأول يتعلق بحسم مجال الاختصاصات التي كانت تتسم بالكثير من الغموض، لاسيما حدود صلاحيات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية واختصاصات المديرية العاملة للدراسات والمستندات، أما المستوى الثاني، فيتعلق بإضفاء مزيد من الشفافية والوضوح على تدخلات»الديستي»، فيما المستوى الثالث، وهو الأهم، يقوم على تحديث مؤسسة الديستي وجعلها أكثر فعالية في التعاطي مع الملفات الأمنية، خاصة قضايا الإرهاب.
المغرب يواجه أخطارا أمنية كثيرة، لأنه يوجد في حمأة منطقة تفور بالأحداث المتسارعة، والكل ينتظر منه أن يكون صمام أمان ضد الجماعات الإرهابية القادمة من العمق الإفريقي، وأن يراقب التحركات التي تقوم بها الجماعات الموالية للقاعدة ولداعش. لذلك يبدو أن الإقدام على هذه الخطوة في هذه اللحظة بالذات أمر ضروري. ومن جهة أخرى، تؤكد هذه الخطوة أن المغرب تجاوز النموذج الأمني الفرنسي وبدأ يسلك نمطا أمريكيا جديدا، فهل هي بداية مرحلة جديدة محورها مواجهة الإرهاب وقطرها منطقة شمال إفريقيا بكاملها؟
المرزوقي: أصبح لزاما على الدولة عدم الاكتفاء بالعمليات الاستباقية الداخلية واعتماد سياسة هجومية
قال إن هناك مؤشرات وأوضاعا سياسية واجتماعية تبين أن المغرب مستهدف
حليمة بوتمارت
– كيف تقيّم سياسة المغرب في مجال محاربة الإرهاب، خاصة في ظل تنامي المخاطر التي تمثلها «داعش»؟
أعتقد أن المغرب راكم منذ بداية الاستقلال تجربة مهمة في التعامل مع كل ما لا يتماشى وسياسية الدولة. لقد ظلت الدولة المغربية فترات طويلة تعمل على إضعاف خصومها على المستوى الداخلي، سواء تعلق الأمر بالهيئات السياسية والنقابية، أو بالحركات المسلحة، أو التنظيمات اليسارية السرية، إضافة إلى أن المغرب، من خلال سياسته الخارجية، التي تمحورت حول القضية الوطنية بصفة رئيسية، تمكن من الحفاظ على الأوضاع الأمنية بصفة عامة، وخاصة تلك التي يُمكن أن تأتي من الخارج. وتبعا لذلك، كانت لدى الدولة منهجية قادرة على احتواء الأخطار والتعامل معها دائما بالطرق الاستباقية، التي لا تسمح للخصم بأن يكون صاحب المبادرة.
ولهذا، أعتبر أنه من الطبيعي أن تكون سياسة المغرب من بين أنجح سياسات محاربة العمليات الإرهابية بناء على التداخل الحاصل بين البُعد الوطني والأبعاد العالمية.
– ما هي التحديات المطروحة أمام الدولة المغربية في قضايا محاربة الإرهاب؟
التحديات المطروحة في مجال مكافحة الإٍرهاب لا تهم المغرب لوحده باعتبار أن الإرهاب لم يعُد مجرد عمليات منفصلة عن بعضها البعض، أو عمليات موسمية ظرفية، بل تحول إلى ظاهرة عالمية له امتدادات في مختلف الدول والمجتمعات، وأصبحت تحركاته وعملياته تتم بأشكال جديدة وبسرعة أكبر مما كانت عليه سابقا. وهو ما يستلزم تكاثف الجهود على المستوى الدولي للوصول إلى نتائج إيجابية. لكن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا حينما أصبحت للإرهاب مجالات تسمح له بالتحرك بسهولة عبر الاستفادة بشكل كبير من الأوضاع التي يمر منها العالم العربي من خلال تعدد بُؤر التوتر، والمناطق التي تعرف الصراعات المسلحة، وشساعة منطقة الصحراء والساحل.
وهكذا، أصبح لزاما على الدولة ألا تكتفي بالعمليات الاستباقية الداخلية المتمثلة في تفكيك الخلايا الإرهابية، بل أيضا اعتماد سياسة هجومية ولو خارج التراب الوطني. وهو ما يُفسر إلى حد بعيد وجود القوات العسكرية المغربية في الأماكن التي يُمكن أن تُشكل مصدرا لأي خطر إرهابي. فالأبعاد الدولية التي تحدثنا عنها تفرض التعاون الخارجي مع كل الدول التي تربطنا بها علاقات جيدة من جهة، وفي كل الدول التي تعرف استعمالا مكثفا للعنف المسلح من جهة أخرى.
– هل تتلاءم المقاربة المعتمدة حاليا في مكافحة الإرهاب مع المقاربة الحقوقية التي وجهت عدة انتقادات في هذا الشأن؟
أولا، ينبغي الإشارة إلى أن المقاربة الحقوقية مطروحة بصفة شمولية، إذ نلاحظ انتقادات عديدة للسياسة المغربية في المجال الحقوقي، سواء من بعض الحركات الداخلية أو من طرف بعض التنظيمات الدولية. لذلك، لا أعتقد أن هناك مقاربة غير حقوقية تهم فقط مجال مكافحة الإرهاب، ولكن الأمر يهم سياسة شمولية للمغرب. وحتى على هذا المستوى نلاحظ أن هناك تقدما نوعيا في المجال الحقوقي دون أن يمنع ذلك من بعض التجاوزات التي قد تظهر من حين إلى آخر. فالمجتمع المغربي يعرف تطورات مهمة، ومن الطبيعي في كل المراحل الانتقالية أن تتعايش بعض مخلفات الماضي (السلبية) مع السياسات الجديدة (الإيجابية).
وانطلاقا من هذه الملاحظة، أعتبر أن الأمر لا يتعلق بسياسة شمولية تستهدف المعنيين بقضايا الإرهاب لوحدهم. فالمعالجة الإعلامية لهذه الفئة بالضبط ولوحدها هو الذي خلق هذا التصور. ويكفي، مثلا، أن نطلع على التقارير المختلفة حول السجون لنكتشف أن الأمر لا يهم فئة دون أخرى.
– هل يمكن تصنيف المغرب بأنه من البلدان الأكثر استهدافا من طرف الجماعات الإرهابية؟
ليست هناك قاعدة مطلقة تُمكن من القول إن المغرب أكثر استهدافا من الدول الأخرى، لكن هناك مؤشرات وأوضاع سياسية واجتماعية تسير في هذا الاتجاه. إن المغرب من خلال تمكنه من الخروج من الحراك المجتمعي، الذي عرفته المنطقة العربية بصفة عامة، وقدرته على تفادي الدخول في متاهات سياسية من جهة، أو في مواجهات مسلحة من جهة أخرى، جعل الأوضاع الداخلية أكثر استقرارا، بشكل يسمح بالتحرك دون عوائق كثيرة.
والدول التي لا تعرف أي حركات إٍرهابية في الوقت الحالي، هي الدول التي لم تعرف أي تقدم ديمقراطي أو تطور حقوقي، وبالتالي لا زالت تقمع أي تحرك لا يسير في اتجاه سياسة الدولة، وعلى العكس من ذلك إذا كان المغرب مُستهدفا، فلأنه يتقدم.
أما عن الأوضاع الاجتماعية، فإن القاعدة أصبحت تترسخ أكثر من أي وقت مضى، وهي أن الفقر يخلق التطرف ويُنَميه، وقد يدفع بصاحبه إلى أقصى درجات استعمال العنف ضد الأفراد الآخرين أو اعتماد الإرهاب ضد المجتمع ككل.
ويجب ألا نغفل مع ذلك أن المغرب متميز بنظام الملكية الراسخة، وإمارة المؤمنين، ووحدة العقيدة والمذهب، والهوية المتعددة الروافد، فكلها أمور تجعله أكثر استهدافا.
– اعتمد المغرب في محاربة الإرهاب على سياسة دينية جديدة. هل استطاعت هذه السياسة تحقيق نتائج ملموسة؟
اعتماد سياسة دينية جديدة من خلال إعادة هيكلة الحقل الديني مسألة إيجابية جدا، وتسمح للمغرب بأن يعمل على نشر تطبيق وسطي للدين الإسلامي. إلا أنني لا أعتقد أن هناك علاقة بين الموضوعين. فالتطرف غير مرتبط بالدين لوحده حتى نعمل على محاربته. لقد عرف العالم موجات من الإرهاب: إرهاب اليسار المتطرف في أوروبا نفسها، إٍرهاب الدولة في العديد من أقطار العالم الثالث، الإرهاب العرقي الذي أدى إلى مجازر تاريخية، الإرهاب «الديني» الذي كان قيام إسرائيل خير معبر عنه، والذي كان السبب في ظهور إٍرهاب مضاد.
وعلى هذا الأساس، فإن السياسة الدينية الجديدة ينبغي أن تكون متعددة الأبعاد لتشمل البُعد الوطني الداخلي، الذي يستهدف معالجة الغلو في تفسير تعاليم الدين الإسلامي من جهة، والبُعد الخارجي الذي لا يُمكن أن يكون مُقنعا إلا باعتماد سياسة خارجية واضحة تدل على ذلك التوجه.
وفيما يخص الشق الداخلي، فإن إعادة هيكلة الحقل الديني لا بُد أن تُعطي نتائج إيجابية، لكن ليس على مستوى الأمد القصير، لأننا الآن نواجه تطرفا قائما من الصعب ثنيه عن عزمه بالموعظة والإرشاد لوحدهما، بل أيضا بسياسة اقتصادية اجتماعية تُدمج الشباب وتُخرجه من حالة الفراغ التي يعيشها ليندمج بشكل أكبر في خدمة المجتمع، فلا تترك له فرصة للانتقام منه.
– نلاحظ أنه لحد الآن تم تجميد المبادرة الساعية إلى تحقيق المصالحة مع السلفية الجهادية. إِلامَ تعزو ذلك؟ وهل يمكن أن نرى في الأيام القادمة اختراقا لهذا الملف؟
رغم تحفظي على المصطلحات المستعملة، أعتبر، بصفتي متتبعا للحياة السياسية والحقوقية بالبلاد، أن الأسلوب الذي يُراد أن تتم من خلاله عملية «المصالحة» لا يسير والتوجه العام لسياسة الدولة المغربية.
إن سياسة المصالحة انطلقت مع العهد الجديد، وتمت بأشكال كثيرة، وفي مجالات عديدة. ويكفي أن نشير هنا، مثلا، إلى المصالحات التي تمت مع انتهاكات الماضي، والأمازيغية، والإدارة الترابية… وهي كلها أوراش مهدت لدستور 2011. لذا فالحديث عن تحقيق «مصالحة» جديدة سيُظهر الدولة وكأنها لم تستكمل عملية المصالحة، وأن المجتمع المغربي في حاجة إلى إعادة فتح نقاش عمومي جديد، وفي موضوع حساس جدا.
ولهذا السبب بالذات، أعتقد أنه ينبغي البحث عن أشكال أخرى للمصالحة، يُمكن أن تكون عبارة عن سياسة إدماجية تراعي الشروط السياسية الجديدة التي يعيشها المغرب، والتحديات المطروحة عليه، بدون وضع عناوين للمرحلة وكأننا سنبني من جديد. فالعنوان الرئيسي المطروح الآن في المغرب ينبغي أن يكون، وأن يظل، فتح المجال للجميع للمساهمة في التنمية الشمولية، كل حسب قناعاته، وفق حد أدنى لا يُمكن النزول عنه للحفاظ على استمرارية الثوابت التي أصبحت أساس صلابة هذا المجتمع. والوصول إلى هذه المرحلة يقتضي فقط الأخذ بعين الاعتبار أن التنمية لا يُمكن أن تتم إلا في ظل جو سياسي واضح، وبُعد حقوقي شامل. وهما عنصران كافيان لإزالة التوترات بين كل الأطراف.
مكاوي: الأجهزة الأمنية نجحت في بت الرعب داخل التنظيمات الإرهابية
المهدي السجاري
شكلت أحداث 16 ماي الإرهابية نقطة تحول في تعاطي الأجهزة الأمنية المغربية مع الخطر الإرهابي، ودفعت إلى رفع حالة التأهب ووضع استراتيجيات وخطط أمنية يتم تحيينها حسب طبيعة هذه المخاطر ومصدرها.
هذه الاستراتيجيات والخطط مكنت من تفكيك العديد من الخلايا التي كانت تحضر لعمليات خطيرة تستهدف زعزعة أمن واستقرار البلد، حيث جرى بين 2002 و2015 تفكيك حوالي 132 خلية إرهابية وتوقيف 2720 شخصا وإحباط 276 مشروع عملية إرهابية، وفق ما أعلن عنه، مؤخرا، عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
الاستراتيجية الأمنية المتبعة تميزت بالعمليات الاستباقية والمراقبة الميدانية والافتراضية عبر الشبكات العنكبوتية للمشتبه فيهم، حيث أبانت عملية التفكيك الأخيرة التي أعلن عنها المكتب المركزي للأبحاث القضائية عن الدور المحوري للعنصر البشري الاستخباراتي في المراقبة التي استمرت لأكثر من خمسة أشهر، قبل الإطاحة بالخلية.
إلى جانب هذا العمل، شهد التعاون الاستخباراتي مع عدد من الدول الغربية والعربية تطورا ملحوظا، في ظل الإشادة بالدور الفعال لمديرية مراقبة التراب الوطني في محاربة الإرهاب، بشكل يجعل الاستراتيجية الأمنية المغربية نموذجا على مستوى المنطقة والعالم. هذا النموذج المغربي، الذي لا يعتمد فقط على المخططات الأمنية، بل مواجهة الفكر المتطرف بنموذج التدين المغربي المتسم بالاعتدال.
عبد الرحمان مكاوي، الخبير الاستراتيجي والعسكري، أكد في تصريح ل»المساء» أن كل مقاربة أمنية تعتمد على أربعة عناصر أساسية أعطت نتائج مهمة منذ سنة 2003، وذلك عبر تفكيك أكثر من 130 خلية، إلى جانب الثعالب «الشاردة» أو «المنفردة».
وأوضح أن عناصر هذه الخطة تعتمد على المواطن بصفة فردية والمجتمع كسند أساسي للأجهزة الأمنية، «فالمواطن والمجتمع بكامل مكوناته منخرط بوعي أو بدونه في مكافحة هذه الظاهرة الغريبة عن ثقاتنا وديننا ومجتمعنا، بينما البلدان التي يكون فيها ارتخاء مجتمعي يظهر فيها الإرهاب وارتفاع الجريمة».
ويتمثل العنصر الثاني لهذه الاستراتيجية في نجاح الأجهزة الأمنية بمختلف أشكالها في بت الرعب داخل التنظيمات الإرهابية، التي كانت تنوي المساس باستقرار وأمن البلد، حيث سجل أن هذه الأجهزة لا تقوم بتجميع أو تجديد المعلومة عن طريق الوكالة، بل إنها حاضرة ولها عيون وآذان تمدها بالمعلومة الدقيقة.
المحور الثالث لعمل الأجهزة الأمنية يتميز بالتعاون الأمني والاستخباراتي بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيراتها في الوطن العربي وحلفائها في الغرب، وهو ما يمكنها من تجديد المعلومة على مدار الساعة. عملية اعتبرها مكاوي أساسية في محاربة الإرهاب ومتابعته واجتثاثه وردعه والقضاء عليه.
أما المحور الرابع، الذي تقوم عليه هذه الاستراتيجية الأمنية، وفق تحليل الخبير الاستراتيجي، فهو «وجود شباب أذكياء من خريجي جامعات وطنية ومعاهد عليا تم توظيفهم بغية متابعة العناصر الإرهابية في عملية التواصل واستقطاب عناصر جديدة، إذ أن هذه الكفاءات تتوفر على مؤهلات عالية في تتبع ما يروج في الشبكات العنكبوتية ومكافحة التجسس والاختراق ومختلف التقنيات الإلكترونية الحديثة، وهو ما تعترف به كثير من مراكز الدراسات في الشؤون الاستخباراتية».
وسجل مكاوي أن «المقاربة المغربية مقاربة خاصة تجمع بين النموذج الأمريكي وأيضا النماذج الفرنسية والألمانية والصينية والروسية، إذ أنها تعتمد على التجارب الموجودة في هذا الميدان، مما مكنها من إيجاد آليات مغربية تمكنها من مواجهة هذه المخاطر».
ويضيف أن «هذه الاستراتيجيات لا تعني أن بلدنا في منأى عن الإرهاب، فرغم كل هذا الاستنفار الذي تعرفه الأجهزة الأمنية والعسكرية في المغرب، فذلك لا يعني أننا في منأى عن عمليات إرهابية، لكن الإرهابي جبان بطبعه، وهو يتراجع أمام الاستنفار الأمني واليقظة الكبيرة المرتبطة أيضا بيقظة المجتمع».
ويرى الخبير الأمني أن «أي عمل استخباراتي يخضع للتحديث الفوري على مدار الساعة، لأنه لا يمكن محاربة هذه الآفة بدون متابعتها ومراقبتها». وأضاف أن «هناك جيشا إلكترونيا يتابع هذه التحركات على مستوى الأنترنت وفي كل وسائل التواصل الاجتماعي، وهو على علم بأدق المخططات التي ينوي الإرهابيون شنها على بلادنا، وهو الأمر الذي يبرز من خلال البيانات الصادرة عن بعض التنظيمات كداعش والقاعدة».
وزاد قائلا: «تحديث المعلومات بشكل فوري مكن المغرب من مساعدة الدول المتقدمة كفرنسا والولايات والمتحدة وإسبانيا وحتى بعض الدول العربية، وهو الأمر الذي نجح في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية في فرنسا وإسبانيا والشرق الأوسط».
يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، وعلى رأسها مديرية مراقبة التراب الوطني ومختلف الأجهزة التي تسهر على أمن واستقرار البلد، جعلت المغرب يواجه عددا من المخططات الخطيرة، وأصبحت تجربته في مواجهة التنظيمات الإرهابية محط إشادة دولية في ظل تهديدات تتنامى يوميا، وهو ما يفرض يقظة مجتمعية لمواجهتها.
زعزاع: ما نطالب به كحقوقيين هو محاربة الإرهاب في إطار القانون لا أقل ولا أكثر
مصطفى الحجري
أغلقت من جديد البوابة الحديدية لمقر تابع ل»ديستي»، بعد فتحه لساعات أمام وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية في خطوة غير مسبوقة، تباينت بشأنها ردود فعل الحقوقيين، في ظل الصورة غير الطيبة التي راكمتها الأجهزة الأمنية في ذهن المواطن وفي تقارير عدد من الجمعيات والفاعلين.
رسائل كثيرة تم الحرص على تمريرها خلال الندوة الصحفية، التي عقدت بمقر المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، بعضها كان ضمنيا والآخر صريحا، بعد أن تم الاجتهاد لتقديم صورة مخابرات متفتحة تعمل وفق القانون، وتهدف بالأساس لحماية المغرب والمغاربة من خطر الإرهاب والجريمة المنظمة.
هذه الرسائل قوبلت بسيل من الأسئلة حول طبيعة وخلفيات هذا الانفتاح المفاجئ، وما إذا كانت الدولة تريد التأسيس لمفهوم جديد تعمل على أساسه الأجهزة الأمنية للتوفيق بين ضمان الأمن وحماية الحقوق والحريات، أم أن الأمر يتعلق بخطوة محدودة، لتسويق صورة جيدة أمام الرأي العام الوطني وإبطال مفعول الانتقادات الحقوقية، في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تفرض استنفار المجهود الاستخباراتي لقطع الطريق على أي محاولة إرهابية.
عبد المالك زعزاع، نائب رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، اعتبر أن «السعي لانفتاح المخابرات على محيطها المجتمعي خطوة إيجابية، إذا اعتمدت كأساس لها أن مكافحة الإرهاب تكون بحماية حقوق الإنسان»، وقال: «شيء إيجابي أن تقوم الأجهزة القضائية والأمنية بالانفتاح على وسائل الإعلام، لكن هذه الخطوة لن تكون كافية، لأن الدولة لازالت محكومة بالتوجس من كل ما هو حقوقي، وهو ما يفسر مضيها في التضييق على عمل الجمعيات»، كما أن هذه الخطوة «تبقى محدودة المفعول لكون الدولة لم ترسل أي إشارات واقعية تثبت أنها تسعى للعمل بمقاربة تشاركية مع المواطن والمجتمع».
ويبدو أن تفعيل معادلة التوفيق بين الحفاظ على الأمن وردع أي عمل إرهابي مع ضمان احترام الحقوق والقانون، لن يكون سهل التطبيق، رغم تأكيد الخيام، رئيس المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، على أن الأجهزة الأمنية كانت «تحترم القانون منذ القديم»، وأن ما يتم الترويج له بعكس ذلك لا يوجد إلا في «مخيلة بعض النفوس المريضة».
هذا التصريح الصادر عن الخيام اعتبره زعزاع مخالفا للواقع موضحا: «هذا كلام غير صحيح، وقد تابعنا منذ زمن عددا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحتى العهد القريب كانت هناك خروقات واستعمال للعنف، وهناك ملفات متعددة في إطار قانون الإرهاب شابتها خروقات مسطرية بالجملة».
وقال زعزاع: «نحن نطالب بالانفتاح مع التقيد بحقوق الإنسان والمطلوب هو المزيد من الوضوح والصراحة، والعمل طبقا للقانون، لأن مكافحة الإرهاب تتم عن طريقة حماية حقوق الإنسان وليس العكس» .
ورغم إشهار الخيام للفصل 108 من قانون المسطرة الجنائية، الذي يحدد مجال تدخل المكتب المركزي للتحقيقات القضائية من أجل التأكيد على أن جهازه الأمني، ومعه باقي أجهزة المخابرات، تعمل في احترام تام للقانون، بعد علامات الاستفهام والاتهامات الكثيرة التي لاحقت طريقة اشتغالها، فإن هذا الأساس القانوني يعد، حسب زعزاع، غير كاف في ظل غياب التطبيق السليم.
وأضاف زعزاع «لقد كنا دائما نقول بأن هناك نصوصا إيجابية لخدمة حقوق الإنسان، ولكننا نشتكي من الممارسة المعيبة، بحكم أن بعض الأجهزة الأمنية تتعسف على المواطن خارج القانون، وتتجاوز عن نصوص قانونية لا تفعل ولا تحترم، سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو التحقيق، كما يجري بالمكتب المركزي».
ويبدو أن التوجه الرسمي للتأسيس لعلاقة جديدة مع الأجهزة الأمنية يصطدم بمطلب أساسي تشهره الجمعيات والفعاليات الحقوقية، ويتمثل في ضرورة معالجة عدد من الملفات العالقة، وفي هذا الصدد قال زعزاع إن «عددا من الأشخاص تم التعسف عليهم في ملفات وقضايا تتعلق بالإرهاب، ومنها ملف بليرج حيث لازال هناك أشخاص يقبعون وراء القضبان فيما غادر عدد منهم أسوار السجن»..
وقال نائب رئيس منتدى الكرامة «ينبغي لتحسين الصورة، وطي الصفحة أن يتم حل الملفات العالقة، لأن التأسيس لمرحلة جديدة لن يتم فقط عن طريق الندوات الصحفية، بل أيضا بعمل جاد في خدمة حقوق الإنسان التي لا تتعارض إطلاقا مع الحفاظ على الأمن».
وأضاف زعزاع «ما نطالب به كحقوقيين هو محاربة الإرهاب في إطار القانون لا أقل ولا أكثر، لأن العمل المنفرد لا يقود لأي نتيجة، وهو ما اتضح بعد الانفراد بالقرارات في إطار مقاربة أمنية متشددة وفاشلة لم تؤت أكلها منذ زمن»، و»نحن ننادي بمقاربة جديدة ومنفتحة وشمولية الأبعاد تستحضر محاربة أهم العناصر التي تقود للارتماء في حضن الإرهاب وهي الفقر والجهل والهشاشة».
من جهة أخرى، فإن علامات استفهام كثيرة طرحت حول آليات الرقابة التي يمكن استعمالها لضمان التصدي لأي اختلال أو تجاوز يطبع أداء الأجهزة الأمنية في سعيها لمحاربة التهديد الإرهابي وضمان التقيد بالقانون، رغم تأكيد رئيس المكتب المركزي للتحقيقات القضائية على أنه يتم احترام القانون، وإشعار النيابة العامة المختصة.
زعزاع ألقى بالمسؤولية في ذلك بالنسبة للشرطة القضائية على النيابة العامة بالمغرب، والتي قال إنها لا تفعل مجموعة من المقتضيات القانونية لمراقبة ضباط الشرطة القضائية وهم يقومون بأعمالهم، كمراقبة مراكز التحقيق، والتثبت من حدوث تعذيب أو استعمال للعنف، فيما أكد أن مسؤولية التصدي للخروقات، التي يمكن أن تتورط فيها باقي الأجهزة الأمنية الأخرى، تقع على عاتق الرأي العام والمجتمع المدني لفضح أي انتهاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.