كان تصريح محمد حصاد، وزير الداخلية، حول نشر وحدات «حذر» في المدن الكبرى مقتضبا لكنه دال على كل شيء: ليست هناك تهديدات إرهابية وشيكة تحدق بالمغرب لكن المغرب ينهج دائما سياسة أمنية استباقية في تعاطيه معها، وما خاب من احتاط. والحال أنه ينبغي أن يوضع هذا التصريح في سياقه الزمني والسياسي الموسوم أولا بتدهور العلاقات المغربية الفرنسية، بعد أن حذرت فرنسا رعاياها بالمغرب من وجود مخاطر إرهابية حقيقية علاوة على التهديدات التي أطلقتها منظمات إرهابية على رأسها «داعش» والقاعدة باستهداف المملكة. لغة حصاد كانت هذه المرة مختلفة جدا عن تصريحاته السابقة بالنظر إلى السياق الجديد الذي يأتي فيه نشر قوات «حذر»، التي أمر الملك شخصيا بتشكيلها تفعيلا للمقاربة الاستباقية في مواجهة الأخطار الأمنية، التي تهدد أمن المملكة. قبل أشهر فقط، كانت خرجات حصاد تتحدث عن معطيات عامة وعن المجهود الكبير المبذول من لدن المغرب لتجفيف ينابيع الإرهاب بالمغرب، لكنه هذه المرة قال بما لا يدع مجالا للشك إن المغرب يتعاطى مع تهديدات عامة لكنها غير حقيقية، وقوات حذر ستؤمن حماية المواقع الاستراتيجية بالمملكة في ست مدن كبرى هي مراكش، طنجة، فاس، الرباط، أكادير والعاصمة الرباط. المعلومات التي نتوفر عليها كالآتي: الملك يأمر بتشكيل قوات «حذر» لضمان أمن المغاربة ووزير يشرح ب«حذر» شديد تفاصيل الخطة الأمنية الشديدة وقوات للجيش تنتشر قرب محطات القطار والفنادق الكبرى والمنشآت الحساسة للبلاد. قراءة هذه المعطيات، قد تقودنا إلى الحرب الطويلة التي خاضها المغرب ضد الإرهاب، والتي بدأت فصولها بالتحديد سنة 2001 حينما هاجمت طائرات برج التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، حيث انخرط المغرب في الحرب الدولية ضد تنظيم القاعدة وضد التنظيمات الإرهابية عبر رفع درجة التأهب الأمني في مختلف مناطق المملكة. بعد سنتين فقط من الهجمات التي استهدفت الولاياتالمتحدةالأمريكية اهتزت الدارالبيضاء، القلب الاقتصادي للمملكة، على وقع انفجارات قوية. وقتها تحركت كل أجهزة الدولة وأعلنت حالة استنفار في كل أنحاء المغرب، وتأكد بالملموس أن المغرب ليس بمنأى عن الأخطار الإرهابية. لم تتأخر السلطات كثيرا في الرد على التهديدات، إذ صدر بعد أيام قليلة فقط القانون المتعلق بالإرهاب وعلى إثره اعتقل العشرات من المشتبه فيهم بأنهم على صلة بجماعة السلفية الجهادية. أحداث الدارالبيضاء، غيرت كثيرا من تعاطي الأجهزة الأمنية مع المخاطر الأمنية، إذ بدأت السلطات الأمنية تنهج ما أسمته بالخطط الاستباقية لمكافحة الإرهاب، أسفرت في الكثير من المرات عن تفكيك العشرات من الخلايا النائمة وعن اعتقال العشرات الذين تحوم حولهم شبهة مساندة الإرهاب. بصيغة من الصيغ، أصبحت الأجهزة الأمنية متيقظة ومدركة أن المغرب أصبح تحت المجهر وأن الجماعات الإرهابية لن تتردد في مهاجمة أهداف حيوية داخل المغرب. قبيل الذكرى العاشرة لأحداث الحادي العشر من شتنبر، اهتز المغرب مرة أخرى على وقع تفجير مقهى أركانة بجامع الفنا، أحد أشهر المواقع السياحية بالمملكة، وفي الحين تحركت الأجهزة الأمنية وتمكنت في ظرف وجيز من تحديد المتهمين الرئيسيين في الأحداث. بطبيعة الحال، كان من الواضح جدا أن السلطات المغربية راكمت خبرة طويلة في مجال محاربة الإرهاب، لكن التفجير في حد ذاته شكل تحديا كبيرا أمام السلطات الأمنية. لاشك أن الأخطار الإرهابية تنامت بشكل غير مسبوق، وصارت كل دول المنطقة معرضة لتهديدات أمنية متفاوتة، وقد عمد الخبراء الأمريكيون إلى الحديث عن هاته المخاطر التي وصفوها ب«الجيل الجديد» لأنها مرتبطة بالأساس بالتطور التكنولوجي، ولم تعد الجماعات الإرهابية تشتغل بآليات بدائية، الشيء الذي حتم على المغرب تطوير آلياته وهي الآليات التي استفاض فيها ياسين المنصوري، مدير مراقبة التراب الوطني المعروفة اختصارا ب«لادجيد»، أثناء تقديم عرضه في الأممالمتحدة، حيث تحدث عن الدور الأمني الذي يلعبه المغرب في المنطقة وقدرته على التعاطي مع الأخطار الإرهابية بشكل استباقي. «حذر» إذن، استمرارية للخطة الأمنية التي ينتهجها المغرب في مجال محاربة الإرهاب لكن لا يمكن، كيفما كانت الأحوال، أن ننكر أن خروج وزارة الداخلية لشرح تفاصيل الخطة الأمنية الجديدة يؤشر على أنه وإن لم تكن «هناك أخطار إرهابية وشيكة» إلا أن الظرفية الدولية التي تسير في تجاه تشكيل تحالف دولي موسع لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والتهديدات التي أطلقها تنظيم القاعدة فرض توازنات أمنية جديدة. يعرف المغرب أن انخراطه في الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب لن يكون بدون عواقب، لذلك كان من الطبيعي جدا أن تزداد التهديدات الأمنية «ولو أنها ليست حقيقية» بتعبير حصاد، ومن الطبيعي أيضا أن يكون المغرب واعيا بكلفة هذا التحالف. صحيح أن وحدات «حذر» التي نزلت إلى الشارع ابتداء من يوم الخميس الماضي، تعبر عن وعي سابق بالمخاطر الإرهابية لكن صحيح أيضا أن الحفاظ على أمن المغرب أصبح أولوية للقصر والحكومة في آن واحد. الحرب الاستباقية بين الكلفة الحقوقية ونجاعة المقاربة الأمنية حقوقيون يحذرون من تذرع الدولة بالتهديدات للإنغماس أكثر في السياسات الأمنية مصطفى الحجري لم تكن الحرب الاستباقية التي أعلنها المغرب على الإرهاب مباشرة بعد صدمة تفجيرات 16 ماي لتمر دون أن تخلف انتقادات حقوقية على المستوى الوطني والدولي، وهي الانتقادات التي اجتهدت الدولة في مواجهتها واحتوائها من خلال تسويق النتائج بلغة الأرقام، بعد أن أعلنت عن تفكيك 126 خلية إرهابية منذ سنة2002 من بينها 41 خلية، كان نشاطها مرتبطا ببؤر توتر كالعراق وسوريا ومنطقة الساحل الإفريقي. غير أن خطاب الدولة الذي ظل وفيا لمنطق السياسة الأمنية، أثار وفي أكثر من مناسبة، تحفظات عدد من الفعاليات الحقوقية التي اعتبرت بأن المغرب يؤدي فاتورة باهظة على المستوى الحقوقي، باستمراره في نهج الدولة «الدركية» عوض تبني مقاربة شمولية قادرة على معالجة الظاهرة التي اتخذت أبعادا أخرى تبشر بهزات ارتدادية، بعد أن حصل المغرب على رتبة متقدمة ضمن الجنسيات الأكثر استقطابا من قبل التنظيمات الجهادية والإرهابية بعد تزايد أعدادها وتعقد طريقة اشتغالها وتشعبها. حاليا وبعد الإعلان عن مخطط «حذر» لم يتردد عدد من الفعاليات الحقوقية في تجديد توجسها من أن يشجع تزايد حجم التهديدات الإرهابية الدولة على الانغماس أكثر في منطق السياسة الأمنية، والتشدد في لعب دور «الدولة الدركية»، حسب ما أكده محمد زعزاع نائب رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والذي أكد على أن الدولة من واجبها القيام بإجراءات استباقية لحماية المواطنين والاقتصاد لكن ذلك «يجب أن يتم في إطار القانون». وأضاف زعزاع أن الإجراءات المتخذة حاليا تفرض طرح سؤال حول الإطار القانوني الذي تمت فيه، وحول ما إذا كان الأمر يتعلق بحالة طوارئ، وقال إن من حق الدولة أن تقوم بحماية مواطنيها لكن باحترام شروط من بينها أن لا يتم ذلك خارج القانون وخارج الإطار التشريعي. وشدد زعزاع على أنه من الناحية القانونية الصرفة، القانون لا يعاقب إلا على الأفعال التي تقع في الواقع، بحكم أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهو ما يشترط وجود نص قانوني وفعل جرمي ثابت من أجل توقيع العقاب في حق المخالف، وأضاف زعزاع أنه من «حق الدول ومن بينها المغرب القيام بإجراءات تحضيرية لمكافحة الإرهاب بطريقة استباقية، «لكن وقوع تجاوزات في هذا الصدد سيجعلنا مخالفين للقانون بشكل يمكن أن نقع فيه ضمن خانة الدول التي تمارس انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يعيدنا للقاعدة الأساسية التي تقول بأنه لا يمكن محاربة الإرهاب إلا بحماية حقوق الإنسان، لأن المقاربة القانونية والأمنية وحدها لا تكفي». ووصف الفاعل ضمن الذراع الحقوقي لحزب العدالة والتنمية الفاتورة الحقوقية التي دفعها المغرب في سياق حربه الاستباقية على الإرهاب بأنها «باهظة وثقيلة»، مسجلا وجود تجاوزات تتعلق بعدم احترام المساطر والإجراءات وعدم احترام المحاكمة العدالة. من جهة أخرى، فإن التحديات التي رصدتها عدة تقارير بشأن وجود تهديدات إرهابية متزايدة فرضت على المغرب أن يرفع من وتيرة العمل الاستباقي، سواء أكان ذلك من خلال أداء الأجهزة الاستخباراتية، أو من خلال المستوى التشريعي بتعديل القانون الجنائي، وأيضا على المستوى الشعبي بهدف إشراك المواطنين في الوعي بالمخاطر الأمنية التي تتهدد البلاد، بعد نشر قوات من الجيش في الشوارع، وهي خطوة اعتبر محمد بوزلافة، عضو جمعية عدالة، أنها لن تكون كافية لمنحع حدوث الجريمة الإرهابية، وقال إنه «لا خلاف على وجود إمكانية لحدوث الجريمة الإرهابية بغض النظر عن مستوى الحذر ومستوى الحضور الأمني وهو أمر مرتبط بطبيعة الجريمة كظاهرة». وفي محاولة لتشخيص الأعراض الجانبية التي رافقت إعلان الحرب على الإرهاب في عدد من الدول قال بوزلافة إن المقاربات المعتمدة لاحتواء ظاهرة الإرهاب «لا يمكن إلا أن تؤدي للمساس بالحقوق والحريات الأساسية»، واعتبر أن هذا الموقف يتشاركه الحقوقيون والنشطاء في مختلف الدول. وأوضح بوزلافة أن الكل يجمع على أن محاربة الإرهاب لها تكلفة، وهي المساس بالحقوق والحريات الأساسية ليضيف «صحيح أن هناك واقعا يتمثل في وجود مخاطر إرهابية متزايدة مرتبطة بما يحدث في عدد من بؤر التوتر، لكن هذا لا يعني التسليم مع التأسيس لمقاربات من شأنها أن تؤدي لشرعنة المساس بالحقوق والحريات وليس تحقيق الطمأنينة والأمن للمواطن المغربي». وقال بوزلافة: «اليوم الاختيار الذي تبناه المغرب هو تدعيم الجانب الأمني في الوقت الذي كنا ننادي فيه كحقوقيين بضرورة التعاطي مع هذا الملف بشكل شمولي»، وأضاف «هذه المقاربة هي خيار للدولة، ونحن نحترم ذلك، لكننا ننبه إلى أنها يمكن أن تتخذ ذريعة أو سببا للإجهاز على الحقوق والحريات».