عاشت الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء (3-9-2014)، حدث تجديد المسؤوليات بالنيابة العامة على كل المستويات تقريباً، عن طريق عقد جلسات رسمية على التوالي، بمحكمة الاستئناف، والمحكمة الزجرية والمحكمة التجارية، حيث جرى تنصيب كل من: الحسن مطار وكيلا عاما للملك بمحكمة الاستئناف، ونجم بنسامي وكيلا للملك بالمحكمة الزجرية بعين السبع بالدارالبيضاء، والسيدة العالية الهاشمي وكيلة الملك بالمحكمة التجارية. وهكذا جرى تجديد المسؤوليات بهذه الدائرة القضائية الهامة، بصفة جذرية تقريباً، وأسندت هذه المسؤوليات لكفاءات قضائية شهد لها الجميع «ممارسين ورأيا عاما» بالجدية والنزاهة، ومتانة التكوين، والجرأة في اتخاذ القرار ... كما أن هؤلاء القضاة، قد أكدوا خلال مسارهم الوظيفي، ومسؤولياتهم المهنية المختلفة، أنهم فرسان وجب الرهان عليهم في هذه المرحلة، من حياة القضاء المغربي، بعد أن أصبح القضاء دستورياً سلطة، وبعد تبني الدولة في أعلى مستوياتها لميثاق منظومة العدالة، الذي أصبح الانخراط العملي في وضع نصوصه وآليات تطبيقها، في صدارة القضايا الكبرى للبلاد، حتى لا يبقى هذا الميثاق، مجرد» تمائم» نتبرك بها، كلما حل مكروه بجسم العدالة لمغربية، أو شهدت انحرافاً عن جادة الممارسة القويمة . وقد ظهر من خلال كلمات المسؤولين الجدد خلال جلسات تنصيبهم، أن كل واحد منهم يستحضر جسامة المسؤولية الجديدة ويستوعب متطلباتها، والإكراهات الموضوعية والذاتية، التي يفرزها واقع العدالة المغربية عامة، وبدائرة محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بصفة خاصة. ولعل إرادة قهر هذه الإكراهات، والرغبة الصادقة في تذليل صعاب هذه المرحلة في حياة عدالتنا، قد برزت خلال كلمات المسؤولين الجدد، الذين تتضمن صحيفتهم الوظيفية سيرة ناصعة من العمل الجدي والبناء، وعبر كل منهم عن رغبته في الاستمرار في هذا الالتزام، بل والرفع من مستوى الجهد، والاستعداد للتحمل خدمة للوطن، حيث عبر الوكيل العام الحسن مطار: «أنه عاقد العزم على مواصلة العمل، لتفعيل دور النيابة العامة قصد تحقيق الأهداف الحيوية المخصصة لهذه المؤسسة، بتعاون مع كافة مكونات الأسرة القضائية، والسلطات الإدارية، والأجهزة الأمنية، وفاعلي المجتمع المدني... وتسريع البت في القضايا وتجهيزها في آجال معقولة دون الإخلال بجودة القرارات، وذلك لضمان الاستقرار والتنمية الاجتماعية التي تعيشها جهة البيضاء الكبرى...». كما أن السيد ناجم بنسامي وكيل الملك، قد أكد على اختيار التشاركية للرفع من الفعالية القضائية، بغاية تحقيق روح العدالة قانونياً وقضائياً، ومن جملة كلمته، أن : «منهجية اشتغاله بالنيابة العامة ستكون وفق مقاربة تشاركية، تروم الرفع من النجاعة القضائية، وتطوير أدائها لتحقيق الأمن القانوني والقضائي... وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة، واحترام حقوق الدفاع، وصون حريات الأفراد، والحفاظ على النظام العام ... وترشيد الاعتقال الاحتياطي، والإحالة على قضاء التحقيق، والطعون المقدمة من النيابة العامة ... والعمل في إطار توافقي مع هيأة الدفاع ، ومساعدي القضاء، لإيجاد حلول الإشكالات المطروحة ... «. أما السيدة العالية الهاشمي ، التي تحملت مسؤولية وكيلة الملك كأول امرأة بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء، حيث كان قرار المجلس الأعلى للقضاء، بتعيينها في هذا المنصب ، قراراً له دلالة بليغة، وتفعيلاً ولو رمزياً للفصل 19 من الدستور، الذي أقر على أنه : «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية..». «...تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء «.هذه المسؤولة الجديدة، أبرزت في كلمتها أنها تقدر المسؤولية وثقلها، والرهان المعقود عليها للعمل والمساهمة، في تطوير القضاء التجاري عامة، وفي مدينة الدارالبيضاء خاصة، في استحضار لجدلية نجاعة القضاء التجاري ونزاهته، والإقبال على الاستثمار، حيث أكدت على أن: « المحكمة التجارية أصبحت عاصمة المحاكم التجارية المغربية، باعتبار الدارالبيضاء أصبحت ليس فقط من العواصم الاقتصادية الافريقية، بل امتدت أهميتها لتصبح قطباً اقتصادياً، ومالياً، عالمياً، يضاهي الاقتصاديات الناشئة ...» . هكذا يتأكد أن حفلات التنصيب لم تعد مناسبة شكلية، وإنما هي فرصة لاطلاع الرأي العام القضائي وإشراكه، في هموم العدالة وإكراهاتها، باعتبار المواطن الذي يشكل الرأي العام هو المعني الأول ،بانتصارات هذه العدالة وانكساراتها، ولذلك فإن فرصة التنصيب أصبحت آلية لاستظهار المشاكل، وعرض الوسائل، والإرادة في معالجتها من طرف المسؤولين القضائيين، والالتزام بذلك. وفي ما ذكر تعهد، من حق الرأي العام القضائي، أن يسجل التزامات هؤلاء المسؤولين بهذه التعهدات، والمطالبة البعدية بضرورة الوفاء بها، إعمالاً للمبدأ القانوني « من التزم بشيء لزمه « والنص الدستوري، ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يمكن التعبير عنه بالمفهوم الجديد للمسؤولية في القضاء.