رج فاعلون قضائيون في لقاء هو الثاني من نوعه بعد اليوم الدراسي الذي تم تنظيمه في شتنبر الماضي حول "تطوير التنظيم القضائي وتأهيل المهن القضائية"٬ بمشاركة قضاة وموظفي قطاع العدل، بخلاصات تشخيصية رصدوا من خلالها أهم الاختلالات التي يعاني منها الجسم القضائي بالمغرب. وسجل المتدخلون في هذا اللقاء الذي عقد يوم الجمعة الماضي بقاعة المحاضرات التابعة لمكتبة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء تحت عنوان "تأهيل الموارد البشرية وتخليق المنظومة القضائية"، مكامن الخلل التي يعرفها مسار التنظيم القضائي، خاصة في جانبه المتعلق بالخريطة القضائية التي تستدعي في نظرهم إعادة النظر فيها بما يلزم من الاحترافية والعقلنة. وفي هذا الإطار، طالب ذ. حسن مطار وكيل الملك بالمحمكة الزجرية بالدار البيضاء، في مداخلته "تأهيل المهن الضبطية"، بالتعجيل في تأهيل الشرطة القضائية لاتصالها الوثيق بالإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة التي يندرج محور هذه الندوة في إطارها، حتى يكون أداؤها ناجعا وفي مستوى تقديم خدمة قضائية جيدة من أجل تحقيق العدل بين الناس، لأنه، يضيف مطار، في حال استناد القاضي الجنائي على محاضر تفتقر إلى الموضوعية يصبح بذلك المتهم الرئيسي لكونه هو المسؤول الأول عن تطبيق القانون ويفرض عليه مراقبة الأجهزة المساعدة له. وأوضح المتدخل نفسه، أن ازدواجية تبعية الشرطة القضائية تؤثر على عمل ومردودية ضابط الشرطة القضائية الذي يكون، حسب السيد مطار، مقيدا بمجموعة من التعليمات إداريا وقضائيا ويتعين عليه تنفيذها في وقت واحد، في الوقت الذي يكون فيه مطوقا بمجموعة من المهام الأخرى التي تصدرها له السلطة الإدارية التابع لها، الشيء الذي يجعل انتقاله لمعاينة جريمة ما، أمرا صعبا، قد يؤدي إلى عدم تنفيذ تعليمات النيابة العامة أو تنفيذها على نحو مخالف للقانون بسبب صدور تعليمات من الجهة الإدارية التي ينتمي إليها. ولكي يتم تدارك هذا الأمر، دعا السيد مطار إلى إحداث مفوضيات للشرطة القضائية بمحاكم الاستئناف تكون تابعة عضويا وإداريا ووظيفيا للسلطة القضائية، انسجاما مع مقتضيات الدستور الجديد الذي أصبح ينص في الفصل 128 على أن الشرطة القضائية تعمل تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها لإثبات الحقيقة. من جهتها، أكدت عائشة الناصري وكيلة الملك لدى المحكمة الابتدائية المدنية بالبيضاء، ورئيسة الجمعية المغربية للمرأة القاضية، على أن هناك فراغا تشريعيا فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الزجرية وعدم وجود مؤسسة قاضي التنفيذ بهذه المحكمة، خصوصا في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة، من قبيل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، الأمر الذي يتطلب إحالتها على المحكمة المدنية من أجل تنفيذها، مما يجعل هذه الأخيرة تجد صعوبة في كيفية التنفيذ وفي فهم منطوقها، خاصة أن ما يحال على المحكمة المدنية هو الحكم الزجري، والتنفيذ يتطلب في كثير من الأحيان، على حد قول المتحدثة، الرجوع إلى باقي وثائق الملف من بينها محضر الضابطة القضائية. الإشكال الثاني الذي رصدته السيدة عائشة في مداخلتها المعنونة ب"تخليق المنظومة القضائية عبر إشراك المواطن...تنفيذ الأحكام نموذجا"، هو تداخل اختصاص كل من النيابة العامة بالمحكمة المدنية والنيابة العامة بالمحكمة الزجرية أثناء عملية التنفيذ، ووجود غموض في فهم اختصاص كلتا المؤسستين، وذلك أثناء وقوع جنح مرتبطة بعملية التنفيذ كالعصيان، وأعطت المتحدثة على ذلك مثال تمسك وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية باختصاصه في الوضع تحت الحراسة النظرية في هذه الحالة وفي التكييف، مضيفة أن ما تم العمل به إلى حدود كتابة هذه السطور هو قيام المحكمة الاجتماعية بترسيخ استقلالها على مستوى التنفيذ بإحداثها مؤسسة قاضي التنفيذ وقسم خاص بتنفيذ أحكامها. واقترحت المتحدثة نفسها، أربعة نقاط حتى يتم تجاوز هذين المشكلين، أولها متعلق بالسلطة التشريعة وواضعي القوانين في إطار الالتزام الأخلاقي والإحساس بالواجب، حيث طالبتهم بوضع التشريعات لحل كل المشاكل وليس لتعقيدها، وأن يعوا بمسؤوليتهم هذه ويستعينوا بالممارسين في كل ميدان ينوون التشريع فيه من جهة. ثانيا، تحمل كل محكمة مسؤولية تنفيذ أحكامها وقراراتها، كما بإمكانها، أي المحاكم، أن تحذو حذو المحكمة الاجتماعية في خلق مؤسسة قاضي التنفيذ وتسهر على تنفيذ أحكامها في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة من جهة أخرى. ومن جهة ثالثة، طالبت السيدة عائشة، بتمكين النيابة العامة بالمحكمة المدنية من إمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية بخصوص الجنح المرتبطة بتنفيذ الأحكام المرتكبة أثناءه لكي تكون عملية التنفيذ ناجعة، وذلك بحكم أنها المتتبعة والمطلعة على ملف التنفيذ. كما طالبة وكاقتراح رابع، بتفعيل دور النيابة العامة في المحكمة التجارية حتى تسهر على تنفيذ الصادرة عنها بالإفراغ. هذا، وأوضح السيد حسن الكاسم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء٬ في افتتاح هذه الندوة التي نظمتها محكمة الاستئناف التجارية بشراكة مع محكمة الاستئناف الزجرية، أن من شأن هذه اللقاءات إتاحة الفرصة أمام العاملين في هذا القطاع للمساهمة في النقاش الوطني الرامي إلى تحسين قطاع العدل على أسس الكفاءة والنزاهة والحياد والتجرد وفق الأعراف والتقاليد المهنية. وذكر السيد الكاسم بالخطاب الملكي السامي ل 20 غشت 2009 والذي تناول الأهداف الأساسية لإصلاح القضاء٬ مبرزا أن من هذه الأهداف تأهيل الموارد البشرية تكوينا وأداء وتقويما٬ كما أن من أهدافه تأهيل القضاء للمساهمة في تخليق الحياة العامة. وأضاف الرئيس الأول للمحكمة أن التخليق يشكل٬ إلى جانب تكوين الموارد البشرية٬ أساس إصلاح منظومة العدالة٬ مشيرا إلى أن الدستور المغربي الجديد يؤكد لأول مرة على محاربة الفساد ومعاقبة كل أشكال الانحراف.