-1– أكثر فأكثر، يفقد الإنسان في العالم الحديث طاقاته على تَحَمُّل أعباء الواقع الذي يعيش فيه. هكذا يتزايد في عصر الصّناعة، اعتمادُ معظم البشر على السلاح الذي كان يستخدمه أسلافهم في العصور القديمة، لمجابهة الواقع، وهو سلاحُ التوهُّم الذي يساعدهم على خلق واقع آخر، يُخَيِّلُ إليهم أنّهم يعيشون في عالمٍ آخر من الطّمأنينة والسّعادة. وهو توهُّمٌ يساعد الفردَ على «هدْم» الواقع المباشر، سواءٌ بهربه إلى الغَيْب، أو بالهرَب من الحاضر، أو بالهرَب من بلده الأصليّ، أو بالهرَب من وسطه الاجتماعيّ. وقلّةٌ هم الّذين يمارسون هذا «الهرب» بأسلحة الحبّ أو الصّداقة أو الفنّ. ما أغنى العالم، وما أفقرَ الإنسان. -2– ارتفعَتْ «أسهُمُ» الحريّة كثيراً في سوق السّياسة العالميّة الرّاهنة. صارَت كلمةً قاتلة. -3– تتكاثرُ في اللغة العربيّة الكلماتُ التي لم تَعُدْ مفاتيحَ، والتي تصبح، على العكس، أقفالاً. -4– ما هذه الهيمنة التي يتحوّل فيها معظم الأفراد إلى مجرّد آذانٍ، وتكادُ الألسنةُ أن تختفي؟ أن تعيش، وفقاً لهذه الهيمنة، هو أن تُصغي وأن تشاركَ في تعميم ثقافة الإصغاء. -5– ما هذا التّاريخ الذي نكتبه؟ تاريخٌ تموت فيه المدينة فيما تُواصِل الحياةَ، وتعيش فيما لا تكاد أن تتنشّق إلاّ هواء الموت. كلُّ حرفٍ في هذا التّاريخ ينزف دماً. في كلّ لحظةِ نزيفٍ يُطبَخُ أكثرُ من رأس، وتعرجُ أكثرُ من قدَمَين. تاريخٌ سوقٌ ضخمةٌ للمشهّيات من كلّ نوع. الجثّةُ في هذا التّاريخ هي في الوقت نفسه، حفرةٌ لجثّةٍ أخرى. كأنّ الحياة لا تعيش إلاّ على أشلاء الموتى: القاتلُ هنا يقتلُ نفسَه في الآخر الذي يقتله. والإنسانُ يؤرِّخ لحياته بدمه. -6- ما أغربَ العُنْفَ الذي يقود التّاريخ: يأمرُ الشّجرةَ أن تعترفَ بخطاياها، ثمّ يقتلعها جذراً جذراً. -7- باء يُقاتِل العدوَّ. يموت. يصعد إلى الجنّة. جيم صديقُه وجارُه يقاتل معه العدوّ نفسه. يموتُ. يهبط إلى الجحيم. في هذه الأثناءِ، وقبلَها، لم يتوقّف ألِف عن الكلام على نفسه: هكذا صار الأكثرَ جهلاً بها. -8– نقطةٌ واحدة تحوِّل «الذِّئابَ» إلى «ذُباب»: كيف نسمّي هذه الظّاهرة؟ -9– إنّها النّوارِسُ – لا تعرف أن تنتظمَ إلاّ إذا انخرَطَت في فَوْضى الأمواج. -10– الفضاء العربيّ، خلافاً لجميع الفضاءات، لا سطْحَ لهُ ولا عمق. إنّه فضاءٌ سماويّ. -11– لا تمدّ الوردةُ يدَها لكي تصافِح اليدَ التي تحييها: تمدّ جسَدَها كلَّه. -12– هل تفكِّر في يدكَ، قبل أن تفكِّر في الشّيء الذي تمتدُّ إليه لكي تلمسه؟ -13– مَن لا يَنْسى، كيف يقدر أن يتعلَّمَ ويتقدّم؟ -14– اليقينُ المُتَواصِلُ كمثل الشكِّ المتواصِل: إلغاءٌ للمعرفة. -15– الأرجح أنّك على حقٍّ في ما تذهب إليه، لسببٍ أساس: الجماعةُ ضدّك. -16– للأسطورة أكثرُ من ابْنٍ ضالّ: الشّعرُ هو الأكثر ضلالاً بين هؤلاء الأبناء. -17- في عالم الحداثة، اليوم، شعوبٌ تعيش وتفكِّر طبقاً لعلم الآخرة. وتُسَخِّر علمَ الدّنيا للدفاع عن علم الآخرة. الشّعبُ الأميركيُّ مثلٌ حيّ. -18– صار ضروريّاً في ضوء الحاضر، كوْنيّاً، أن نُمَيِّز بين «مستقبل» الإنسان، ومآلهِ. المستقبل (futur) يعيدنا إلى ما يحدث استناداً إلى ما حدث. والمآل (avenir) يعيدنا إلى ما يحدث انطلاقاً ممّا يحدث. المآل هو الأساس، فهو ذاتيّ – إنسانيّ، يتعلّق بما يأتي. والمستقبل موضوعيّ – زمنيّ، يتعلّق بما يمضي. هذا المستقبل يقتل الزّمن: يحوِّله إلى مجرّد سطْحٍ، لا عمق فيه، ولا سرّ. لا حبّ فيه، ولا شعر. يسجن الإنسانَ في حاجته المباشرة. يحوّله إلى وظيفة، ويسجنه في الوظيفيّة. عندما يحلّ في الشّعب مستقبلُه محلَّ مآله، فذلك دليلٌ على أنّه يتدَهوَر، وينهار. أخشى أن نكون نحن العرب، مَجْروفين للدّخول في هذه المرحلة. -19– في الرّواية التّوراتيّة أنّ الخالق خلق الإنسانَ على «صورته». هل الصّورة هنا تعني «وجهَ» الإنسان، تحديداً وحصراً، أم أنّها تعني الإنسانَ كلَّه؟ سؤالٌ لمَن يعرف الجواب. -20– الآنَ أرى القمرَ يسيرُ على جسرٍ من الغيوم. سأسأل، هذه العشيّةَ، بعضاً من أسلافنا الشُّعراء الذين كانوا يحبّون القمر- المرأة، ويعرفون مَواعيدَه وأسرارَه. سأسألهم، وبعد أن أصغي إليهم، سأسأل الليل. عن «الحياة»