خطط الاوزبكي المتشدد سيف الله سايبوف الذي قتل ثمانية أشخاص الثلاثاء في نيويورك لاعتدائه منفردا على ما يبدو، على ما فعلت أغلبية الجهاديين الذين قرروا التحرك في الولاياتالمتحدة. في المقابل يستفيد الكثيرون منهم في اوروبا من دعم مجتمعهم ومن شبكة سرية ويتلقون كذلك ارشاد امام متشدد. لكن ما اسباب هذا الاختلاف؟ يفسر الخبراء ذلك جزئيا باندماج أفضل للمجموعة المسلمة في المجتمع الأميركي وكذلك بانها أكثر ثراء وبانها لا تتساهل مع من يبدي تعاطفا مع جماعات جهادية على غرار تنظيم الدولة الاسلامية او القاعدة. كما يشيرون الى عامل آخر يكمن في تشريعات اميركية اوسع واكثر صرامة. ويؤدي اجتماع هذه العوامل إلى عزل الجهاديين في الولاياتالمتحدة واقتصار تواصلهم على شبكات التواصل الاجتماعي وأحيانا على بضعة اصدقاء. ويعتقد المحققون حتى الان ان سيابوف الذي دهس مارة في مانهاتن بشاحنة مؤجرة "تطرف" عبر الانترنت ولم يستفد من أي دعم على الاراضي الاميركية. وقال المدير المساعد لبرنامج حول التطرف في جامعة جورج واشنطن سيم س هيو "لا نرى تكتلات واسعة من الجهاديين في الولاياتالمتحدة بل في أغلب الاحيان فردا او اثنين". وعزا هيو ذلك بشكل رئيسي إلى المسافات وبعد الولاياتالمتحدة الكبير عن الشبكات الجهادية وصعوبة السفر الى الشرق الاوسط بسبب لوائح حظر السفر الرسمية. في المقابل يبدو أسهل على المسلمين الاوروبيين التوجه الى مناطق تنشط فيها جماعات متطرفة على غرار تنظيم الدولة الاسلامية. وقال هيو "بالتالي ليس لدينا تجنيد شخصي على النمط الاوروبي". يكمن عامل آخر في الاستغلال الموسع لتهمة "توفير الدعم المادي للارهاب"، وهي عبارة شاملة "تجيز لمكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) التدخل في مرحلة مبكرة مقارنة مع ما يفعله شركاؤنا الاوروبيون". في المقابل تؤكد الانتقادات تجاوز الأف بي آي حدوده وتوسيعه للقانون من خلال برامج تخف توقع افرادا لا يشكلون تهديدا. غير ان النتيجة النهائية تؤدي الى منعهم من تشكيل علاقات وتثير الخوف لدى آخرين يفكرون في بناء شبكات. ورأى ديفيد غارتنستين-روس احد كبار الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ان عقوبات السجن الأكبر في الولاياتالمتحدة في قضايا الارهاب تحدث فرقا. ففيما تصل العقوبات في الولاياتالمتحدة الى 15 او عشرين عاما تقتصر في اوروبا على ما بين اربع وسبع سنوات، ما يعيد المحكومين في قضايا ارهاب إلى صفوف مجتمعهم بسرعة أكبر، وهذا يسهم في استدامة خلايا ارهابية خطيرة بحسبه. لكن ذلك لا يعني ان الولاياتالمتحدة لم تضم خلايا او قادة شبكات، بحسب غارتنستين-روس. فأنور العولقي الذي كان احد منظري ومروجي الجهاديين الأكثر تأثيرا ولد ونشأ في الولاياتالمتحدة قبل ان ينضم إلى تنظيم القاعدة في اليمن وقتله في غارة بطائرة بلا طيار في 2011. وفي اواخر سنوات الألفين تشكلت خلية ضمت حوالى عشرين شخصا في اوساط الجالية الصومالية في مينيابوليس وتحولت إلى اداة فعلية للتجنيد لصالح تنظيم الدولة الاسلامية. تابع الباحث "من الواضح انها كانت شبكة … ولم يتم وقفها، ما زالت موجودة". بدت الخلية الصومالية أقرب إلى الشبكات الاوروبية وترسخت في جالية مهاجرين وفدوا في فترة أقرب وأقل ثراء وأضعف تعليما. بشكل عام يعتبر المسلمون الاميركيون أغنى ومستواهم التعليمي اعلى من نظرائهم الاوروبيين، ما يجعلهم أقل تهميشا وأفضل اندماجا بحسب كوري سيلور المتخصص في شؤون معاداة الاسلام في مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية. ويبدي مسلمو الولاياتالمتحدة اكثر استعدادا لابعاد اي فرد يتبنى افكارا متطرفة من المجتمع والمسجد. وقال سيلور "اذا تحدث احد ما في المجموعة عن (افكار متطرفة) فسيستبعد سريعا نسبيا. لا يبدون تساهلا" معها. وبعيدا عن الاضواء تبدي المجموعات المسلمة في الولاياتالمتحدة قابلية أكبر لتبليغ الامن عن تهديدات محتملة مما تفعل نظيراتها في اوروبا. وتعززت هذه النزعة بمساعدة برامج تواصل نفذت اثناء حكم الرئيس السابق باراك ا وباما بحسب غارتنستين روس. لكن هذا التوجه يشهد انحسارا تحت سلطة الرئيس دونالد ترامب نظرا الى انعدام ثقته العلني في المسلمين. وأضاف الباحث ان "انعدام الثقة عرقل التعاون فيما تضاعفت الريبة". الأضواء على برنامج الهجرة العشوائية وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سهامه إلى برنامج تأشيرات يهدف إلى تحقيق التنوع في صفوف المهاجرين إلى الولاياتالمتحدة بعد أن علم أن المتهم بقتل ثمانية أشخاص في مدينة نيويورك يوم الثلاثاء دخل البلاد بتأشيرة من خلال هذا البرنامج. وأكد مسؤولان حكوميان لرويترز أن سيف الله سايبوف الذي وجهت له اتهامات في الهجوم دخل الولاياتالمتحدة مهاجرا من أوزبكستان عام 2010 بعد الفوز في قرعة الهجرة العشوائية الأمر الذي مكنه من الحصول على "تأشيرة التنوع". ويرجع البرنامج الذي وضعه الكونجرس وتتولى تنسيقه وزارة الخارجية إلى مساعي جلب المزيد من المهاجرين الإيطاليين والأيرلنديين إلى الولاياتالمتحدة. ويحق بمقتضى البرنامج لمواطني الدول التي يفد منها أعداد قليلة نسبيا من المهاجرين إلى الولاياتالمتحدة دخول القرعة العشوائية التي تمنح الفائزين فيها إقامة دائمة. ويجب أن يكون المتقدمون قد أتموا تعليمهم الثانوي أو ما يعادله أو تكون لهم خبرة عملية مناسبة. وتوضح بيانات وزارة الخارجية أن ما يقل قليلا عن 11.4 مليون متقدم شاركوا في قرعة عام 2016 لاختيار 50 ألف فائز وأفراد أسرهم المقربين فقط. ونجح البرنامج في تنويع المهاجرين القادمين إلى الولاياتالمتحدة كل عام لكنه أثار أيضا انتقادات لكونه عرضة للتحايل ولما يمثله من مخاطر على الأمن القومي. وأمس الأربعاء قال ترامب إنه سيطلب من الكونجرس "على الفور" البدء في جهود لإنهاء هذا البرنامج. وقال النائب الجمهوري بوب جودلات رئيس لجنة القضاء بمجلس النواب، الذي يطالب منذ مدة طويلة بوضع نهاية لبرنامج تأشيرة التنوع، في بيان أن هذا البرنامج يمثل "خطرا على سلامة مواطنينا". وساهم السناتور تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ في إنشاء البرنامج عام 1990 عندما كان عضوا في مجلس النواب. لكنه كان أيضا واحدا من مجموعة من المشرعين صاغت في عام 2013 مشروع قانون للهجرة مقدم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كان من شأنه القضاء على البرنامج. وقد وافق مجلس الشيوخ على ذلك المشروع لكن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون رفضه. ودافع أعضاء كبار من الديمقراطيين في الكونجرس أمس الأربعاء عن البرنامج فقالوا إن جميع المتقدمين له يخضعون لإجراءات الفحص المشددة التي تخضع لها برامح تأشيرات الهجرة الأخرى. والمرة الأخرى الوحيدة التي تأكد فيها أن أحد المستفيدين من برنامج تأشيرات التنوع نفذ اعتداء إرهابيا سقط فيه ضحايا في الولاياتالمتحدة كانت في عام 2002. ففي تلك السنة أطلق مصري حصل على تأشيرة التنوع عن طريق زوجته قبل سنوات النار فقتل شخصين في مطار لوس أنجليس. وكان ذلك الرجل قد طلب اللجوء إلى الولاياتالمتحدة في وقت سابق لكنه طلبه قوبل بالرفض. وفي النهاية سمحت له السلطات بالبقاء في البلاد بعد أن حصلت زوجته على تأشيرة في القرعة العشوائية. وفي عام 2004 قالت آن باترسون التي كانت تشغل آنذاك منصب نائب المفتش العام بوزارة الخارجية للكونجرس إن مكتبها يعتقد أن برنامج تأشيرة التنوع "يتضمن نقاط ضعف كبيرة على الأمن الوطني" وإن من المحتمل أن يحاول إرهابيون "استخدامه لدخول الولاياتالمتحدة من أجل الإقامة الدائمة". وأوصى المكتب بمنع دخول مواطني الدول التي ترعى الإرهاب من خلال هذا البرنامج. وعلى مر السنين كشف مراجعون حكوميون عن وسائل احتيال متطورة استهدفت البرنامج ومنها عصابات ابتزاز وزيجات على الورق واستخدام وثائق هوية مزيفة. وفي عام 2007 أصدر مكتب محاسبة الحكومة في الكونجرس تقريرا أشار إلى أن ضباط إنفاذ القانون الاتحاديين "يعتقدون أن بعض الأفراد بمن فيهم الإرهابيون والمجرمون قد يستغلون وسائل احتيالية للدخول والبقاء في الولاياتالمتحدة". غير أن التقرير لم يجد دليلا موثقا على أن مهاجرين بتأشيرات التنوع "شكلوا خطرا سواء إرهابيا أو غيره". وتوصل تقرير أعده المفتش العام لوزارة الخارجية في سبتمبر أيلول عام 2013 إلى أن "عصابات احتيال منظمة تتخفى في صورة وكالات سياحية" اختطفت برنامج تأشيرة التنوع في أوكرانيا. ومن خلال تلك الخطة كان مواطنون أوكرانيون يدخلون القرعة دون موافقتهم ثم يفاجأون بأنهم مطالبون بدفع المال مقابل فرصة الحصول على التأشيرة أو عقد زيجة وهمية إذا ما تحقق لهم الفوز. المهاجرون من آسيا الوسطى اهداف نموذجية يرى خبراء انه بمعزل عن صعود الاسلام المتطرف في آسيا الوسطى، يكشف رابع اعتداء ينفذه اوزبكي هذه السنة ضعف المهاجرين من هذه المنطقة امام الدعاية الاعلامية للجهاديين. وكان سيف الله سايبوف الذي قتل ثمانية اشخاص دهسا بشاحنة صغيرة في مانهاتن، وصل الى الولاياتالمتحدة عام 2010 بعدما حصل على تصريح بالاقامة الدائمة. وهو رابع شخص يحمل الجنسية الاوزبكستانية او ينتمي الى الاتنية الاوزبكية ينفذ هجوما يسقط فيه قتلى في الاشهر الاخيرة. فعبد القادر مشاريبوف الذي يعتقد انه نفذ الاعتداء الذي تبناه تنظيم الدولة الاسلامية في اسطبنول ليلة رأس السنة واسفر عن سقوط 39 قتيلا، كان اوزبكستانيا. وكذلك رحمن عقيلوف الذي اوقفته الشرطة السويدية بعدما دهس بشاحنة حشدا في شارع للمشاة مكتظا في ستوكهولم ما ادى الى مقتل خمسة اشخاص. اما اكبر جان جليلوف المولود في قرغيزستان ويحمل الجنسية الروسية ومنفذ الاعتداء في مترو سان بطرسبورغ الذي اسفر عن سقوط 14 قتيلا في ابريل الماضي، فينتمي الى الاتنية الاوزبكية. وشهدت اوزبكستان ابان تسعينات القرن الماضي حركة اسلامية متطرفة وتحاول ان تبدو كبش محرقة في هذه القضية. لكن خبراء يحذرون من اي تسرع في التفسير. وقال يان ماتوسيفيتش من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة التابع لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا ان "معظم المهاجمين من اوساط غير دينية لكنهم توجهوا الى التطرف في البلدان التي انتقلوا اليها". واضاف هذا الخبير ان هذه الهجمات "تشترك في ان منفذيها من آسيا الوسطى"، لكنها في الواقع تعود الى شكل "اشمل واوسع للتطرف". وتابع ان "اوضاع معيشة المهاجمين متنوعة جدا" وفي بيان نشرته الاربعاء، حرصت اوزبكستان البلد الذي يضم اكبر عدد من السكان في آسيا الوسطى (32 مليون نسمة) على التذكير بان لا شيء يدل على ان سيف الله سايبوف اعتنق افكارا متطرفة عندما كان في بلده الاصلي. واضاف البيان الذي نشرته وكالة الانباء الرسمية القريبة من السلطة في اوزبكستان ان الرجل الذي اصبح سائقا لدى شركة اوبر وكان يعيش في نيو جيرسي "وصف بعبارات ايجابية جدا" من قبل جيرانه في العاصمة طشقند. وتابع ان "والديه من المسلمين التقليديين ولا تربطهم اي صلة باي فصيل متطرف". قالت ديردري تينان مديرة قسم آسيا الوسطى في مجموعة الازمات الدولية ان "النقطة المشتركة الوحيدة التي يمكن ان نطرحها بين سايبوف وماشاريبوف هو انهما كانا اوزبكيين يعيشان خارج بلدهما ويتابعان دعاية الدولة الاسلامية". وحذرت من انه من "المبكر جدا" تحديد ما اذا كان لسايبوف اتصالات مع تنظيم الدولة الاسلامية. واضافت ان "المنظمة الجهادية تصدر عادة رسائلها باللغة الروسية ولغات آسيا الوسطى عبر منصات عديدة". وكشفت الدعاية التي يخص بها تنظيم الدولة الاسلامية دول آسيا الوسطى — تركمانستان وطاجيكستان وكازاخستان واوزبكستان وقرغيزستان — وكلها جمهوريات مسلمة علمانية في 2015 عندما قام طفل قيل انه كازاخستاني باعدام رجل تم تقديمه كجاسوس روسي، في تسجيل فيديو. وبعيد ذلك، نشر فيديو آخر لقائد القوات الخاصة الطاجيكية وهو يعلن انضمامه الى تنظيم الدولة الاسلامية. وكانت تقنيات التجنيد مجدية بينما دفعت الاوضاع الاقتصادية والفساد الكثير من الشبان الى الهجرة، خصوصا الى روسيا. وعززت الانظمة الاستبدادية في اسيا الوسطى قمعها كل ما تعتبره ظاهرة للاسلام المتطرف. وفي روسيا، تعلن السلطات باستمرار تفكيك خلايا ارهابية في صفوف جاليات مواطني آسيا الوسطى. وقالت سفيتلانا غانوشكينا الناشطة الشهيرة في الدفاع عن حقوق الانسان وتهتم خصوصا بمواطني آسيا الوسطى الذين يعملون في روسيا "لدينا انطباع بان بعض عمليات الاعتقال لها اهداف سياسية لتحديد عدو مشترك" للجمهور. وتابعت "من هم اعداء روسيا؟ العدو الخارجي هو الولاياتالمتحدة بينما المهاجرون من آسيا الوسطى هم اعداء الداخل".