لقد كثر اللغط في الآونة الأخيرة عن جرائم العنف ضد المرأة، جرائم أبطالها أشخاص يدعون تجاوزا «رجال»؛ الأب، العم، الخال، أو الأخ. كلهم أشخاص لا يتوانَوْن في إبداء «رجولتهم» وفحولتهم على حساب ذاتِ الجسد النحيف والعواطف الجياشة. لقد كثر اللغط في الآونة الأخيرة عن جرائم العنف ضد المرأة، جرائم أبطالها أشخاص يدعون تجاوزا «رجال»؛ الأب، العم، الخال، أو الأخ. كلهم أشخاص لا يتوانَوْن في إبداء «رجولتهم» وفحولتهم على حساب ذاتِ الجسد النحيف والعواطف الجياشة. «تعنيف الإخوة لأخواتهم» ظاهرة أخرى مستفحلة في المجتمع المغربي، تختلف الدوافع والأسباب لكن النتيجة واحدة؛ خدٌ أزرق، أو ساق مجروحة، أو ضلع مكسورة. شبابٌ منهم من يدفعه لتعنيف أخته احتياجه للمال، ومنهم من تسوقه لذلك غرائزه، لتبقى ظاهرة الضرب تحت ذريعة «الشرف» الأشد استفحالا والأكثر انتشارًا. «الشرف» هكذا يصيح أغلب الرجال حين تستفسره عن ضربه لإحدى أخواته. لكن علم النفس وعلم الاجتماع يرون أن القولَ ذاك ما هو إلا مسوِّغٌ لإعطاء الشرعية للجرم، لأن وراء ذلك كما يقولون «دوافع اجتماعية وأخرى نفسية دفينة لا تجد طريقا للتمظهر غيرَ العنف». اتِّقاءُ العار، الخوف على الأخت، إرادة حمايتها، إظهار السلطة.. أسباب وغيرها يُقر العلماء أنها وراء مثل هذا النوع من الجرائم، ذلك أن الشاب لا يستسيغ البتة أن يُشهرَ به في محيطه الصغير أو الكبير على أنه «ديوث» أو «ماشي راجل»، وبالتالي فإن تَجَذُّرَ الهيمنة الذكورية في لا شعور الرجل المغربي تجهل منه ذلك «الأسد حامي العرين»، الذي يضرب بيد من حديد خارج العرين وبأخرى من فولاذٍ داخله. والذي لا يتردد مطلقا في تفريغ مكبوتات «السادية» لديه. صحيح أن لا أحد شريفٌ يرضى لأهله «العار»، لكن الأصح ألا إنسان يرضى لغيره العار. شباب كثيرون يشبعون الأخت (إحدى أصولهم) ضربا في محاولة لردعها عن مصاحبة الشباب والتعاطي معهم، في حين لا يتوانى عن التفاخر هنا وهناك بأن له من العشيقات الكثير، وبأن له في اليوم الواحد أكثر من موعد.. مظهرٌ يجعلنا نقر لامحالة ودون تردد ،يقول أخصائيو علم النفس، أن هؤلاء يعيشون حالة مرضية فصامية، تتنافى مع الأصل الخَيِّر للإنسان، ليصبح مع ذلك شعارهم في الحياة «تفوتني أنا وتجي فين ما بغات». حالةٌ لا يستشعر معها المرء حجم وخطورة ما يقوم به، فهو في جولاته فحلٌ قادر على اصطياد أغلى الفرائس وأجملها، علاوة على مصاحبتها.. وهو في الشق الآخر «شريف» يرى في كل أنواع علاقات الشباب مع الشابات مهزلة ومضيعة للوقت و»حرام كاع». شهادات ،سنوردها في هذا الروبورتاج، لفتيات عِشن لفترات طويلة على إيقاع العنف، يحكينها ببالغ الأسف ودموع الندم والألم بادية على محياهن، *(كريمة. ع) امرأة في عقدها 38، أم لطفلين تحكي لنا وملامح الحزن والأسى بادية عليها «معاناتها» مع شقيقها الأكبر ، تقول: كنت آنذاك في السنة الثانوية ثانوي، كنت قد تعرفت على شاب من المدينة وكانت علاقتنا على ما يرام، قبل أن يكتشف أحد إخوتي الأمر. يومٌ لن أنساه، سيبقى محفورا في ذاكرتي إلى الأبد، كل ما كنت أسمع أو أقرأ عنه من أنواع التعذيب ،وحتى التي خلتها نسجا من الخيال، مُورِسَت علي، لقد كدت ألفظ أنفاسي من شدة الألم مرات عديدة. لم أكن على خطأ، لم أكن أقترف جرما، وحتى لو كنت كذلك فإن الذي يغيب عن علم معظم الشباب والآباء أنه لم يسبق للعنف أن كان وسيلةً للتربية والتهذيب. *(مريم. ت) طالبة جامعية قاطنة بالدارالبيضاء من أصول شمالية تقول: الذي أغاظني هو أن أخي ،وفي كثير من الأحيان، يتفاخر أمامي بأن له عشيقة أو عشيقات، وأنه «ناوي المعقول مع وحدا ..أما لاخرين غير تدواز الوقت» في حين لم يدع لي أي فرصة في اختيار شريك حياتي وفي عيش حريتي بالشكل الذي ارتأيت .. لم أكن أظن يوما أن هناك ما هو أبرح من الضرب الذي نلته من والدي عقب اكتشافه غيابي المتكرر عن المدرسة، إلا بعد أن «كليت لعصا عند خويا» بعد اكتشافه علاقتي مع شاب كنت أهواه ويهواني. ضَرْبٌ أنساني ضربَ أمي وأبي وضربَ معلمتي القاسية أيام الابتدائي. *(فتيحة .ح) من نواحي مدينة برشيد عاملة نظافة مقيمة بالبيضاء تتذكر الماضي اللعين وتقول: طُردتُ من المدرسة، عُنِّفت، تلقى جسدي النحيف كافة أنواع التعذيب من ضربٍ وجرح وكي، كل ذلك لأن قلبي الصغير دفقت فيه دماء الحب، وكل ذلك لأني فكرت يوما في رسم طريقي وفي اختيار شريك لي في حياتي. ثلاثة إخوة كانوا يتناوبون على ضربي، خِلتهم يتلذذون بذلك، قبل أن ينهالوا علي بوابلٍ من السب والشتم الذي تعقبه (بعض النصائح)،»يا هاد البنت واش ماتاتفهميش، لي بغاك راه غايجي يدق علينا فالدار، راه غير تايتفلاو عليك أ...» لكن المثير في الأمر أني لا أكاد أفتح عيني حتى أجد «الأخ» أمام المرآة «تايقادوتايصاوب» لأن له موعدا مع فتاة ما. صراحة فكرت مراتٍ في الهرب ومراتٍ في مقاضاته، لكن حُبي لأبي ولأمي لم يكن يترك لي خيارا غير «نكمدها ونصبر». *(فاطمة الزهراء .ب): «ما عرفتش علاش دراري دايرين هاكا» هكذا صرخت في وجهنا بعد أن استفسرناها عن الظاهرة، قبل أن تضيف: أحاول أن أفهم منذ زمن طويل لماذا يتفاخر أخي بهواتفه وبكونه مُلهمَ ومحبوب مجموعة من الفتيات، ولماذا لا يجد أدنى حرج في أن يحادث عشيقاته أمام أهل البيت أجمع، في الوقت الذي يبحث عن هاتفي في كل أرجاء المنزل كأحد صائدي الكنوز. كان أخي الأكبر عاشق رياضة الكاراتيه، وكنت دائما أقول له ،أثناء مشاهدتي لمبارياته، «حرام عليه ضربتيه بجهد» ليرد «شي ما شفتيه».. ومرت الأيام وعلمت علم اليقين أن «شي ما شفتو بصح» لأن الطريقة التي كان ينهال عليَّ بها كانت لتسقط أقوى الرجال أرضًا ب»الكاو». وكل هذا ما هو إلا جزاء خبرٍ أُلقيَ في أذنه بأن لي علاقة مع شاب وأني أواعده باستمرار . لم يكن يستسيغ أن أتأخر في طريق العودة من الثانوية، يقول دائما: «تاتخرجي مع 6 إيوا 6.15 تكوني فالدار» وأي إخلال بقواعد اللعبة في ميدان أخي يعني أن عيني ستبيتان مبتهلتين تنظران إلى السقف، وأن جسدي الصغير لن يُكسى تلك الليل لأنه لن يتحمل أي مساس. *(سحر.الم) إحدى الفتيات اللواتي دفعتهن قساوة الزمن إلى امتهان الدعارة. تقول وهي تردد «هو سبابي الله ياخ. فيه الحق»: كان «راجل ديال الدار» كما يُحبُّ أن يُسمى .يدخل المنزل كما لو أنه مفتش شرطة، أين الهاتف؟ أين الرسائل القصيرة؟ أين كنت؟ مع من؟ إلى أين؟.. أخال نفسي مبحوثا عنه اقترف إحدى أبشع الجرائم. وبعد طرح الأسئلة يبدأ الشطر الثاني من «الاستنطاق»، والذي يستهله الأخ بقوله «ماباغاش تدوي دابا نوريك» ليمد بعد ذلك مباشرة يده إلى حزام سرواله، الذي يجعل من جسدي خارطة طريق زرقاء، قبل أن يصيح في وجهها (الصمطة) «والله ماتاتبردي الجوف» ليبدأ في الركل والرفس كما أنه يصارع أحد أقرانه. مع مرور الوقت لم أعد أحس بأدنى ألم، تناغم جسدي مع إيقاعات الضرب المبرح التي كان يرقص عليها، والعجيب أن قساوة الأخ كانت «فابور، حيت ماكنت تاندير والو داك الساع» هكذا صاحت قبل أن تغمر الدموع عينيها. *(غزالة الح) امرأة في ربيعها 42 تحكي وحرارة قساوةِ الماضي تحتقن في وجنتيها وعينيها. بعد تنهيدة طويلة ودمعتين على الخد باشرت غزالة استرجاع شريط الذكريات المؤلم قائلة: «ما كان عندي حتى مشكل مع صحاب الدار كاملين من غير خويا»؛ محمد علي كلاي، دراكيلا..ألقاب وأخرى كنا نطلقها عليه خفية.. «عودي إلى المنزل باكرا قبل عودة دراكولا» كانت هذه عبارات الأم المسكينة وهي تودع انبتها كلما خرجت إلى المدرسة أو السوق أو الحديقة.. علما منها أن «قاسي القلب» لن يتردد في أن ينهال عليها ،كما هي العادة، بشتى أنواع الضرب.. صفع، ركل، عض، نتف ...كلها عقوبات طالت جسدي الهزيل، وهي ذات العقوبات التي ما زِلت أعاني أضرارها النفسية والمادية إلى اليوم. لتضيف كما أضافت الكثيرات، «واش حلال علينا حرامٌ عليكم؟؟ واش مامنحقش لبنت تختار شريك حياتها ولا تحب ولا تدير أصدقاء». آخر الشهادات التي سنوردها هي لأستاذة بالبيضاء من ضواحي مدينة العرائش، (خديجة أي) والتي تقول: شقيقي الأكبر من بين الناس الذين أعرفهم «ولِّي خدامين غير بتيليفون !».. لا أكاد أخلع ثيابي بعد رجوعي من الشارع حتى يبدأ في سرد تقرير مفصل يشمل كل صولاتي وجولاتي. لكن ما يجعله يقوم من مقامه ويجعله يتجه نحوي حاملا «لي لقاها حداه» هو وصوله للفقرة المثيرة: «...وتلاقيتي لمعفون ديالك عاود، ومشيتو وجيتو».. عانيتُ الويلات ،تضيف خديجة، ولم يكن لي خيار. فقد كنت أقف حائرة بين الخوف الذي كان شبحه يطاردني باستمرار، وبين ميولات قلبي نحو «حبي الوحيد»، صراع مرير عشته لمدة طويلة قبل أن أتخذ قراري: مستعدة لتحمل كافة أشكال العنف والتعذيب في سبيل الحفاظ على علاقتي بالشخص الذي يهواه قلبي. كان قراري هذا نابعا من قناعتي وإيماني بأني راشدة، وبأن لي حرية لا يحق لأحد المساسُ بها. لقد كان المؤلم جدا الوقوف أمام كل اللواتي سبقن والاستماع إليهن، لقد كادت دموعهن في كثير من الأحيان أن توقف الحوار، وفي حالات أخرى كانت تُلهب دموع الحاضرين جميعا. دموعٌ وآهات نريد أن نوصلها إليكم وإلى كل المعنيين بالأمر علَّنا نتساءل حول مستقبل مثل هذه التصرفات؟ وعن الجهود المبذولة للحد منها؟ وعن المراسيم التشريعية التي تقطع أيدي مقترفيها؟ * (صحفي متدرب