كانت أوروبا، في السنتين الأخيرتين، مسرحا لعدد من الهجمات الإرهابية خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، تبنى معظمها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). الغالبية القصوى لهذه الهجمات، التي استهدفت فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، وبريطانيا، وإسبانيا، كان وراءها مزدوجو الجنسية أو مواطنون أوروبيون اخترقتهم الإيديولوجية القاتلة لتنظيم داعش. فدعاة هذا التنظيم يقدمون على غسل دماغ الشباب المنحدر في غالب الأحيان من الهجرة وتحريضه على زرع الخوف وسط السكان مستغلين جهلهم التام بحقيقة الإسلام. وكان جلالة الملك محمد السادس قد حذر في هذا الصدد في خطاب وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال 63 لثورة الملك والشعب من "انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب، ومحاولة ربطها عن خطأ أو عن صواب، بالمهاجرين ، وخاصة في اوروبا. " وكان جلالة الملك قد انتقد بشدة على الخصوص " دعاة الإرهاب " الذين يستغلون بعض الشباب المسلم، خاصة في أوروبا، وجهلهم باللغة العربية وبالإسلام الصحيح لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة". ولمحاربة انتشار الانغلاق السائد باسم الدين، دعا جلالة الملك، أمير المؤمنين، المسلمين والمسيحيين واليهود إلى " الوقوف في صف واحد من أجل مواجهة كل أشكال التطرف والكراهية والانغلاق ". وقد حظي الخطاب الملكي بترحيب واسع من قبل عدد من البلدان الغربية الذين رأوا فيه رسالة سلام نابعة من سلطة دينية عليا التي تجسدها مؤسسة إمارة المؤمنين والتي مكنت المغرب من القيام بإصلاحات شجاعة للحقل الديني أصبح نموذجا يحتدى عبر العالم. وأكد جلالة الملك أن " الإرهابيين باسم الإسلام ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالإسلام إلا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم. فهم قوم ضالون، مصيرهم جهنم خالدين فيها أبدا"، داعيا المغاربة المقيمين بالخارج إلى البقاء متشبثين بقيم دينهم وتقاليدهم العريقة أمام ظاهرة الإرهاب الذي يعد غريبا عنهم. وأمام خطورة هذه الظاهرة، وضعت البلدان الأوروبية استراتيجيات للقضاء على التطرف من أجل منع الشباب من التورط في مشاريع داعش الرهيبة والوقوع في نهاية المطاف في براثن الإرهاب. ففي بلجيكا، أطلقت الحكومة خطة عمل ضد التطرف، والتطرف العنيف، والإرهاب، الذي يشمل البلديات التي انطلق منها وعادوا إليها " المقاتلون الأجانب ". ويركز هذا المخطط على تتبع المرشحين للذهاب إلى سوريا والعائدين منها، وكذا الأنشطة الإجرامية والاقتصاد غير المشروع الذي يمول الإرهاب، وكذا الحرب على التطرف. غير أن الجهود التي بذلت من أجل محاربة التطرف لم تؤدي إلى النتائج المرجوة. الأكثر من ذلك، فإن آثار التطرف ظهرت في صفوف الأطفال كما وقع مؤخرا في مدرسة للحضانة ببلجيكا حيث تم تسجيل خمس حالات لأطفال في الخامسة من العمر يرددون " تهديدات بالقتل " اتجاه " الكفار " واصفين إياهم ب"الخنازير"، أو يقلدون عملية الذبح. وحسب المتخصصين، فإن بعض المساجد تشكل منبرا لبعض الأئمة لترويج الإسلام الراديكالي، كما أن هؤلاء الأئمة ينشطون في مساجد غير معترف بها، ولا تخضع لمراقبة السلطات. وبالفعل، فإن غالبية المساجد في بلجيكا غير معترف بها من قبل الدولة. فمن بين 65 إماما معترفا به، هناك 300 مسجد فوق التراب البلجيكي، حسب السلطات. ولمواجهة هذا الوضع، دعا وزير العدل البلجيكي كون غينز، الوصي على المجلس التنفيذي لمسلمي بلجيكا، مؤخرا، من هذا الأخير مده بلائحة الأئمة الذين يعملون بالمساجد البلجيكية. وأكد في هذا الصدد، أن " المجلس التنفيذي للمسلمين عليه تسليم هذه المعطيات لأحهزة أمن الدولة، بحيث نصبح أمام منظومة تجعل أجهزة الأمن على دراية بمن يقوم بإلقاء الخطب، حتى بالمساجد غير المعترف بها ". وفي تفاعله مع هذا المقترح، أكد رئيس المجلس التنفيذي لمسلمي بلجيكا بأن هذه الهيئة ستطالب المساجد باستشارة المجلس قبل تعيين أئمة متجولين " حتى يكون باستطاعتنا التحقق من بياناته الشخصية ". ويرى كورين توركينز، الأستاذ بالجامعة الحرة لبروكسل، والمتخصص في الإسلام المعاصر بأوروبا، أن مبادرة وزير العدل البلجيكي قد تزيد من تطرف الأئمة. فالتطرف، في رأيه، " لا ينبع من المساجد، بل ينتشر عبر مجموعات صغيرة، لكن هذا لا يمنع من وجود أئمة يطرحون مشاكل". وأمام الانتشار الكبير للتطرف في أوروبا وانعكاسه على الأمن، يحاول علماء الدين، وعلماء الاجتماع، ورجال الإعلام شرح الظاهرة ورصد الأسباب النفسية التي تدفع بالفرد إلى الارتماء في أحضان التطرف وقتل الأبرياء ونفسه معا. وفي هذا الصدد، أوضح خالد حاجي، الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه لا يتوفر على وصفة سحرية لفهم الدوافع التي تؤدي بالشباب إلى التطرف والآليات التي يتم بها هذا التحول " رافضا " محاولات التعميم وشبكات التحليل التي تستعمل في دراسة هذا الموضوع ". وبالنسبة إليه، فإن " الحصيلة مرة وأننا نظل مهددين أمام هذه المخاطر، بدون دفاع مقنع، عاجزين أمام عدم القدرة على التنبؤ بمسار أشخاص مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل أفكار واهية "، مشيرا إلى أن " أي ادعاء بالتحكم في الوضع، أو وضع منهجية أو إجراءات ناجعة تمكن من القضاء على الإ رهاب تبقى مجرد أسطورة ". وأوضح " أن عددا من الشباب المقيم في أوروبا يرون العبادات كشيء يثقل كاهلهم بدل أن يكون عاملا للارتقاء الروحي " واصفا ذلك بأزمة التدين المعاصر ". وأضاف أن " الخطاب الديني المهيمن يركز على الشعور بالذنب، مما يمنع التسامح مع روح العصر، أو عرقلة الاندماج في مجتمع غير مسلم ". كما وجه أصابع الاتهام لمدارس تعليم اللغة العربية التي " تلقن دروسا للأخلاق الدينية لدى الأجيال المسلمة من خلال مضامين مثيرة للنقاش " والمساجد " التي يتم تدبيرها في إطار غير مؤهل بما فيه الكفاية أو غير مؤهل تماما ". كما اتهم السيد حاجي " العلماء الذين ينصبون أنفسهم " ليقدمون الأجوبة للشباب حول مختلف القضايا الدينية ". وأضاف أن " الشباب المسلم في أوروبا يبقى معرضا لأزمة هوية، حيث يبقى منقسما بين الانتماء والإيمان، وممزقا بين مختلف الولاءات " مدينا " الخطاب الإعلامي المهيمن المنتقد للشباب، وكذا " عدم تكافؤ الفرص في سوق الشغل، واستفزازات أحزاب اليمين المتطرف. وسجل أن " الإرهاب لا يمكن دراسته أو فهمه بعيدا عن الظرفية المعقدة التي يعيشها العالم حاليا " وأن تبرئة سياسات واستراتيجيات الدول الكبرى من أي تأثير على الثقافة المغذية للإرهاب ليس صحيحا. وفي رأيه " فإن الحرب ضد هذه الظاهرة يستدعي مبادرة جماعية ، وإرادة صارمة من قبل جميع الفاعلين، سواء كانت جهات حكومية، أو محلية، أو وطنية، أو دولية " مشددا على أنه " وأمام عالم متعدد الأقطاب، وبرهانات متقاطعة ومعقدة، حان الوقت لتطوير اقتصاد لتدبير المؤهلات والمساهمات المتبادلة التي تتجاوز الحالات الطارئة والقراءات المتسرعة ". ومن وجهة نظر المثقف، يقول الكاتب والشاعر المغربي المقيم ببروكسل طه عدنان إنه إذا كانت المقاربة الأمنية لهذه الظاهرة أمر مفهوم وضروري، فإنها تبقى غير كافية. وأثار إشكالية التأطير الديني للجالية المهاجرة، مشيرة إلى أن الأئمة المكلفين بهذه المهمة لهم ثقافة محدودة ولا يتقنون لغة وثقافة البلاد التي يوجدون فيها. بل الأكثر من ذلك، فإنهم لا يقومون بأي مجهود لملاءمة خطابهم مع السياق الاجتماعي بشكل يجعله لا يتناول طموحات الشباب الذي نشأ في أوروبا، على العكس دعاة الإرهاب الذين يستعملون التكنولوجيات الحديثة. ودعا عدنان إلى مقاربة أفقية لفهم ظاهرة التطرف بإشراك الأسرة والمدرسة والمساجد والحي وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية. كما حث على الانفتاح أكثر على قيم التعددية والاختلاف. وبالنسبة إلى طه عدنان الذي تناول الهجرة في عدد من المؤلفات، فإنه من المهم بالنسبة لمجتمع متعدد الثقافات تعزيز الديناميات الثقافية الحضرية دون السقوط في " ثقافة الحي " التي تقيم حدودا مجالية، وإثنية، و/أو جماعية وتمنع من تعزيز المواطنة الثقافية.