الأديان لا تحوي في طبيعتها خطابا متطرفا، فكلها متشابهة من حيث القيم والأهداف، لكن ما يجعلها تظهر متحجرة ومتنافرة هو تسييسها ووضعها في سياق الصراع، هذا ما أكده عدد من العلماء والأئمة المجتمعين في مقر البرلمان الأوروبي ضمن مؤتمر الإصلاح الجذري للتراث والخطاب الإسلامي. وقد وضع هذا المؤتمر نقاطا عديدة بهدف توضيحها، من بينها الأئمة في مساجد أوروبا وآليات ترجمة القيم الدينية إلى سلوك يومي متسامح. احتضن البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية، بروكسل، مؤتمرا بعنوان «الإصلاح الجذري للتراث والخطاب الإسلامي»، تم خلاله التطرق إلى دراسة الجانب التنويري في التراث الديني الإسلامي والعمل على إظهاره وتعميمه في شكل قراءات عملية في التدريس والإعلام والتربية. وقد أكد الحاضرون في المؤتمر ضرورة تفعيل الالتقاء بين الرسالات السماوية وفق المنهج ذاته أي بالعمل على تطوير الخطاب المتسامح داخل النصوص والتغاضي عن المحتويات الخلافية حتى بين الطوائف داخل الدين الواحد. الندوة دعا إليها تكتل الأحزاب الشعبية الأوروبية، وتهدف إلى التحاور حول واقع الدين الإسلامي في الدول الأوروبية والتحديات التي تواجه قادة هذا الدين في أوروبا بخصوص نشر قيم الإسلام المتسامحة ونبذ العنف، ومواجهة الأفكار المتطرفة، خاصة وأن الظرف الذي تمر به أوروبا الآن، أمنيا وسياسيا، يعد من أصعب الظروف التي مرت على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفي كلمة له أمام الندوة، أشار محمد علي الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان إلى أن أغلب الأوروبيين يعانون من مشكلة فهم الإسلام وما يجري اليوم باسمه، وخاصة ما يقوم به داعش ونظام ولاية الفقيه في إيران من تسييس للدين الإسلامي إلى أن صار الأوروبيون لا يميزون بين القيم القرآنية الحقيقية في الإسلام التي جاء بها الرسول محمد وبين إسلام الإرهاب والتخويف. وأشار الحسيني في سياق خطابه في البرلمان الأوروبي إلى أن ?أزمة التصالح بين الدين والدولة لا تُحل إلا عبر الفصل بينهما. وما تروج له أنظمة مثل نظام إيران الحالي في أسلمة الحياة عنوة لا يمكن أن يؤخذ على أنه رسالة تسامح، بل إن هذا النظام معقل أيديولوجي لإنتاج التطرف مرة أخرى وهو مبرر غير مباشر لإيجاد تطرف آخر متوحش جدا وهو داعش?. وفي سياق البحث عن آليات ?تنقية? الوافدين والجالية المسلمة في أوروبا من بعض أفكار الانغلاق الديني، طرح المؤتمرون مسألة تكوين وتأطير الأئمة في أوروبا، حيث بيّن المشاركون في المؤتمر من أئمة وعلماء دين، أن ?الحاجة إلى توفير تكوين صحيح لهؤلاء، أمر مهم بالنسبة إلى شباب المسلمين في الديار الأوروبية باعتباره أحد أهم مصادر التكوين الديني والثقافي لهؤلاء الشباب?. ومن جانبه أوضح راشد برباش رئيس تجمع مسلمي كرسيكا بفرنسا في هذا الصدد، أنه ?تم في فرنسا استقطاب مستشار فضيلة مفتي دار الإفتاء بمصر التابعة للأزهر الشريف للتعاقد بشأن توفير تكوين الأئمة الأوروبيين بلغاتهم في الدول التي يعيشون بها في المهجر، مثل الفرنسية والألمانية والإنكليزية والأسبانية?. وأكد أن تجمع مسلمي كرسيكا بفرنسا بصدد تباحث هذا الأمر مع الشيخ مفتي الديار المصرية شوقي علام، بحيث ستغادر أول دفعة من الأئمة من مدينة ليل شمال فرنسا للالتحاق بدورات تكوينية بالأزهر الشريف، خلال الأشهر القليلة القادمة. وقد أشارت بعض التقارير الصحفية إلى وجود أئمة مساجد يروجون لخطاب عنفي داخل فرنسا، من بينهم إمام جامع في مدينة نيس يلقن الأطفال المسلمين "إسلاما متعصبا" بمنعهم من مخالطة الفرنسيين والاستماع إلى الموسيقى أو الذهاب إلى المسرح، وقد أدى المقطع المصور لهذا الإمام إلى جدل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي. كما أشارت المداخلات في أغلبها إلى مشكلة استقدام أئمة من خارج أوروبا ليس لديهم إلمام بحيثيات المجتمع الأوروبي، ومن ثمة كثيرا ما يطلقون العنان لفتاوى تتعارض أحيانا مع القيم الأوروبية. وفي هذا السياق أشار برباش إلى "وجود بعض اللوبيات داخل الجالية المسلمة في أوروبا تستغل هذه الفتاوى لأغراض تتعلق بالدعاية السياسية، ما يسبب الكثير من التنافر بين أفراد الجالية المسلمة". وأوضح راشد برباش أن ?استقدام العلماء من الدول الأصلية للجاليات المسلمة في أوروبا على يد هيئات سياسية بعينها من شأنه أن يسيس الخطاب الديني، فنحن بحاجة إلى علماء أجلاء مثل الأزهريين والمدينيين والمكيين أو علماء من جامعات إسلامية معترف بها ومشهود لها بصدقها". ومن جانبه أشار آلمر بروك رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي إلى أن ?الرسالة التي نود تقديمها من خلال هذا المؤتمر تتمثل في أن الرسالات السماوية الثلاث متشابهة جدا من حيث المبادئ، ولذا علينا أن نعمل من أجل تفعيل هذا التشابه والالتقاء في مواجه الأفكار المتطرفة والمسيئة للأديان?. وشارك في هذا المؤتمر عدد من الأئمة من أوروبا والدول العربية والإسلامية، على غرار مصطفى راشد رئيس الاتحاد الدولي لعلماء الإسلام من أجل السلم ونبذ العنف، وإبراهيم نجم مستشار مفتي الديار المصرية، إلى جانب عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي يتقدمهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، كما شارك عدد من الخبراء في الاتصال والتربية وعدد من الخبراء الأمنيين.