حسن قرنفل: المجتمع المغربي يعيش أزمة قيم .. الكثير من الأسر استقالت من أدوارها واندحر الرصيد الرمزي للأستاذ/ة داخل القسم, التلاميذ جالسون في مقاعدهم , الاستاذ وجهه للسبورة منهمك في الكتابة ,يخرج تلميذ من الجالسين في مقاعدهم سكينا , ويغرسه في ظهر الاستاذ ,ثم يكرر الطعنات في جهات مختلفة من الجسم. قد يبدو المشهد عاديا في مجتمع أصبح فيه تعنيف الاستاذ يمر كخبر يؤثث نشرات الاخبار , لكنه في الواقع عنوان عن انهيار قيم مجتمع بأكمله . في المشهد تجاوز أخلاقي لحرمة المدرسة ولحرمة القسم ولرمزية الاستاذ الذي يوازي مرتبة الاب ..وتجاوز لحق تلاميذ آخرين في متابعة دروسهم .. هذا المشهد الذي حملته لنا الأخبار الاسبوع الماضي من قلب مدرسة بسلا, اضافة للتراكم العددي الكبير للأطر التربوية المعنفة من طرف التلاميذ, يدعونا كمغاربة أن نتوقف بحزم, ما الذي يجري في مجتمعنا اليوم,كيف انقلبت المفاهيم واختلت القيم وأضحى الأستاذ برمزيته الاجتماعية التربوية والفكرية ,مركز إهانة وسب وضرب وتعنيف حد الموت من طرف من يعلمهم ,أين الوازع الأخلاقي والاعتباري لرمزية الأستاذ والأستاذة اللذان كانا بالأمس القريب فقط نموذجا نحتذيه جميعا, ماالذي حصل في مجتمعنا المغربي الذي كان يحتكم للقيم والتقاليد والأخلاق , حتى أصبحت اللاأخلاق أمرا مقبولا ومستساغا اجتماعيا. إن ما نطالعه اليوم من تنامي أحداث العنف ضد الأساتذة, ناقوس خطر كبير يحذر من انهيار منظومة القيم في مجتمعنا, لأن رمزية الأستاذ والأستاذة تعادل رمزية الآباء, كما تتلازم المدرسة والبيت باعتبارهما مصدرا للتكوين والمعرفة والرعاية , وبتجاوز هذه الدلالة والرمزية وإهانتها, بل الاعتداء الجسدي عليها,نكون أمام إجحاف كبير وتمرد لا أخلاقي ستنعكس تبعاته السلبية , بعد المدرسة, على الأسرة والمجتمع ,لأن المجتمع الأخلاق ما بقيت. للوقوف على جانب من الظاهرة في شقها السوسيولوجي, اتصلنا بالأستاذ حسن قرنفل, استاذ علم الاجتماع بكلية شعيب الدكالي بالجديدة ..
يقول الأستاذ حسن قرنفل إن هذه السلوكات الغريبة عن المجتمع المغربي، أضحت تستفحل بشكل كبير في المدارس المغربية بكل مستوياتها حتى الابتدائي منها، مما أضحى يمثل تهديدا خطيرا لحياة بعض رجال ونساء التعليم وهذا مؤشر خطير لأزمة القيم التي أصبح يعيشها المجتمع , فانتقال مجتمعنا من مجتمع تقليدي كان يقوم على الطاعة وحياة الجماعة إلى مجتمع منفتح على قيم كونية كالمساواة وحقوق الإنسان,دون مرافقة ودون أن يتم استيعاب هذه القيم الوافدة من طرف المراهقين، جعلهم يتأرجحون بين قيم تقليدية وقيم حداثية, في غياب لمن يوجه حياتهم، فأصبح العنف هو الطريقة الأسهل للدفاع بها عن أنفسهم وإثبات ذواتهم وشخصيتهم . من العوامل الأساسية أيضا لبروز الظاهرة هي استقالة الكثير من الأسر عن القيام بأدوارها التقليدية واختفت سلطة الأب من البيت, وأمام الأكراهات والضغوطات , استسلمت الأسر لهذه التأثيرات الخارجية التي يتعرض لها الأبناء حتى فقدت السيطرة عليهم، بل إن بعض الأباء وأفراد الأسرة أصبحوا ضحايا للعنف من طرف أبنائهم المراهقين هذه الوضعية و يقول الاستاذ قرنفل,تكشف تراجع القيم المجتمعية واندحار الرصيد الرمزي لرجل التعليم, الذي كان يتمتع من قبل بوضعية اجتماعية وإدارية كبيرة.حيث كان المجتمع المغربي ينظر للأستاذ باحترام كبير باعتباره المربي الأول ,فأصبح اليوم محط سخرية, والدليل هذا الكم الهائل من النكث التي يتداولها عنه الشارع العام بكل أطيافه ,وربما كان هذا من الأسباب القوية لانتشار هذه السلوكات العدوانية داخل الأقسام والمدارس التعليمية المخدرات , التي أصبحت المؤسسات سوقا كبيرا لها ,من الدوافع الكبرى لهذا العنف, فعدد كبير من التلاميذ وحتى التلميذات يدخلون الأقسام في حالة تخدير ونفسية غير طبيعية تجعلهم يفجرون عدوانيتهم في وجه الأساتذة باعتبارهم يشكلون سلطة عليه و يتمرد عليها من خلال شخص الاستاذ/ة. حيث يجب على الدولة محاربة هذا الاختراق الخطيرللمجتمع المغربي بهذهالآفة التي تحطم حياة هؤلاء المراهقين وتحكم على مستقبلهم بالفشل من العوامل القوية أيضا يقول أستاذ علم الاجتماع, اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا بشكل كبير فقدت معه الأسرة امكانية السيطرة على الأبناء. ففي السابق كان دور التنشئة تقوم به الاسرة والمدرسة والآن أصبح دورهم صغير أمام ما تقدمه وسائل التواصل الحديثة دون رقابة لما يتم تلقيه عبرها في الكثير من الحالات, حتى أصبح معها التلاميذ يتبنون سلوكات غريبة يشمل تأثيرها البيت والمدرسة. كيف يمكن الحد من الظاهرة ؟ الحل يكمن في اعادة الاعتبار للأستاذ , يقول الاستاذ قرنفل, وهذه ليست وصفة جاهزة للتطبيق أو التنفيذ. بل تأتي نتيجة دينامية و تراكم مجموعة من السلوكات والقيم التي يجب أن يشتغل عليها رجال التعليم أنفسهم من أجل اعادة الاعتبار لرمزيتهم الاجتماعية وأن يأخذوا على عاتقهم تربية النشء بكل ما تتطلبه من مسؤولية يجب على رجال التعليم ونسائه ان يتلقوا تعليما خاصا في مجال علم النفس التربوي, لمعرفة كيفية التعامل مع التلاميذ /المراهقين , لأن هذه الفترة من العمر على درجة كبرى من الأهمية تكون فيها حساسية المراهق شديدة تجاه ما يتلقاه من سخرية في القسم من طرف الاستاذ أو نعثه بنعوث تحط من قدره أمام زملائه ,تصدر عنه ردود فعل قوية جدا يجب على الأطر التربوية إدارك خطورة مثل هذا السلوك ومعرفة التعامل مع هؤلاء المراهقين بنوع من الحذر واللباقة الضرورينيجب أيضا تقوية الأدوار في مؤسستين مهمتين هما الاسرة والمؤسسة , وأن تعود الأسرة للممارسة دورها في تنشئة أبنائها وأن تستعيد دورها في الحماية والحفاظ على مستقبلهم ومراقبة ما يتم تلقيه من الخارج ومن وسائل التواصل الاجتماعي. ليس الامر سهلا , فجميع الاسر تعاني من ضريبة العلم والتقنيات الكبيرة, لكن لابد من بذل المزيد من الجهد لمواكبة الابناء حتى تكون الكلمة الاخيرة للأسرة.