149 ملف اعتداء بالضرب والجرح اليوم أمام القضاء, ضحاياه من نساء ورجال التعليم على أيدي تلامذتهم أو أوليائهم , وأخرى تم التنازل عنها , من بين 203 حالات اعتداء على الأساتذة ذكرها تقرير التضامن الجامعي المغربي. وضع يدعونا كمغاربة أن نتوقف لحظة ,ما الذي يجري في مجتمعنا اليوم,كيف انقلبت المفاهيم واختلت القيم وأضحى الأستاذ برمزيته الاجتماعية التربوية والفكرية ,مركز إهانة وسب وضرب وتعنيف حد الموت من طرف من يعلمهم ,أين الوازع الأخلاقي والاعتباري لرمزية الأستاذ والأستاذة اللذان كانا بالأمس القريب فقط نموذجا نحتذيه جميعا, ماالذي حصل في مجتمعنا المغربي الذي كان يحتكم للقيم والتقاليد والأخلاق , حتى أصبحت اللاأخلاق أمرا مقبولا ومستساغا اجتماعيا. إن ما نطالعه اليوم من تنامي أحداث العنف ضد الأساتذة, ناقوس خطر كبير يحذر من انهيار منظومة القيم في مجتمعنا, لأن رمزية الأستاذ والأستاذة تعادل رمزية الآباء, كما تتلازم المدرسة والبيت باعتبارهما مصدرا للتكوين والمعرفة والرعاية , وبتجاوز هذه الدلالة والرمزية وإهانتها, بل الاعتداء الجسدي عليها,نكون أمام إجحاف كبير وتمرد لا أخلاقي ستنعكس تبعاته السلبية , بعد المدرسة, على الأسرة والمجتمع ,لأن المجتمع الأخلاق ما بقيت. المعجون القرقوبي رشوة النقطة, بعض أسباب الظاهرة من خلال استفسارنا من «داخل الدار» لمجموعة من الأساتذة والتلاميذ حول أسباب الظاهرة وتناميها, أجمع معظم الأساتذة أن للعنف الذي يمارسه التلميذ تجاه الأستاذ أو الأستاذة دواعي وأسباب عديدة, كالتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق وانسحاب الأسرة من مسؤولياتها التربوية، بالإضافة إلى الاكتظاظ داخل الأقسام، وافتقار المدرسة للمرافق الثقافية والرياضية والتدخين والتعاطي للمخدرات إلى جانب اقتحام الفضاءات التربوية من طرف أشخاص أجانب ومنحرفين. كلها عوامل تعمق حدة العنف ,على حد تعبيرهم ,وتكون لها آثار على نفسية التلميذ وتصرفاته, التي قد تتسم بالعدوانية فيلجأ إلى شتى الطرق لتفريغها. يؤكد مجموعة من التلاميذ أن بعض زملائهم المراهقين يدخنون في المراحيض ويتعاطون المخدرات ك «المعجون» و»القرقوبي ويدخلون للفصل «مرفوعين». أحد الأساتذة أضاف أيضا أن من الأسباب المساعدة لارتفاع الظاهرة ,اكتفاء المدرسين بعرض التلاميذ على المجالس التأديبية الداخلية للمؤسسة دون ولوج ردهات المحاكم، وكذا تنازلهم في كثير من القضايا عن حقهم في المتابعة القضائية، بعد وساطات أسرية أو تعليمية استحضارا منهم لدورهم التربوي، ومراعاة للمرحلة العمرية التي يمر منها التلاميذ, زيادة على عدم رغبة بعضهم في ولوج المحاكم . يمكن إرجاع ظاهرة العنف المدرسي أيضا, حسب نفس الأستاذ, إلى سياقها المجتمعي العام، حيث نجد انخفاض منسوب القيم عند الأطفال والمراهقين، من خلال حديثهم الفظ والعنيف مع ذويهم، خصوصا منهم الوالدين، بل نجد الاعتداء الجسدي على الأقارب بما في ذلك الآباء، ومن اعتدى على والديه وذويه لا يجد أدنى حرج في الاعتداء على الأساتذة والمدرسين. من الانعكاسات السلبية لانتشار الظاهرة ,أنها دفعت بعض الأساتذة لرفع شعار «النقطة مقابل السلامة البدنية» حيث أصبح بعض التلاميذ يستفيدون من ريع خاص، وهو النقطة التي لن يحظى بها ذلك التلميذ غير المشاغب، بل إن أحد الأساتذة صرح أنه يخبر التلاميذ منذ بداية الموسم الدراسي أن آخر نقطة هي 10، وما على التلاميذ إلا الالتزام بالهدوء ليحصلوا على هذا الامتياز، وهذا يزيد الطين بلة، فبدل أن يقوم الأستاذ بدوره في التربية وترسيخ القيم لدى الناشئة، فإنه يرسخ لديهم قيما سلبية مثل «رشوة» النقطة. الهيئة المغربية لأطر التربية والتكوين تحتج على بنكيران «الهيئة المغربية لأطر التربية والتكوين» عبرت في رسالة احتجاج مفتوحة، لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، «عن احتجاجها واستيائها من استمرار حملة التشهير والعنف البدني والمعنوي، وتناسل وصلات القنوات الفضائية الرسمية المستهدفة للمكانة الاعتبارية للمُدرّس (ة) والمدرسة العمومية؛ مشفوعة بالتصريحات العدائية واللامسؤولة لعدد من المسؤولين الحكوميين , ودعت الهيئة، رئيس الحكومة، « إلى اتخاذ خطوات جريئة متعددة الأبعاد لإيقاف هول ما أصبح يهدد حياة وسلامة أطر التربية والتكوين اليومية، بعيدا عن المقاربات الأمنية التي أثبتت عدم فعاليتها.ورفضت الهيأة تحميل الأسرة التعليمية كل إخفاقات الدولة المغربية سياسيا، اقتصاديا وثقافيا، معتبرة «ان واقع المدرسة المغربية تعبير مختزل لهول الأزمة المجتمعية العميقة»، مشيرة في الآن ذاته إلى « أن الأزمة في عمقها ، هي غياب مشروع مجتمعي واختيارات واضحة». عبد العزيز إيوي, الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ف دش )أوضح أن مستوى العنف الممارس ضد الأساتذة في ارتفاع مستمر.وطالب من الفاعلين الحكوميين بالتدخل للحد منها, معتبرا أن المقاربة الأمنية للموضوع لا تنفع لأن للأمر علاقة بما هو سيكولوجي. مصدر نقابي من (ك د ش)، اعتبر أن الظاهرة خطيرة وتستدعي التدخل العاجل و أن مثل هذه السلوكات ستؤدي لا محالة إلى خلق جو من التوتر والخوف والقلق بين صفوف الأساتذة. هل تساهم الوزارة في تفاقم الاعتداء على الأساتذة ؟ احتجاج قوي من أسرة التعليم على مذكرة وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني,حول العقوبات التأديبية التي تتخذها مجالس الأقسام في حق التلاميذ, حيث تم إلغاء عقوبة التوقيف التي لم تعد تأديبية و التي تعتبرها الوزارة طريقة غير ناجعة لأنها تعمق الهوة بينه و بين المدرسة وتحرمه من مجموعة من الحصص المدرسية ،المذكرة قدمت مقترحات تأديبية تعوض الإقصاء المؤقت كإنجاز أشغال البستنة و تنظيف و ترتيب المكتبات المدرسية, إضافة إلى المساعدة في تحضير الانشطة الرياضيه . الشغيلة التعليمية أعتبرت أن المذكرة تساهم في ارتفاع نسب الشغب و العنف في الوسط المدرسي دون تقديم حلول ناجعة ،و ان مقترحات الوزارة وان كانت تصب في مصلحة التلميذ, الا انها لا محال ستدفع بالعديد من التلاميذ لنهج سلوكات مستفزة و عدوانية داخل الاقسام الدراسية كما ستتسبب في معاناة مضاعفة للأساتذة على اعتبار ان التلميذ المعني يعي جيدا انه لن يطرد وسيعاقب ربما بأمر يعتبره من هواياته كالبستنة وغيرها.. و اقترح بعض الأساتذة لمعالجة الظاهرة تيسير عملية دمج التلميذ في العملية التعليمية من خلال محاربة الاكتظاظ، والتركيز على القيم، تدريسا وتطبيقا، والقرب أكثر من التلاميذ، بخلق مراكز وخلايا استماع داخل المؤسسات، فضلا عن تنقية محيط المؤسسات التعليمية من براثن الفساد التي تنتعش فيها (بيع المخدرات) وإحداث شراكة حقيقية بين وزارات التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة، وتنزيل هذه الشراكة على أرض الواقع، لتحويل طاقات التلاميذ إلى إبداع فعال، في المجال الرياضي أو الموسيقي. معطيات صادمة أصدر «التضامن الجامعي المغربي» إحصائيات صادمة بخصوص الاعتداءات التي طالت رجال ونساء التعليم خلال الموسم الدراسي الماضي، بلغت 149 حالة اعتداء عرضت على القضاء للبت فيها، 109 ملف يتعلق بالذكور والباقي يهم الإناث. قرابة 33 % من حالات الاعتداء على المدرسين والمدرسات يكون المتسبب فيها أولياء أمور التلاميذ، مقابل 24 بالمائة «أجانب عن المؤسسة» هم طرف فيها، بينما ترتبط 20 بالمائة من حالات الاعتداء على المدرسين بالإدارة، و15 بالمائة بالتلاميذ، وأخيرا نسبة 7 بالمائة من حالات الاعتداء تتعلق بقضايا السب والشتم. مراكش تصدرت المدن التي عرفت أكبر عدد من قضايا العنف المدرسي، ب8 ملفات عرضت على القضاء خلال الموسم الدراسي 2013-2014، وجاءت في المرتبة الثانية مدن تارودانت وبني ملال وخنيفرة، ب6 قضايا لكل مدينة، وتتوزع مجمل القضايا على 52 إقليما بمختلف جهات المملكة. الفئة المستهدفة وفق المصدر ,هي أساتذة التعليم الابتدائي,بأزيد من 42 % من حالات الاعتداء المسجلة خلال الموسم الدراسي الماضي، بينما تعرض أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي لحوالي 18 %، وتعرض أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي لحوالي 12 بالمائة من حالات الاعتداء، وبنسب أقل تشمل حالات الاعتداء المسجلة أيضا الحراس العامين والمدراء وناظرين ومفتشين.