لم يعد غياب الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، عن الواجهة مثيرا للجدل في الجزائر، بسبب قناعة ترسخت لدى الرأي العام، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية في أبريل الماضي، بكون السلطة في الجزائر تُدار بمنطق قوّة النفوذ والمصالح، وليس بترسيخ الديمقراطية والتداول على الحكم. فقد كشفت مصادر مطلعة أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يُفترض أن يكون قد عاد إلى مقرّ إقامته بغرب الجزائر العاصمة، بعد فترة نقاهة أو مراجعة صحية أجراها في إحدى الدول الأوروبية، ويرجّح أن تكون فرنسا أو سويسرا، فالأولى تابع فيها العلاج لحوالي ثلاثة أشهر بين مسشفيي «فال دوغراس» و«لي أنفاليد»، والثانية تعوّد على قضاء إجازاته السنوية في إقامة تعود ملكيتها للدولة الجزائرية. وأضافت المصادر أن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة لا يزال مستقرا، حيث يتابع إقامته في سيدي فرج (غرب العاصمة)، بعيدا عن الضغط وتحت مراقبة فريق من الأطباء والمختصين في التأهيل الحركي، ولا يُسمح له إلا بمتابعة أنشطة رسمية محدودة، تتمثل في توقيع بعض القرارات والمراسيم المهمّة، وبعض الاستقبالات البروتوكولية لشخصيات وضيوف أجانب. ولم تشأ السلطات الجزائرية الإقرار بتعقّد الوضع الصحي للرئيس، واستحالة أداء مهامه بصفة عادية، ولذلك دفعت به إلى خوض معترك الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مُستثمرة ما يحظى به من ثقل شعبي للاستمرار في أداء مهامها في الظل وممارسة الحكم باسمه. يُذكر أنّه رغم ردّة فعل المعارضة وتزايد انتقاداتها ورغم تحفّظ الرأي العام الدولي، فإنّ الرئيس بوتفليقة مر إلى العهدة الرابعة على كرسي متحرك وعلى أنقاض وعود مألوفة بإخراج حلم التغيير السياسي المنشود إلى أرض الواقع. وكان بوتفليقة قد أحال الكثير من مهامه وصلاحياته الرئاسية إلى وزيره الأول، عبدالمالك سلال، في ظلّ وضعية الشلل الجزئي التي يعاني منها الرئيس منذ حوالي عام ثمّ تحوّلت إلى شلل عام للبلاد. ويقول مراقبون، إن القوى الحقيقية الماسكة بالسلطة، التي دفعت ببوتفليقة إلى العهدة الرئاسية الرابعة، تريد خلافته بسلال بعد الانسحاب الطبيعي للرئيس المريض بعيدا عن الضجيج والجدل، لاسيما أمام الغياب اللافت لبوتفليقة عن العديد من المحافل الرسميّة التي لم يتعوّد الغياب عنها، وتعويضه بالوزير الأوّل على غير رجال الثقة الآخرين. وأكدت المصادر أن بوتفليقة، بعد عودته من فترة النقاهة، سيشرف على مجلس للوزراء ينتظر أن يدرس عددا من الملفات العالقة، على غرار الوضع الأمني والدستور، إلى جانب حركة جديدة في سلك المحافظين والقضاء والإداريين. والملاحظ أن مؤسسة الرئاسة عادت إلى أسلوب التعتيم والتكتم عن كلّ ما يتعلق بصحة الرئيس، رغم محاولاتها الانفتاح اضطرارا في وقت سابق، وذلك بعدما أصبح تنقل بوتفليقة إلى الخارج من أجل العلاج والنقاهة يثير في كل مرة انتباه الإعلام الفرنسي بالخصوص. وهدأ الحديث تدريجيا عن صحة رئيس الدولة بعدما كان هذا الملف أبرز ما هو مطروح في الساحة السياسية. وفي فترة ما قبل الرئاسيات أثيرت القضية بحدة غذّتها تصريحات خصوم الرئيس وأيضا غيابه الفعلي عن متابعة الشأن العام، وتفجر نقاش عميق حينها حول فحوى المادة 88 من الدستور المتعلقة بتكليف رئيس البرلمان بمنصب الرئيس بعد ثبوت وجود موانع تحول دون مواصلة مهامه.