بينما يخلد هذه الأيام كل شرفاء وأحرار المغرب العربي الكبير ذكرى ثورة العشرين من غشت 1955 المجيدة والتي اندلعت بمنطقة قسنطينةالجزائرية، حيث هاجم آلاف مجاهدي جبهة التحرير الوطني مدعومين بالسكان المحليين في واضحة النهار وبالهتاف والزغاريد كل المراكز والمرافق الاستعمارية، بكل ما كان تحت أيديهم من أسلحة نارية قليلة وفؤوس وبلطات وسكاكين وهراوات وقضبان حديدية. ... يخلد نفس الشرفاء والأحرار في اليوم ذاته في المغرب ذكرى انتفاضة (وادي زم)، والتي كانت لها نفس القيادة المغاربية المخططة.. بنفس التوقيت في كل من سكيكدةووادي زم. .. بينما ينغمر الجميع في تخليد هذه المناسبات، تفاجئنا في كل سنة كل أجهزة الإعلام الرسمي الجزائري، من تلفزات وإذاعات وجرائد.. بإطلاق عنوان خاص ومتميز على الأحداث المغاربية لهذا اليوم المشهود، من خلال إطلاق عنوان خاص ومتميز على هذا اليوم الكفاحي المغاربي.. باعتباره في نظرها: (اليوم الوطني للمجاهد).. وكأنما استنفذت كل تلك الدوائر في قاموس اللغة كل الأوصاف التي تستطيع التعبير عما حدث بشكل صادق ومنصف وموضوعي، بالارتباط مع ظرفيته، وخلفيته التنظيمية، وأبعاده السياسية وغيرها، بعيدا عن إعمال آليات التعمية والتضليل ومداورة الأفهام!!؟ ولكي لا نضيع في متاهة التعريفات، ها هو ذا واحد من كبار قادة ثورة (سكيكدة) الرئيس الأسبق المجاهد علي كافي كما يقول في مذكراته: (..ولقد كانت من جملة الأهداف المتوخاة من هذه الثورة تأكيد التضامن الفعال وبالدم مع الشعب المغربي الشقيق في الذكرى الثانية لنفي جلالة الملك محمد الخامس، وتأكيد الرغبة في استكمال شمولية الكفاح في كامل أرجاء المغرب العربي..إلخ). وتنسجم هذه الشهادة مع مضامين كتابات كل من المؤرخين الجزائريين من حسين زهوان ومحمد حربي وغيرهما. كما تنسجم هذه الشهادة مع ما ذكره لي مرار كل من المجاهدين سعيد بونعيلات والمرحوم الغالي العراقي من أنهما حضرا نفس يوم 20 غشت 1955، في منزل رفيقهما حسن الاعرج في تطوان بحضور باقي أعضاء القيادة، اجتماعا خاصا مع المجاهدين محمد بوضياف وأحمد بنبلة، وقد فوجئوا جميعا بأن طرح القائدان الجزائريان ورقة عمل تتضمن: 1 التعجيل بإقرار البناء السياسي المغاربي الموحد تحت رئاسة الملك محمد الخامس. 2 التعجيل بتشكيل جيش موحد لتحرير بلدان المغرب العربي. كي لا ننسى بأن عقد مؤتمر الصومام بتاريخ 20 غشت 1956، لم يكن بعيدا عن هذه الرمزية. ..فلماذا لا نضع عنوانا موحدا ومشتركا على صعيد الدولتين ينبني على حقائق التاريخ الكفاحي المشترك؟ أم أن ذلك لا يخدم مصالح أولئك الجنرالات الذين (سرقوا) ثورة المليون شهيد منذ أن سمموا الرئيس الهواري بومدين في (زير الدة) سنة 1978، بالتآمر مع أكثر من مائتي ضابط من أتباع الدولة الفرنسية حسب تأكيدات رئيس الأركان الجزائري الأسبق الكولونيل الطاهر الزبيري؟؟ والذين يقودون بالفعل دولة الجزائر حتى اليوم، خلف رئيس جمهورية معاق لا حول له ولا قوة. وعلى كل حال، ستبقى أبصارنا مركزة مساء يوم الثلاثاء 19 غشت الجاري، لنعاين مجددا ساعات من البث المغرض والمضلل حول هذه الثورة.. على قنوات جنرالات الجزائر (الثالثة والنهار والسلام.. وغيرها)، بإحضار لحسن الدغيدي وبن ابراهْم فاطمة الزهراء.. وغيرهما من مؤرخي المخابرات الجزائرية.. حيث سيتحدثون مطولا بتوظيف الكثير من صور الأرشيف والشهود، ولكن خارج السياق الكفاحي المغاربي الفعلي من حيث التخطيط والتنفيذ والتوجيه.. ...نعم إن مِحنتنا المغاربة الحقيقية اليوم لم تعد منحصرة في تزوير وقائع التاريخ وتكييفها لخدمة مصالح استعمارية لا تزال قائمة حتى اليوم.. بل وتعدتها إلى السطو على ثورة عملاقة مشتركة كالثورة الجزائرية، سقيناها جميعا بدمائنا، ودعمناها بأموالنا، لكي تُحوَّل مجموع إقليمنا المغاربي إلى بؤرة للتوتر والحروب وتسويق المصنوعات الحربية الفرنسية ونهب ثروات الجزائر ومالي وتشاد وموريتانيا.. وغيرها.. بأبخس الأثمان، وتحويل دولتي ليبيا وتونس إلى دول فاشلة!!؟ وتحويل دولة المغرب لكيان مقطوع الجذور برصيده الافريقي. وثائق مرجعية: 1 مذكرات الرئيس علي كافي دار القصبة 1999. 2 محمد حربي الثورة الجزائرية فضالة 1988. 3 الغالي العراقي ذاكرة نضال وجهاد النجاح 2002. 4 محمد لومة مكافح مغاربي يتذكر.. حول مسار سعيد بونعيلات) 2014.