ما يعانيه الشعب العربي الفلسطيني بإمكاناته المادية المتواضعة، وما يواجهه، أمام قوة وبطش وعدوانية المشروع الاستعماري، التوسعي، الاحتلالي، العنصري الإسرائيلي وتفوقه، يحتاج ليس فقط إلى الأمنيات والتمنيات، والتعاطف المعنوي، والإشادة بالانتصارات سواء كانت حقيقية أو وهمية، بل يحتاج لدعم مادي ملموس تساعده على الصمود والبقاء على أرض الوطن، حتى لا تتكرر مأساة النكبة عام 1948، وعوامل النكسة عام 1967 بالتهجير والطرد والترحيل القسري، أو تحت متطلبات الأمن والحاجة، فالخلاصة التي وصلها الشعب العربي الفلسطيني بعد سلسلة الحروب التي خاضها، والمعارك التي قاتل خلالها، والمآسي التي عاشها، أن يقاتل بلحمه العاري، وباستعداده العالي للتضحية، فالأشقاء كل له مشاكله العويصة. والأردن الأكثر تحملاً لتبعات اللجوء والتشرد الفلسطيني، إلى جانب لبنان وسورية ومصر، بسبب عدد اللاجئين الذين قدموا إليه ودفعوا ثمن تجربتي 48 و67، وخبر معاناة الفلسطينيين وشاركهم الوجع، أدرك أهمية الصمود الفلسطيني على أرض فلسطين ودوافعه في عاملين جوهريين هما: الأول: لإفشال البرنامج الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الهادف إلى ترحيل الفلسطينيين وطردهم من وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، من خلال جعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وشعبها وسكانها، بالإفقار والتجويع والتضييق على فرص الحياة، وقتل التنمية، ومنع الاستقرار، وتدمير الإمكانات المتوفرة أو المتاحة. والثاني: حماية الأردن من الأطماع التوسعية الإسرائيلية، الهادفة إلى جعل الأردن حاضنة للفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين، وحل مشكلتهم خارج فلسطين، في الأردن وغير الأردن، ولذلك يسعى الأردن، لحماية نفسه من الأعباء البشرية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال تبنيه لصمود الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه فلسطين، وإسناده لخياراتهم الوطنية بالصمود أولاً ونيل الاستقلال ثانياً والعودة إلى بلدهم واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها ثالثاً. ولهذا برز، الموقف الشعبي والرسمي الأردني، قلقاً من مجريات الأحداث وتطورها على الأرض، ومن الدمار الذي أصاب حياة وممتلكات أهالي غزة مثلما سبق وأن تعرض له أهالي الضفة الفلسطينية في سنوات الانتفاضة العام 2000 وإعادة احتلال المدن الفلسطينية بعد تدميرها في جنين والخليل ورام الله وطولكرم وقلقيلية وغيرها. ولذلك تعددت أدوات الدعم الأردنيلفلسطين، وتمثلت بالقنوات التالية: 1 - عبر القوات المسلحة الأردنية، والمستشفى الميداني العسكري في غزة، الذي يقوم على خدمة الجرحى والمرضى وترحيل أصحاب الإصابات الحرجة إلى مستشفيات القوات المسلحة في عمان. 2 - عبر الهيئة الخيرية الهاشمية التي تنقل المساعدات الغذائية والطبية إلى قطاع غزة، حصيلة التبرعات والمساعدات المقدمة من قبل الأردنيين، وتلك المتبرع بها من البلدان العربية، التي لا تستطيع توصيل إسهاماتها ودعمها المادي لفلسطين. 3 - عبر صندوق الزكاة الذي جمع مبلغ أربعة ملايين ونصف المليون دينار أردني، طوال شهر رمضان، رصد منها مبلغ أولوي، بمثابة الدفعة الأولى، وتقدر بمليون ونصف المليون دينار، ثم توزيعها بواقع ألف دينار لأسرة الشهيد، وألفي دينار لكل عائلة تعرض بيتها للهدم و200 ألف دينار لشراء الأغذية و200 ألف دينار لشراء الأدوية والاحتياجات الطبية. 4 - عبر السفير الأردني في مجلس الأمن الذي يقوم بتقديم الاقتراحات والقرارات نيابة عن المجموعة العربية، وبالتنسيق المسبق مع سفير فلسطين لدى الأممالمتحدة رياض منصور. 5 - عبر التحركات والاتصالات الرسمية من قبل رأس الدولة الملك، والحكومة الأردنية عبر وزير الخارجية لتوضيح الصورة الحقيقية عن معاناة الشعب الفلسطيني للمجتمع الدولي، وحاجته للمساعدات في سياق حقه في استعادة حقوقه، وإزالة أسباب استمرار العدوان، والحروب الأربع التي تعرض لها قطاع غزة. 6 - تشكيل لجنة شعبية أردنية برئاسة رجل الأعمال محمد صقر، وضعت لها برنامج عمل، سيكون باكورة عملها إقامة مباراة لكرة القدم بين ناديي الوحدات والفيصلي، ُيرصد ريعها لصالح أهالي قطاع غزة، إضافة إلى سلسلة من المبادرات المماثلة، وفي طليعتها حفل غناء للفنان الفلسطيني محمد عساف مع الفنان الأردني عمر العبدالات لنفس الهدف النبيل. 7 - حركة الشارع والأحزاب والنقابات والبلديات ومؤسسات المجتمع المدني تعبيراً عن تضامن الأردنيين مع الفلسطينيين، ومطالبتهم الجماعية الملحة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، ما يعزز من الموقف الرسمي الحكومي في مطالباته من حكومة العدو الإسرائيلي، في تمرير المساعدات الأردنية المدنية لقطاع غزة، ودعواته للمجتمع الدولي في الاهتمام بمعاناة الفلسطينيين والتعاطف معهم. الانحياز الأردني، تعبير عن ضمير الأردنيين، باعتبارهم الرافعة الأقرب إلى فلسطين إلى جانب المصريين، وهو مؤشر على جذب العرب إلى خندق الدعم العربي، باعتبارهم نموذجاً في كيفية تخفيف الألم والعذاب عن الشعب الفلسطيني، وتشكيل روافع مختلفة، بهدف دعمه وإسناده في رحلة نضاله العادل والمشروع، الطويلة المعقدة، ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وعدوانيته العنصرية الفاشية.