المصطفى كليتي : قلما تجد مبدعا يشبه نفسه ، مبدع أصيل حتى في تفاصيل حياته اليومية ، وقد تدفعك الصدف لمعرفة والاحتكاك مع من ينتسبون لحقول الجمال ، فالمرحوم محمد غرناط شخصية عذبة وجد هادئة ، يعمل بجهد دؤوب دون أن يحدث ضجيجا أو يبحث عن مساقط ضوء ، طول حياته أخلص لرسالتين ساميتين ، مهنة التدريس وهاجس الكتابة والتأليف ولاسيما في جنس القصة القصيرة والرواية ، لم يكن أبدا متسرعا أو متملقا أو باحثا عن امتيازات أو مناصب كان همه فقط أن يخلص لمساره الناصع النقاء . فقد بصم السرد المغربي بعطاءاته المتواترة « سفر في الأودية الملغومة « ، الصابة والجراد « ، داء الذئب « ، « الحزام الكبير « هدنة غير معلنة « ، « الحزام الكبير « ، « خلف الأسوار « معايير الوهم « متاع الأبكم « ، « حلم بين جبلين « ، « تحت ضوء الليل « ، الأيام الباردة « والحبل على الجرار …. محمد غرناط قال كلمته ومضى بدون ادعاء أو جري وراء الأضواء ، كم يكون رائعا أن يعيش الإنسان سلسا بسيطا كدفق الماء ، لكن برواء الخصوبة والعطاء ، حسب عرفي خير قبر يحتفي بالكاتب هو كتبه ، فكلما فتحنا كتابا لك ، شعرنا بنبض قلبك وعقلك أيها الكلتب الوديع ، فنم قرير العين .
أحمد بوزفور : عرفتُ الأستاذ محمد غرناط كاتبا منذ نشر مجموعته القصصية الأولى، ثم عرفته شخصيا حين زاملته في التسعينيات بكلية الآداب عين الشق بالدار البيضاء. عرفتُ في الكاتب الدقة والكثافة والواقعية المُشْرَبَةَ بالإيحاء والرمز وبالمزج بين الواقع الاجتماعي الخارجي والواقع النفسي الداخلي. وعرفتُ في الكاتب العزوفَ عن الأضواء والإخلاص للكتابة دون غرض ودون استعراض. وعرفتُ في الشخص الصديقَ الودود والإنسان الطيب الرقيق الذي يقبل الاختلاف وينصت للرأي الآخر ويحب الخير لجميع الناس. لقد فقدنا بفقده كاتبا متميزا أضاف إلى السرد المغربي نكهة خاصة ، وأنجز في متنه أعمالا نعتز بها. وفقدتُ شخصيا بفقده صديقا عزيزا لا يُعَوَّضُ أبدا. أدعو الله أن يرحم أخي العزيز سي محمد غرناط. وأدعو أصدقاءه وأسرته والمسؤولين عن الثقافة في بلدنا إلى نشر أعماله الكاملة وتوزيعها والحث على قراءتها ودراستها ، فهي عزاؤنا من بعده وحضوره في غياب . عبد الواحد كفيح : في الأرض الطيبة بربوع الفقيه بن صالح، وفي زمن بعيد جدا امتشق محمد غرناط القلم وكتب فأبدع كنت في ذاك الزمن الموغل في القدم لا أتخيله إنسانا عاديا على شاكلة البشر، بل مخلوقا خرافيا من جبلة أخرى . حكيم أو عراف ذاك الذي دله على صندوق العجب العجاب الذي ينهل منه قصصا قصيرة باذخة بحجم شلالات عسل . اختار محمد غرناط في أرض الأولياء والصالحين أن يخرج عن المألوف واختار أن يعبد طريقا مخالفا تماما لكل الطرق المألوفة ، والمتكررة لأنه يعرف سلفا أنها لا تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى محطات عادية ومتكررة وهو الباحث عن الجزر العذراء المدهشة . مازلت يا محمد وستبقى على الدوام ، شامخا بيننا كالطود ، كشجرة مباركة توتي غلالها على مر الفصول والعصور . ما كنت تمتلك من متاع الأبكم بل من متاع الدنيا غير يراعك وصمتك الضاج بالمعاني ، وها أنت اليوم، بضربة موجعة من ضربات الخفاء القاسية، تتأبط مسوداتك ورقعك وتغادر على حين غرة وقد تركت فينا جرحا غائرا لا يندمل أبدا.لا أرثيك عزيزي، فقد سكنت القلب وتمددت فيه فطوبى لي بصداقتك التي ستبقى لي كنزا لا ينفد أبدا من المحبة والذكريات.
حميد ركاطة : محمد غرناط لن يموت أبدا علاقتي بالراحل المرحوم الاستاذ محمد غرناط ليست طويلة، ولكنها متينة وقديمة جدا، اولا من خلال أعماله التي تعرفت عليها في وقت جد مبكر حيث اكتشفت فيه الكاتب العميق، الملم بشكل كبير بقضايا محيطه ووطنه.. الكاتب الإنسان والمبدع . الأستاذ محمد غرناط ومنذ اضطلاعي على أعماله القصصية الأولى إلى جانب كتاب آخرين بصموا المشهد الثقافي كالمهدي الودغيري، وعبد الجبار السحيمي واحمد بوزفور، وادريس الخوري، وادريس الصغير. .. وعبد الرحيم المودن. وعبد الحميد الغرباوي.. وهم كتاب تجمع بينهم الجودة والندرة. أدركت حينها أنني إزاء كاتب بمميزات خاصة، فأقبلت على قراءة أعماله. وكان اللقاء الحقيقي الأول بخنيفرة حين كرمناه في الملتقى الثاني للقصة القصيرة بخنيفرة الذي نظمته جمعية الأنصار للثقافة. والذي تم خلاله الاحتفاء بتجربته بحضور العديد من الأسماء البارزة في مشهدنا الثقافي المغربي من كتاب ونقاد وناشرين وإعلاميين. محمد غرناط لن يموت لأنه سيظل خالدا في ذاكرة العديد من الاجيال خلال ما خلفه لنا من إرث إبداعي متنوع .. الراحل محمد غرناط بعيون الأسرة الصغيرة *الزوجة خديجة رواضي على مدى 40 سنة كان محمد غرناط نعم الزوج ، عطوفا ورحيما ومحبا لأبنائه وحريصا على دراستهم وتربيتهم على أحسن وجه . كان عاشقا للكتب والكتابة مند شبابه وحتى آخر يوم في حياته . لم يكن يستلطف الأماكن الصاخبة والمزدحمة وكان يميل إلى العزلة و الهدوء والانزواء، والانحياز للكتابة أو القراءة رحمه الله و أسكنه فسيح جناته . * فدوى غرناط ، أسماء غرناط ، إيمان غرناط «وبشر الصابرين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» ، توفي أبونا رحمه الله بعد صراع طويل مع المرض ابتلي به فصبر وشكر . بنفس راضية لم نكن نسمع منه سوى كلمة «الحمد لله» . رحل عنا بهذه السرعة الى دار البقاء رحل عنا سند البيت . رحل عنا الأب الحنون و الصديق الوفي والإنسان المتواضع المتخلق الحكيم الرزين ، الإنسان المثقف ، الذي لم يكن يبخل عنا بمعلوماته في كل الميادين وخصوصا في مجال تخصصه . كان والدنا أبا وأخا وصديقا وموجها بنصائحه ورؤيته للأمور التي غالبا ما كانت تميل إلى التوازن وعدم إعطاء الأمور حجما أكثر مما تستحقه , كان يشجعنا على المطالعة ويجنبنا من خلال نصائحه تضييع الوقت في ما لا فائدة فيه . لقد تعلمنا منه كيفية التفكير في الأمور بشكل عميق ودقيق . كان يتميز بالحكمة والرزانة وبعد النظر وكان مربيا ناجحا , شغوفا بالقراءة والمطالعة . كان رحمه الله كان محط استشارة دائمة و مستمرة في كافة انشغالات الحياة اليومية . كان يملك صدرا رحبا حتى في أصعب الفترات التي عاشها مع المرض . بصرامته وحرصه الشديدين غرس فينا الروح الطموحة التي لا تستسلم أبدا . حواراته معنا وأحاديثه و عباراته العميقة ستظل في ذاكرتنا الثقافية ستضل حية في قلوبنا . لروحك الطاهرة الغالية نقول «دمت فخرا لنا رحمك الله وأسكنك فسيح جناته».