إن متابعة حياة الكُتّاب من خلال مذكراتهم وسيرهم الذاتية، بالإضافة إلى قراءة الحوارات التي أجريت معهم، يكشف للقارئ بشكل جليّ أن فترة الكتابة تتباين في الزمن وفي استخدام الأدوات الأخرى، فلكل كاتب طقسه الخاص به، و الذي لن يدخل غمار البوح الأدبّي من دون الاستغراق فيه. فالروائي المصري (نجيب محفوظ) كان يكتب في فصلي الشتاء والخريف ولثلاث ساعات يومياً من العاشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً، وفي مكتب منزله بحي العجوزة، ومن طقوس كتابته أن يتهيّأ للكتابة بالمشي قليلاً والاستماع إلى الموسيقى وبعض الأغاني من المذياع، وكان خلال ساعات الكتابة يتناول ثلاثة فناجين قهوة، فنجان واحد كل ساعة تعدها زوجته من دون أن يطلب منها ذلك، ومع القهوة يدخّنُ بشراهة، أمّا الصحافي و الكاتب (أنيس منصور) فكان لا يكتُب إلاّ في الساعة الرابعة صباحاً. بينما كان الروائي الفرنسي (بلزاك) لا يبدأُ في الكتابة إلاّ عندما يضع بجواره دلواً كبيراً من القهوة وكان يشرب من عشرين إلى ثلاثين فنجاناً منها. الروائي (ألبير كامو) كان لا يكتُب إلاّ عندما يكون واقفاً أمام الشرفة، أمّا الروائي الكولومبي الشهير (غابرييل غارسيا ماركيز) فكان لا يبدأ الكتابة إلاّ عندما يرتدي لباس الميكانيكي ! ومن عادات (تولستوي) أن يكتب في الصباح فقط، فكان يرتدي لباس الفلاحين قبل الكتابة ويرى أن هناك ناقداً يسكن داخل كل كاتب، وينشط ذلك الناقد في الصباح وينام في المساء. وعندئذ لا يكون أمام الكاتب إلاَّ أن يحكُم على ما يكتبه بنفسه. واستشهد تولستوي على قوله هذا، بأن جان جاك روسو، وتشارلز ديكنز، كانا يكتبان في الصباح، بينما تعوّد دوستويفسكي وبايرون الكتابة ليلاً، وبذلك أخطأ في حق موهبتهما. وكان (تشيخوف) في شبابه يكتُب على حافة النافذة في شقة مزدحمة بالسكان بموسكو. أما (شيلر) فلا يكتب إلاَّ بعد أن يشرب نصف زجاجة من الشمبانيا، ويضع قدميه في المياه الباردة. وكان (ليرمونتوف) يخطّ أشعاره في أي شيء تقع عليه يداهُ، وليس من الضروري أن يكون ورقاً. ولم يكتب الشاعر الفرنسي (برانجيه) أشعاره إلاَّ في المقاهي الرخيصة، كما كان الكاتب (إيليا إهرنبورغ) يرى أن جو المقاهي ملائم للكتابة، وقد عُرف عن (مارسيل بروست) أنّه لا يستطيع الكتابة إلاّ عند دخوله غرفته ليلاً حيث الصمت والجدران المغلّفة بالفلّين المانع لتسلل ذيول الصخب الذي ترمي به شوارع باريس. و قد ذكرت الكاتبة (دانيال ستيل) أنها تكتب أعمالها على آلة قديمة، وتعمل على خمسة كتب في آن واحد، في حين أن الروائي الجزائري (الطاهر وطار) يكتب من الثامنة صباحاً إلى الخامسة عصراً ولمدة 15 يوماً حتى ينهي الرواية، أما (أحلام مستغانمي)، فالمكان المميّز لها في الكتابة هو السرير. ويحكى عن الكاتب الإيطالي (دانتي) أنه كان يكتب أشعارهُ وهو مستند إلى شواهد القبور في صمت رهيب، أمّا الكاتب الأمريكي (إرنست هيمنجواي) فكان لا يكتُب إلا في الصباح الباكر، وفي غرفة نوم واسعة ومشمسة، بقلم الرصاص وهو واقف على رجليه منتعلا حذاء أكبر من مقاسه، وعلى ورق آلة كاتبة شفاف. الكاتبة التشيلية (إيزابيل الليندي) تقول عن طقوسها في الكتابة: »في الصباح الباكر في مكتبي، أوقد بعض الشموع للأرواح وعرائس الإلهام، أتأمل لبعض الوقت، ودائما ما أحيط نفسي بالأزهار والبخور، ثم أفتح ذاتي كليّا على التجربة التي ابتدأت في تلك اللحظة«. الكاتب الأرجنتيني (بورخيس) كان يغطس منذ الصباح الباكر في حوض الاستحمام ليستغرق في التأمل وليناقش الحلم الذي حلمه الليلة الفائتة، وليدرس إن كانت فكرة الحلم تنفعه في صياغة أدبية ما، فإذا اهتدى إلى البداية والنهاية قام من حوض الاستحمام ليكتب. أمّا الروائية العالمية (أجاثا كريتسي) فكانت تأتيها الأفكار في الحمام كما قالت، فقد كانت تجلس في الحوض لساعات طوال حتى تجد القصة الملائمة. وقد عرف الروائي الإيطالي (ألبرتو مورافيا) بانضباطه التام في الكتابة إذ كان يقول: »أكتب كل صباح بالطريقة نفسها التي أنام فيها وآكل، لقد أصبحت الكتابة جزءً عضوياً في إيقاعي البيولوجي »،أمّا الكاتب الفرنسي (إميل زولا) فكان يمضي تسع أو عشر ساعات في اليوم على مكتبه، ولكن غالباً ما كانت تمضي الساعات وهو جالس ينظر إلى خارج النافذة محاولاً استرجاع بعض المناظر أو الشخصيات ليسُوقها إلى الصفحة .