تتواصل اليوم الخميس بجنيف، فعاليات الحوار التفاعلي الأول بين المغرب الرسمي والمدني واللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك في إطار الدورة الثامنة عشر لهذه اللجنة التي أنشأتها الاتفاقية المعنية في مادتها ال 34، ويأتي هذا التفاعل بمناسبة تقديم المغرب لتقريره الدوري الذي من المفترض أن يكون قد رسم صورة واقعية موضوعية عن حقوق هؤلاء الأشخاص الذين يمثلون اليوم أزيد من ستة بالمئة من مجموع سكان المغرب، وأن ينسجم هذا التقرير مع مواد الاتفاقية التي صادق عليها المغرب في سنة 2009 بعد نضالات مكثفة ومرافعات قيمة أثمرت كذلك إيلاء دستور يوليوز 2011 أهمية خاصة، من خلال ديباجته التي حظرت كل أشكال التمييز على أساس الإعاقة أو الفصل 34 الذي نص على أن: «تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على ما يلي: – معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها. – إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع». لقد وصلت نسبة انتشار الإعاقة على المستوى الوطني حسب الإحصائيات الرسمية، 6،8 % سنة 2014، حيث هناك أكثر من مليونين و260 ألف شخص يصرحون بأن لديهم إعاقات تختلف أنواعها ودرجاتها، مما يستوجب وضع سياسات عمومية واستراتيجيات للنهوض بأوضاعهم وتوفير متطلبات ولوجهم لمختلف مناحي الحياة، ومما يلزم السلطات العمومية بمختلف مستوياتها أن تضع هذا الملف ضمن أولوياتها، خاصة في مجال التعليم والولوجيات وترسيخ الوعي بأن هؤلاء الأشخاص مهما وكيفما كانت إعاقتهم فيجب التعامل معهم دونما تمييز، وبالتالي يجب وضع رؤية مندمجة تستحضر مختلف الأبعاد التشريعية والاستثمارية والاجتماعية والحقوقية من أجل إقرار إجراءات ناجعة تتناغم مع التوجهات الدولية من جهة، والمقتضيات الدستورية من جهة ثانية. لقد عانى هذا الملف، ملف الأشخاص في وضعية إعاقة، من انعدام المقاربة التشاركية الحقيقية التي تجعل السياسة العمومية منبثقة من الهواجس والأولويات الفعلية التي يعبر عنها المجتمع المدني المعني بقضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، ومن جهة ثانية غياب مخططات جهوية حقيقية تمكن من تحقيق العدالة المجالية في معالجة مشاكل هؤلاء الأشخاص وتوفير الخدمات التربوية والاجتماعية والثقافية لهم، خاصة بالوسط القروي، كما أن هناك ضعفا في الإجراءات المتخذة في القضاء الفعلي على مظاهر التمييز والتهميش والإقصاء التي يعاني منها الأشخاص في وضعية إعاقة، وبالتالي تمكينهم من حقهم في الاندماج الصحيح داخل المجتمع. لكل ذلك يتطلب ملف الأشخاص في وضعية إعاقة استراتيجية مندمجة تشمل مخططات استعجالية من أولوياتها تحيين الإطار التشريعي الوطني يتماشى مع ما نصت عليه المقتضيات الدستورية والتوجهات العامة للاتفاقيات الدولية، ووضع برنامج وطني خاص بالولوجيات تعبأ حوله كل القطاعات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والقطاع الخاص ومقاولات البناء والتجهيز ومؤسسات الإعلام والتواصل، وإعطاء نفس جديد للرفع من وتيرة فتح الأقسام المدمجة بالتعليم العمومي لضمان حق كل الأطفال المعاقين في التربية والتعليم، ومن جودة البرامج التربوية والتأهيلية، واتخاذ تدابير من أجل التغلب على العقبات التي تحول دون تيسير تعليم دامج للأشخاص ذوي الإعاقة، ومكافحة التمييز على أساس الإعاقة في نظام التعليم، وضرورة تكوين المربين المختصين من أجل تطوير قدرات المدرسين المسؤولين عن تعليم ذوي الإعاقة… وكذلك العمل على تحسين جودة الرعاية الصحية، ولضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إليها سواء على مستوى البنيات أو المناطق، وذلك في إطار عدالة مجالية تدعم هذه الجودة، وأن تتوفر للآلية الوطنية الخاصة التي سيتم إحداثها داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الاعتمادات المالية الكافية، والاستقلالية في اتخاذ القرار، وأن تساهم في ضمان تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ومنظماتهم من المشاركة الفاعلة… إننا نأمل في أن تكون جلسات الحوار التفاعلي مناسبة للحكومة لاستدراك القصور الذي اعترى السياسات العمومية في الولاية الحكومية السابقة، خاصة بعد أن صادق المغرب على الاتفاقية وأقر دستوره الحالي بحقوق هؤلاء الأشخاص.